6 أيام من المداولات المتواصلة تسبق قرار عنتيبي لتحرير رهائن طائرة «إير فرانس»

إسرائيل تكشف عن تفاصيل العملية التي يعتبرها الجيش «مفخرة».. وفقدت فيها شقيق نتنياهو ر

TT

ما زال الإسرائيليون يتخذون من عملية مطار عنتيبي في أوغندا، إبان حكم الجنرال عيدي أمين، التي نفذتها فرقة كوماندوز إسرائيلية، في 4 يوليو (تموز) 1976، وأنقذ فيها عشرات الرهائن الإسرائيليين كانوا محتجزين في طائرة فرنسية خطفها فدائيون فلسطينيون تابعون للجبهة الشعبية لتحرير الفلسطينيين، مثالا يحتذى به لقوة الجيش «الذي لا يقهر».

ويفاخر الإسرائيليون أنهم نجحوا في تحرير الرهائن من قبضة الفدائيين من دون أن يلبوا أيا من مطالبهم، التي تمثلت في إطلاق سراح عدد من الأسرى الفلسطينيين. وكتبت صحيفة «يديعوت أحرنوت» عن تفاصيل المناقشات في مجلس الوزراء الإسرائيلي، وفي الجيش، التي سبقت اتخاذ قرار تنفيذ العملية لإنقاذ 200 راكب، نصفهم من اليهود، فوق أرض أوغندا، من دون التنسيق مع الحكومة هناك.

وفي هذا اليوم، أوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إسحق رابين، المناقشات التي كانت دائرة في اجتماع الحكومة الإسرائيلية، وقال لوزرائه: «نحن في ورطة كبيرة.. قبل أن نواصل.. لديّ شيء، لقد فُقِد الاتصال مع طائرة تابعة لـ(إير فرانس) كانت في طريقها إلى هنا، ويبدو أنها خطفت.. يوجد على متنها نحو 83 إسرائيليا، 10 منهم فقط نزلوا في أثينا».

وتلقت الحكومة كل المعلومات المتوفرة، وأجرت الاتصالات اللازمة، وفي تمام الساعة الرابعة ترأس رابين اجتماع المجلس الأمني المصغر، وفيه قال إنه يجب على فرنسا أن تتحمل مسؤولية هؤلاء الركاب. وتساءل: «كيف يمكن أن تتصرف الحكومة الآن حيال الإسرائيليين».. فرد وزير النقل، جاد يعقوبي، بقوله: «أوصي أولا بعدم نشر أي أسماء».

عقب وزير الخارجية ايغال ألون بقوله: «نحن في ورطة عميقة»، وقال رابين مؤكدا: «نعم، إننا بكل تأكيد في ورطة».

وتدخل وزير الدفاع شيمعون بيريس، واقترح الاجتماع بمنتدى المحررين في وسائل الإعلام، حتى لا تبدأ هذه الوسائل بالتكهن حول ما سيجري. في غضون ذلك، حطت الطائرة في مطار عنتيبي، دون أن يكون لدى الإسرائيليين فكرة حول من يقف وراء العملية، وما هي مطالبهم، وكيف يمكن الخروج من هذا المطب، وفي 30 يونيو (حزيران) وصل أول تحذير من الخاطفين بأن الرهائن سيُقتلون من دون إطلاق سراح أسرى؛ فدب جدل آخر في الحكومة الإسرائيلية حول بدء التفاوض مع الخاطفين أو لا.

طلب رابين عدم تسريب أي أنباء، وعارض وزراء فكرة التفاوض، خشية أن يفسر ذلك على أنه استسلام.. وطالب وزراء ببدء التفاوض لكسب الوقت والتفكير.

أعلن رابين، في البداية استحالة تنفيذ عملية عسكرية، لأن ذلك يحتاج إلى موافقة الدول المعنية، وفي مقدمتها أوغندا، التي يوجد المخطوفون على أرضها، وتساءل: «كيف يمكن أن نصل إلى أوغندا؟». في نفس اليوم، انعقد مجددا المنتدى الأمني، لمناقشة برقية وصلته من اوري لوبراني (السفير الإسرائيلي في إيران) يقترح فيها الذهاب إلى أوغندا، والحديث إلى عيدي أمين (الرئيس الأوغندي آنذاك)، لكن بيريس رفض الفكرة، وقال: «نخشى اعتقاله.. إنه يعلم الكثير من الأسرار»، خاصة بالنظر إلى العلاقات بين تل أبيب وكامبالا، بعد التغير في موقف عيدي أمين إزاء القضية الفلسطينية.

