قضية أمن وسلامة المطارات تعود إلى الساحة الإعلامية

هيئة الملاحة البريطانية ترفض الرضوخ للمطالب الأميركية بشأن تشديد عمليات التفتيش

TT

دعمت هيئة الملاحة البريطانية انتقادات رئيس شركة «الخطوط الجوية البريطانية»، مارتن براوتن، لعمليات التفتيش المطبقة في المطارات، والتي وصفها بأنها زائدة عن الحد تماما، وأنه على بريطانيا أن تتوقف عن الرضوخ للمطالب الأميركية بفرض مزيد من الإجراءات الأمنية.

وفي تقارير نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية أمس، قال براوتن في المؤتمر السنوي لرابطة الشركات العاملة في المملكة المتحدة الذي عقد في العاصمة لندن «إنه ما من أحد يريد أمنا ضعيفا».

وطالب براوتن في الوقت عينه بوقف بعض الممارسات، مثل إجبار الركاب على خلع أحذيتهم، وفحص أجهزة الكمبيوتر المحمولة الخاصة بهم، مما يؤدي إلى نشوء طوابير تجعل المسافرين يفكرون في السفر عبر المطارات مرتين.

وأضاف «كلنا يعرف أن هناك عددا من العناصر في البرنامج الأمني زائدة عن الحد تماما، وما من حاجة للرضوخ أمام الأميركيين كلما أرادوا شيئا لتعزيز الأمن في الرحلات المتجهة إلى الولايات المتحدة، خاصة حين يتطلب ذلك القيام بعمليات تفتيش لا تفرضها الولايات المتحدة على رحلاتها الداخلية، كما أن أميركا لا تفعل داخليا الكثير من الأشياء التي تطلب منا أن نفعلها، لذا لا أرى حاجة لتأييد ذلك». وقال براوتن إنه «يجب فعل فقط ما نراه ضروريا، وما ترونه أنتم الأميركيين ضروريا أيضا».

ووصفت تصريحات براوتن بأنها تعكس الاستياء المتنامي للركاب وشركات الطيران من التزايد المتصاعد للوائح والأحكام التي تمس كل شيء، من السوائل المسموح الصعود بها إلى الطائرات، إلى الأشياء التي يمكن للراكب أن يحملها في يده، والتي طبقت بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001 على الولايات المتحدة.

وقال مايك غاريفيك، ممثل هيئة الملاحة البريطانية التي تمثل بدورها 80 شركة طيران من بينها شركة «بي إم آي» و«فيرجين أتلانتيك»، إنه تجب مراجعة مسألة التفتيش في المطارات والنظر مجددا في الأمور الخاصة بأمن المطارات. وأضاف غاريفيك «إنه في كل مرة يحدث فيها تهديد أمني، نرى أن هناك قانونا جديدا يطبق على المسافرين». وتساءل براوتن عن السبب حول فرض قوانين يفتش من خلالها الكمبيوتر المحمول، كما أن هناك لغطا كبيرا فيما يخص جهاز الـ«آي باد» فيما إذا كان يجب التعامل معه على أنه كمبيوتر أم هاتف، وبحسب براوتن فكل هذه المسائل من شأنها فرض ضغوطات كبرى على المسافرين.

وبرأي كولن ماثيوز، الرئيس التنفيذي لـ«الخطوط البريطانية»، فإن هناك قوانين ملاحة أوروبية وأخرى بريطانية، وإضافة إلى القوانين المذكورة هناك القوانين الأميركية المطبقة في الملاحة، مما يجعل الأمر أكثر تعقيدا.

وأضاف ماثيوز «يجب علينا التوصل إلى حل جذري لهذه المسألة، والقيام بخطوة أمنية سهلة وغير معقدة، وأنا أتمنى أن تتاح لي الفرصة لفعل ذلك».

وهذه ليست المرة الأولى التي نرى فيها قوانين الملاحة تصبح أكثر صرامة، ففي يناير (كانون الثاني) الماضي، أصبحت قوانين التفتيش أكثر تعقيدا في الولايات المتحدة بسبب الكشف عن التخطيط للتفجيرات المزعومة، مما أدى إلى تطبيق أساليب جديدة فيما يخص استخدام أجهزة الأشعة وتفتيش الأمتعة المحمولة والتفتيش الشخصي، وتطبق هذه القوانين بطريقة أشد على المسافرين القادمين من 14 دولة مدرجة على لائحة «الخطر الأمني». كما تقوم السلطات الأميركية بتفتيش المسافرين بطريقة عشوائية في المطارات بغض النظر عن الجنسية. وتشير بعض المعلومات إلى أن السلطات الأميركية الخاصة بأمن المطارات قد تطلب من المسافرين الكشف عن رقم جواز سفرهم وتاريخ انتهاء صلاحيته قبل التوجه إلى المطار، وهذا ما يراه بعض المسؤولين في هيئة الملاحة البريطانية انتهاكا للسرية الشخصية. وبحسب ما نشرته صحيفة «الفاينانشيال تايمز»، قال براوتن «إنه لا أحد يريد أمنا ضعيفا، لكن الكل يعرف أن هناك عددا كبيرا من المسائل الخاصة بالبرنامج الأمني التي لا تجدي نفعا وتجب معالجتها».

