كركوك: انفجارات تستهدف مسؤولي حزب طالباني.. ودعوة عربية لحكومة من دون الأكراد

مخاوف من تصاعد العنف مع اقتراب موعد التعداد في ديسمبر ومن حرب أهلية بعد رحيل الأميركيين

إطفائي يخمد حريقا في سيارة في موقع انفجار في كركوك أمس (أ.ف.ب)
TT

ذكر مصدر أمني محلي في كركوك أن ثلاثة انفجارات متسلسلة وقعت أمس السبت في مدينة كركوك، استهدفت بمجملها الأحياء التي تقطنها أغلبية كردية، منها الحي الذي يسكنه محافظ المدينة عبد الرحمن مصطفى.

وقال العميد سرحد قادر، مدير شرطة الأقضية والنواحي بقيادة شرطة كركوك، في تصريح خاص بـ«الشرق الأوسط: «إن الهجوم الأول نُفذ بسيارة مفخخة استهدفت منزل أحد المسؤولين قرب ساحة لتجمع عمال البناء في حي الشورجة، والثاني بسيارة مفخخة أخرى استهدفت مسؤولا آخر في حي إمام قاسم قرب منزل محافظ المدينة، والهجوم الثالث وقع في حي باروتخانة واستهدف أيضا مسؤولا حزبيا في الاتحاد الوطني الكردستاني». وألقى قادر باللائمة على المسؤولين الحزبيين وقال: «إن عدد المسؤولين الحزبيين في المحافظة كبير جدا، وليس بمقدور القوات الأمنية المحلية تأمين الحماية اللازمة لهم، خاصة أن هذه القوات تتحمل أعباء كبيرة جدا في مواجهة الإرهابيين وتوفير الأمن لمرافق الحكومة والأسواق ودور العبادة، ويفترض بالمسؤولين أن يكلفوا أطقم حمايتهم بمهمات الحراسة ومراقبة الأمن في المناطق التي يسكنون فيها، وليس الاعتماد فقط على قوات الشرطة والأسايش المحلية».

على الصعيد السياسي، أصدر المجلس السياسي العربي في كركوك بيانا وجه فيه تحذيرات شديدة من مغبة تنازل الكتل العراقية إزاء المطالب الكردية في كركوك. وقال بيان المجلس: «نطالب الكتل العراقية الفائزة، دولة القانون والعراقية والائتلاف الوطني والتوافق واتحاد العراق، برفض المطالب الكردية، خاصة ما يتعلق منها بمصير محافظة كركوك، الذي يعتبره المجلس خطا أحمر لا يجوز تجاوزه». وفي إشارة واضحة لحرمان الكرد من المشاركة في الحكومة المقبلة، أشار بيان المجلس إلى أن «على القوائم الفائزة أن تسعى لتشكيل الحكومة المقبلة بالأغلبية المطلقة من دون الحاجة إلى أصوات الآخرين».

وحسب تقرير لوكالة «رويترز»، يستعد سكان كركوك للأسوأ بمجرد أن تغادر القوات الأميركية البلاد. ويقول الحاج محمد إسماعيل (80 عاما) وهو شيخ عشيرة عربي، بينما كان يستند إلى جدار من الطوب اللبن في قريته القريبة من المدينة المتنازع عليها: «بمجرد أن تغادر القوات الأميركية العراق ستنشب حرب أهلية. في مكان كهذا القوي سيلتهم الضعيف». ومضى يقول: «هناك كثير من التوتر.. الناس يطردون من بيوتهم ويهانون. يريدون الثأر. سيحدث ما لا تُحمد عقباه».

وبينما ينحسر العنف في مناطق أخرى في العراق، ينظر إلى الصراع على كركوك باعتباره تهديدا رئيسيا لجهود العراق لإعادة الاستقرار بعد سنوات من العنف الطائفي. واشتعلت التوترات من جديد قبل تعداد سكاني مقرر في ديسمبر (كانون الأول) بعد تأجيله عدة مرات، وهو حدث مهم قد يحدد ما إذا كان الأكراد يشكلون الآن أكبر كتلة عرقية في كركوك. وقالت الحكومة المركزية إنها قد تحذف سؤالا عن الانتماء العرقي من المسح، مما أثار غضبا بين الأكراد الذين يخشون من أن يحرمهم ذلك من فرصة لإثبات أن كركوك وبحيرة النفط الهائلة التي ترقد تحتها من حقهم.

واتهمت عائلات عربية الأكراد بإجبارها على ترك بيوتها لتغيير التوازن السكاني في المدينة، مما دفع القوات الأميركية إلى تشكيل دوريات مشتركة مع الجنود العراقيين في المناطق المتنازع عليها.

