واشنطن «قلقة» من النفوذ الإيراني في لبنان.. ومن تداعيات القرار الظني على الحكومة

قيادات موالية لسورية اتهمت كلينتون بممارسة «التهديد» على الرئيس سليمان

TT

تبدي الولايات المتحدة الأميركية قلقا متزايدا حيال الوضع اللبناني المتأزم بسبب ما يشاع عن «اتهام مرتقب» من المحقق الدولي في قضية اغتيال الرئيس الأسبق للحكومة رفيق الحريري لعناصر من حزب الله بالضلوع في جريمة الاغتيال، بالإضافة إلى ما ترى الإدارة الأميركية أنه «تزايد في نفوذ إيران داخل لبنان»، خصوصا بعد الزيارة الاستعراضية التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى لبنان، والتي لقي فيها من حزب الله حفاوة بالغة أظهرها الحزب ولقيت تململا لبنانيا داخليا وانزعاجا غربيا واضحا.

وقد بدا الانزعاج الأميركي واضحا في الزيارة التي قام بها مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان، إلى لبنان، وما تلاه من اتصال أجرته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون برئيس الجمهورية اللبناني ميشال سليمان وأعلنت فيه «عدم التسامح مع ما سمته محاولات إضعاف المحكمة الدولية»، واصفة «تصاعد التوتر في لبنان بالأمر المقلق للولايات المتحدة» بحسب ما جاء في بيان للخارجية الأميركية.

وقد لقي اتصال كلينتون – كما زيارة فيلتمان – الكثير من التنديد في أوساط القوى اللبنانية الموالية لسورية، حيث وصف علي خريس، النائب من كتلة رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، المكالمة الهاتفية لوزيرة الخارجية الأميركية مع رئيس الجمهورية بأنها «نوع من التهديد والتدخل السافر في الشؤون الداخلية اللبنانية».

وقال فيلتمان في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز» إن الرئيس أوباما «شعر بحاجتنا الملحة إلى إعادة تأكيد التزامنا باستقلال لبنان والسيادة اللبنانية واستقرار لبنان. فهناك الكثير من المواطنين داخل لبنان يرون أن بلادهم تواجه خيار العدالة في مقابل الاستقرار، وهذا خيار زائف». وتجاوز قلق الإدارة لبنان ذاته هو ما يفسر كون لبنان، لا مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية المتوقفة، مثار اهتمام مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية خلال الأسابيع القليلة الماضية.

ويأتي النشاط الدبلوماسي الأميركي في أعقاب الجولة التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للبنان، حيث لقي استقبالا حاشدا من أنصار حزب الله،. وقد اندهش المسؤولون الأميركيون على نحو خاص من ذهاب محمود أحمدي نجاد إلى بلدة بنت جبيل التي لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن الحدود الإسرائيلية حيث طالب «بمحو الصهاينة».

وقالت الصحيفة إن «محاولات إيران لزيادة نفوذها ليست بالأمر الجديد. لكن محاولاتها الأخيرة لإبراز العضلات في المنطقة في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة إعادة إحياء عملية السلام في الشرق الأوسط محاولة لا يمكن أن تمر دون رد». ونقلت عن فيلتمان قوله: «نحن لا نريد أن يكون هناك اعتقاد بوجود حالة من الفراغ، أو أن أحمدي نجاد هو اللاعب الوحيد في المنطقة». ونقلت عن محللين أن الولايات المتحدة كانت محقة في إعادة تأكيدها بشأن التزامها بلبنان، لكنها ربما يكون تحركها متأخرا للغاية. فارتفاع أسعار السلاح يشير إلى أن ميليشيات أخرى غير حزب الله تعيد تسليح نفسها مما يزيد التهديد بتجدد الحرب الأهلية. وخلصت إلى أنه يبدو أن هناك حدودا لما تستطيع الإدارة الأميركية فعله لتحقيق الاستقرار في بلد منقسم مثل لبنان، فقد قدمت الولايات المتحدة أسلحة للجيش اللبناني بقيمة 670 مليون دولار في صورة مساعدات عسكرية عام 2006. لكن شهر أغسطس (آب) الماضي شهد وضع نواب الكونغرس قيودا على حصول الجيش اللبناني على المزيد من التمويلات بعد المناوشات الحدودية بين الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي، الذي أثار الشكوك بأن الأسلحة الخاصة بالجيش اللبناني تؤول في أيدي حزب الله.

وقد زاد الاستقبال الحاشد الذي لقيه نجاد في لبنان من المعارضة داخل الكونغرس، حيث أكد إليوت إنغيل، عضو مجلس النواب، الذي رعا مشروع القانون الخاص بفرض عقوبات على سورية، على أنه يفكر في الدعوة إلى تصويت لحجب المساعدات عن لبنان.. وقال إنغيل في مقابلة مع «واشنطن بوست»: «نحن بحاجة إلى التنبه لما نقوم به هناك. لا، لن ندعم منظمة إرهابية مثل حزب الله وحلفائه. إننا لا نرغب في استخدام أموالنا لتعزيز السياسات التي تضر بالأميركيين والشعب اللبناني».

ومع ترقب القيادات اللبنانية صدور القرار الظني في جريمة اغتيال الحريري تمهيدا لانطلاق عمل المحكمة الخاصة بلبنان التي شكلتها الأمم المتحدة عام 2007 للتحقيق في التفجير الذي أودى بحياة الحريري و22 آخرين، توقعت تقارير إعلامية لبنانية أن يتم تأخير صدور القرار حتى الربع الأول من العام المقبل. وقد زاد الإحساس باقتراب صدور القرار المخاوف من اندلاع أعمال عنف طائفية أو حتى حرب أهلية في لبنان إذا ما تم توجيه الاتهام إلى حزب الله المقتنع وفق تصريحات قادته بأنه «مستهدف من قبل المحكمة التي توجهها الولايات المتحدة». وقد ذهبت مواقف الحزب إلى حد المطالبة بإلغاء المحكمة والسعي إلى وقف تمويلها، غير أن الأمم المتحدة أكدت غير مرة أنها ستعوض نسبة الـ49 في المائة التي يدفعها لبنان من مصادر أخرى إذا ما توقف لبنان عن الدفع.

ويعبر المسؤولون الأميركيون عن اعتقادهم بأن المحكمة ستكون قادرة على استكمال التحقيقات. لكنهم عبروا في الوقت ذاته عن خشيتهم من أن تؤدي لائحة الاتهام التي ستصدرها المحكمة إلى إثارة المظاهرات في الشوارع وإذكاء التوترات بين السنة والشيعة. وربما تؤدي الاضطرابات إلى مناوشات بين حزب الله والقوات الإسرائيلية على الحدود. ومن شأن ذلك أن يقوض جهود السلام الموشكة على الانهيار بالفعل. ويثير الدور السوري التساؤلات بشأن جهود إدارة أوباما على مدى 18 شهرا للتفاوض مع هذه الدولة. ويرى بعض المحللين أن الوقت حان لإعادة الإدارة التفكير في هذه الجهود.