ولم يرد على الفور أي تعليق من الحكومة البريطانية أو مسؤولي المطارات على تصريحات رئيس «الخطوط الجوية البريطانية».

من جهة أخرى واجهت إدارة أوباما مقاومة متزايدة من داخل أوروبا لمطالبها بالتشارك واسع النطاق للبيانات المرتبطة بالركاب ومعلومات شخصية أخرى مصممة بهدف رصد الإرهابيين المحتملين قبل أن يشنوا أي هجوم.

وتثير الاعتراضات الأوروبية، القائمة على اعتبارات تتعلق بالخصوصية، قلق مسؤولي مكافحة الإرهاب الأميركيين نظرا لأن تفحص قوائم الركاب بالاعتماد على حواسب آلية تحول إلى أداة مهمة في النضال من أجل الحيلولة دون دخول إرهابيين إلى الولايات المتحدة أو سفرهم من أو إلى الملاذات الآمنة الخاصة بهم. يذكر أن الشخص الذي كان يفترض تنفيذه تفجيرا في تايمز سكوير ضبط على متن طائرة متجهة إلى دبي في مايو (أيار)، حسبما ذكر مسؤول أميركي رفيع المستوى بمجال مكافحة الإرهاب، بعدما أثار اسمه على قوائم المسافرين أجهزة الإنذار بالحواسب الآلية الخاصة بوزارة الأمن الداخلي.

وقد انتقد أنصار حماية الخصوصية من الأوروبيين الجهود الأميركية الرامية للتعرف على أكبر قدر ممكن من المعلومات بشأن المسافرين المتجهين إلى الولايات المتحدة، مشيرين إلى أنها تنتهك القوانين الأوروبية التقليدية التي تفرض حماية صارمة على الخصوصية. إلا أن قدرتهم على توجيه النقد تعززت مؤخرا وتحولت إلى قدرة على الإعاقة. منذ الأول من ديسمبر (كانون الأول)، منحت معاهدة لشبونة الخاصة بالاتحاد الأوروبي سلطة للبرلمان الأوروبي على مثل هذه الاتفاقات، في وقت يبدي البرلمان اتفاقه في الرأي مع أصحاب المخاوف بشأن الخصوصية.

من جهته، قال مارك روتنبرغ، الذي يترأس «مركز معلومات الخصوصية الإلكترونية» وأدلى بشهادته خلال جلسة استماع عقدها البرلمان الأوروبي في بروكسل، يوم الاثنين الماضي: «لم يعد بمقدور الإدارة الضغط عليهم بعد الآن». ونتيجة المخاوف التي يبديها المشرعون، طالبت الهيئة التنفيذية داخل الاتحاد الأوروبي بإعادة التفاوض بشأن الاتفاق القائم منذ 4 سنوات الذي يحدد الشروط التي يمكن لشركات الطيران الأوروبية التابعة لها تقديم بيانات تتعلق بالركاب. وترقى الخطوة لمستوى اعتراف بأن الاتفاق الراهن، الذي أعيد التفاوض بشأنه بعدما رفضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان النسخة الأولى منه، لا يمكن أن يحظى بموافقة البرلمان الأوروبي بصورته الراهنة.

ومن المقرر أن تضطلع اللجنة التنفيذية التابعة للاتحاد الأوروبي بالمفاوضات بشأن التوصل لاتفاق جديد، والتي من المقرر أن تنطلق خلال الأسابيع المقبلة. جدير بالذكر أن اللجنة فيما مضى بدت أكثر تعاطفا مع المخاوف الأميركية عن البرلمان. ومن المقرر أن يلتقي رؤساء دول الاتحاد الأوروبي الـ27 للموافقة على السلطة التفاوضية للجنة خلال مؤتمر قمة في ديسمبر. إلا أن أنصار حماية الخصوصية أكدوا أنه بغض النظر عن النتيجة التي سيخلص إليها رؤساء الدول، فإن الغالبية داخل البرلمان سترفض أي اتفاق لا يراعي القضايا المثيرة لقلقهم والمتعلقة بالخصوصية.