ويعود الصراع إلى جهود «التعريب» في عهد الرئيس العراقي السابق صدام حسين والتي أدت إلى نزوح آلاف الأكراد وتسوية قراهم بالأرض في الثمانينات. وعاد الأكراد بأعداد غفيرة بعد عام 2003 ويريدون ضم كركوك إلى إقليم كردستان وهي خطوة ترفضها الحكومة المركزية.

وأنهت الولايات المتحدة رسميا العمليات القتالية في العراق في أغسطس (آب) الماضي بعد أكثر من 7 سنوات على الإطاحة بصدام حسين وتقول إن العراق بات أكثر أمنا.

ووفرت القوات الأميركية المتمركزة في موقع عسكري خارج كركوك يرجع إلى عهد صدام حسين منطقة عازلة في الصراع بين العرب والأكراد وحاولت تهدئة العداوات القديمة. وقال قادة أميركيون إنهم على دراية بالجولة الأحدث من التوترات في كركوك وإنهم مستعدون للتعامل مع أي اشتعال جديد للأوضاع. وقال اللفتنانت كولونيل جوزيف هولاند: «سيكون هناك قدر كبير من الانفعال أثناء وقرب موعد التعداد». واستطرد قائلا: «سيخرج الناس للتظاهر في الشوارع. وإذا شعر البعض حقا أنهم جرى استبعادهم فقد تقع حوادث عنف عندئذ».

واقتربت المنازعات على كركوك من الانزلاق إلى العنف في السابق، لكنها اقتصرت أساسا حتى الآن على التراشق اللفظي. وقال اللواء تورهان يوسف، معاون قائد شرطة كركوك، الذي كان يتحدث وخلفه صورة للرئيس العراقي جلال طالباني: إن التوازن الهش في كركوك قد يتفكك سريعا. وقال يوسف، وهو تركماني: «وجود القوات الأميركية في كركوك ضروري جدا. بصراحة، هم يعتبرون نقطة التوازن للقوى حاليا في المدينة، خاصة بالنسبة للمشكلات الموجودة بين السياسيين». وأضاف: «لهذا فإن رحيل القوات الأميركية قبل حل الوضع السياسي في كركوك باعتقادي سيكون خطأ قاتلا». وعند سؤاله عما إذا كان من الممكن اندلاع عداوات مفتوحة صمت برهة ثم قال: إن ذلك هو ما سيحدث على الأرجح.

وتظل كركوك، التي لم يحسم مصيرها وتجنبتها الاستثمارات، مكانا كئيبا، والكثير من أحيائه محروم من الخدمات الأساسية كالمياه النظيفة والكهرباء. وقال الكولونيل لاري سويفت، قائد القوات الأميركية في كركوك: «لو كنت في مكان شركة نفط فلن آتي إلى هنا». وتابع قائلا: «لذلك ما إن ينتهي هذا الغموض، أعتقد أن الاستثمارات النفطية هنا ستهون من قيمة أي مساعدات أجنبية تتلقاها المحافظة».

وفوق ربوة في شمال كركوك، كان علي حسن المجيد، مساعد صدام حسين، الذي أشرف على حملة الأنفال ضد الأكراد، يملك فيلا فخمة. ونفذ حكم الإعدام في حسن المجيد، الذي اشتهر أيضا باسم علي الكيماوي، في يناير (كانون الثاني) الماضي ويعيش في الفيلا الموجودة على الربوة الآن مسؤول كردي كبير. وتتناثر فوق السهول المحيطة عمارات سكنية بناها آلاف الأكراد الذين تدفقوا عائدين إلى المدينة منذ عام 2003.

كان من المقرر إجراء استفتاء على وضع كركوك في موعد أقصاه ديسمبر 2007 ولكنه تأجل بعد أن اتهم العرب والتركمان الأكراد بملء المدينة بأقاربهم. وكذلك جرى تأجيل التعداد السكاني - وهو منفصل عن الاستفتاء على وضع المدينة - عدة مرات؛ بسبب مخاوف من أنه قد يؤدي إلى أعمال عنف إذا ثبت أن الأكراد هم الجماعة الأكثر عددا في المدينة.

وقالت امرأة عربية كانت تتحدث أمام متجرها إن عائلتها تتلقى تهديدات منذ أوائل سبتمبر (أيلول) كي يحزموا أمتعتهم ويغادروا المدينة. وقالت، بينما تبدو على وجهها علامات الخوف والغضب: «عندما جاءوا قالوا: يجب أن ترحلوا عن كركوك». ورفضت أن تصف من هددوهم وهزت رأسها خوفا وقالت: «نريد البقاء هنا.. أعاننا الله.. لكن سنضطر للرحيل إذا جاءوا مرة أخرى».

وقال ممتاز محمد إن أحد جيرانه العرب اضطر إلى دفع 1700 دولار هذا الشهر لرجال مجهولين كي يتمكن من البقاء في بيته. وقالت سهام أحمد، وتملك أيضا متجرا، إن 16 عائلة عربية في الحي الذي تعيش فيه في كركوك غادرت المدينة إلى مناطق أخرى في العراق بعد أن تلقت تهديدات على مدى الشهرين الماضيين. وأضافت: «الأمور كانت أفضل كثيرا في السابق. الآن الأمور تزداد سوءا». ومضت تقول: «الناس خائفون للغاية».

وسيطر الخوف على الغالبية لدرجة أنهم لم يرغبوا في الإفصاح عن مصدر التهديدات. البعض ألقى المسؤولية على الأسايش، وهو جهاز الأمن الكردي مرهوب الجانب، بينما قال آخرون إن «زعماء سياسيين» يقفون وراء الاضطرابات.

وقال سويفت، الذي كان يتحدث من القاعدة الأميركية، إنه تلقى تقارير تفيد بأن مجموعات من الناس يطوفون على البيوت ليلا، زاعمين أنهم موظفو التعداد السكاني ويضغطون على العائلات كي ترحل. وقال: «غالبيتهم من العرب، ولكن كان هناك أكراد أيضا». ومضى يقول: «يوجه اللوم بالطبع إلى جهاز الأسايش وأحزاب سياسية وجماعات إرهابية». وأضاف: «جرى الاتصال بكل من الأحزاب السياسية والأسايش وأبلغوا بأنه إذا كانت لهم أي علاقة بهذا.. فيتعين عليهم التوقف فورا.. وأنه إذا كانت هناك مجموعة مارقة داخل أجهزتهم فينبغي السيطرة عليهم».

ومما يضيف بعدا آخر للصراع: أن المسلحين يحاولون استغلال التوترات العرقية لزعزعة الاستقرار في الشمال؛ حيث يمتد خط أنابيب لنقل النفط من كركوك إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط بطول 970 كيلومترا.

ولا تزال هناك ستة ألوية أميركية في العراق بموجب اتفاق أمني ثنائي موقع بين البلدين، ومن المقرر أن تغادر في أواخر عام 2011. وهناك مخاوف من ألا يكون الجيش العراقي قادرا على سد الفجوة التي ستتركها القوات الأميركية.

ويساور الشك العميد خطاب عمر عارف، قائد قوة الشرطة الخاصة في كركوك، الذي قال إنهم سئلوا في اجتماع حكومي عقد مؤخرا عما إذا كانت قواتهم جاهزة، وكان جوابه بالنفي واتفق معه ضباط آخرون، وهو رأي كرره مرارا الكثير من المسؤولين والجنود العاديين العراقيين في كركوك.

لكن الجيش الأميركي يقول: إن الجيش والشرطة العراقيين قادران على مواجهة التحدي.

وقال سويفت: «لا يقدرون المستوى الذي أصبحوا عليه. ولا يقدرون المستوى الذي تراجع إليه التهديد. وفي حين أنه تنقصهم الثقة إلا أنهم لا يفتقرون إلى القدرة».

وفي دورة تدريبية مؤخرا في قاعدة مهجورة للجيش العراقي خارج بلدة دبس، شرح جنود أميركيون لوحدة من الجيش العراقي كيفية تأمين المباني ومداهمتها. ولبناء الثقة شكلت القوات الأميركية دوريات مشتركة بين القوات العراقية ومقاتلي البيشمركة الأكراد وشجعت القوات العراقية على التجنيد من كل الجماعات العرقية بشكل متكافئ. وقال مسؤولون إن الأكراد يشكلون في الوقت الحالي نحو 40% من شرطة كركوك، بينما يشكل العرب 30% والنسبة الباقية موزعة بين أقليات عرقية أخرى مثل التركمان. ولكنهم ليسوا منسجمين دائما.

وقال يوسف، وهو تركماني: إن الصعوبة الكبرى في الوقت الحالي تتمثل في أن الضباط أكثر ولاء لجماعاتهم العرقية. وقال العريف نجدت رفيق توفيق (35 عاما)، وهو جندي كردي في الجيش العراقي، إنه يحترم زملاءه العرب، لكنه مصمم على الدفاع عن قضيته. وتابع قائلا: «هذه المدينة (كركوك) يجب أن تكون جزءا من كردستان. بذلنا من أجلها الكثير من الدماء.. فلنحاول تحقيق حلمنا. ويمكنهم السعي وراء تحقيق أحلامهم».