من جهتها، أشارت سوفي فيلد، من أنصار حماية الخصوصية عضو البرلمان الأوروبي تتولى منصب نائبة رئيس «لجنة الحريات المدنية والعدالة والشؤون الداخلية»، إلى أنه «الآن، أصبحت لدينا السلطة، وبات لزاما عليهم التعامل معنا».

وإدراكا منها للحقيقة الجديدة، عمدت البعثة الأميركية لدى الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز اهتمامها بالبرلمان. كان السفير ويليام إي. كينارد، أحد المعينين مؤخرا من جانب أوباما، من بين الذين أدلوا بشهادتهم خلال جلسة الاستماع المنعقدة الاثنين، وشدد على تاريخ العلاقات الأميركية - الأوروبية القائم على التعاون والقيم المشتركة. إلا أنه أشار إلى أنه «رغم تشاركنا في القيم ذاتها، فإننا نطبقها بصور مختلفة».

وقال كينارد إن واشنطن ستعارض أي محاولة لجعل الاتفاق الجديد يلغي عشرات الاتفاقات، معظمها سرية، التي أبرمتها مع حكومات أوروبية فردية. إلا أن الكثير من أعضاء البرلمان الأوروبي قالوا إن ترك هذه الاتفاقات من دون مساس حال انتهاكها للاتفاق الأوروبي الشامل لن يشكل أمرا منطقيا، مصرين على ضرورة تعديلها. وقد أخبر أحدهم كينارد: «لن يكون من اليسير التعامل معنا».

في المقابل، أكد مسؤول مكافحة الإرهاب في واشنطن، الذي رفض الكشف عن هويته بسبب حساسية القضية، أنه «أود القول إن هذا ليس سوى عثرة بالطريق، لكن إذا احتوى التفويض التفاوضي على بعض القيود على عمل اللجنة تجرد الاتفاق من مضمونه، سيخالجنا قلق بالغ».

من جهتهم، أثار أنصار حماية الخصوصية من الأوروبيين اعتراضات على الفكرة الأميركية الخاصة بـ«اصطياد البيانات»، أو مسح البيانات سعيا وراء استثناء مشتبه بهم من دون وجود سبب للاشتباه، علاوة على المحاولات الأميركية لاستخدام بيانات الركاب في وضع لمحات موجزة عن الإرهابيين المحتملين والتشارك في البيانات بين وكالات أميركية، بعض منها قد لا تكون له صلة بمكافحة الإرهاب. وقالت فيلد: «مجمل عملية جمع البيانات وصلت لدرجة اكتسبت عندها طابعا شبه هستيري».

وأعرب أعضاء البرلمان، الاثنين، عن قلقهم حيال غياب قناة قانونية موثوق بها أمام الأوروبيين للطعن فيما تفعله الوكالات الحكومية الأميركية بالبيانات التي جرى جمعها بشأنهم وما تخلص إليه من نتائج بناء عليها. جدير بالذكر أن المواطنين الأميركيين يملكون هذا الحق تبعا لقانون الخصوصية الصادر عام 1974، لكنه يستثني غير الأميركيين.

بجانب الاعتراضات المحددة، هناك شعور بالضيق من أن يطلب من الأوروبيين التعاون في حملة أميركية لمكافحة الإرهاب يتهمها الكثيرون بالانحراف أكثر من مرة عن مسارها الأصلي - لتسفر عن أعمال تعذيب وسجون سرية وعمليات تسليم متهمين استثنائية وسجن غوانتانامو.

وقال دوي كورف، من جامعة لندن متروبوليتان: «بدلا من دفع الأميركيين المعايير الأوروبية نحو الهبوط، علينا أن نصر على أن يرتقي الأميركيون إلى مستوى معاييرهم الراقية».

وتفاقمت مشاعر الضيق في يناير (كانون الثاني) عندما شرعت واشنطن في مطالبة المسافرين المتوجهين إلى أراضيها من دول يغطيها برنامج إلغاء الفيزا بتسجيل أنفسهم أولا لدى وزارة الأمن الداخلي. ويمكن أن يسفر الفشل في التسجيل على الموقع الأميركي على شبكة الإنترنت قبل يومين على الأقل من السفر عن رفض شركة الطيران السماح للراكب بالصعود إلى طائرتها، مما يحد من إمكانية سفر الكثيرين في اللحظات الأخيرة.

وتفاقم السخط بسبب صدور إعلان الشهر الماضي حول أن المسافرين الأوروبيين ستفرض عليهم رسوم 14 دولارا كي يسجلوا أسماءهم. ووصف بعض المسؤولين الأوروبيين عملية التسجيل ونظام الرسوم بأنها فيزا تحت اسم مختلف وهددوا بفرض مطلب ضرورة استخراج فيزا على المسافرين الأميركيين المتجهين لأوروبا انتقاما من ذلك الإجراء.