في منتصف الليل، اجتمع رابين وبيريس مع مسؤولي الجيش الذين كانوا قد شكلوا فريقا يدرس جميع الخيارات العسكرية، وتسرب أن رابين أصبح يؤيد عملية عسكرية يتم خلالها اعتقال الخاطفين وتحرير الرهائن، وقال رئيس الأركان، مردخاي غور: «أعتقد أن علينا أن نفعل ذلك».

ثار جدال في الحكومة الإسرائيلية حول قبول طلبات الخاطفين.. فقال بيريس إنه لا يمكن الاستسلام، مبررا موقفه بالقول إن هذا سيجعل الضغوط أكبر وأكبر، واتفق معه ألون، وقال: «أنا أعارض قبول شروط منظمة إرهابية».

أما وزير التعليم، أهارون يادلين، فقد قال في المفاوضات: «أنا أؤيد أي جهد لإنقاذهم، بما في ذلك المفاوضات»، وأيده في ذلك الوزير من دون حقيبة يسرائيل جليلي، الذي اقترح «على الحكومة الشروع في مفاوضات مباشرة من أجل إنقاذ الرهائن». وكرر بيريس اعتراضه.. وقال: «المشكلة هي في المستقبل، مستقبل الشعب ومستقبل الطيران والطائرات الإسرائيلية.. يتعين علينا أن ننتبه، إذا كانت إسرائيل تستسلم في كل مرة، هذا من شأنه أن يدفع مواصلة عمليات الإرهاب». أما رابين، فكان يريد الحسم في أي اتجاه كان، وقال لوزرائه وقادة جيشه، «أود أن أوضح: ليس لدينا الوقت للتهرب من السؤال، الذي هو هل نحن على استعداد للدخول في مفاوضات جوهرية أو لا».

وأخذ رابين موافقة على بدء مفاوضات، وقال مطمئنا وزرائه: «هذا لا يعني قبول شروط الإرهابيين». وعلى الرغم من الظهور بمظهر الراغب في التفاوض مع الخاطفين، فقد كان الجيش، وبالتوازي، ينفذ أوامر عليا، ويعد العدة لعملية تدخل لإنقاذ الرهائن في مطار عنتيبي، واقترح الجنرال غور الهبوط في بحيرة فيكتوريا القريبة، وبدء عملية واسعة الانتشار؛ فقال بيريس إن الجيش قادر على ذلك، ولكن لا تجب المخاطرة بحياة الرهائن. وطلب غور يومين لإعداد القوة، غير أن بيريس قال إنه لا يمكن الانتظار، وبينهما كان رابين قلقا من إمكانية فشل العملية.

اقترح غور خطة عسكرية، ونبهه بيريس إلى ضرورة أن تكون مفاجئة وسريعة، مشددا على ضرورة عدم توقف التفاوض مع الخاطفين. وحذر غور من أن العملية التي أصبحت أول عملية ينفذها الجيش الإسرائيلي خارج حدود الشرق الأوسط، ستكون خطرة، مشيرا إلى إمكانية وقوع إصابات فيها، مثلما هو الحال في أي عملية أخرى.

وواصلت إسرائيل التفاوض، حتى 3 يوليو، أي بعد 6 أيام على عملية الاختطاف، وفي ذاك اليوم حسم رابين أمره، وتبنى الخيار العسكري تماما. وناقش المجلس الرحلة والتزود بالوقود وحالة الطقس في أوغندا وإمكانية نقل الرهائن من المطار.

وأخيرا طالب رابين وزراءه، قائلا: «نحن في طريقنا لتنفيذ مهمة معقدة، وأنني أوصي الحكومة بالموافقة عليها»، وتمت الموافقة، وفاجأ الإسرائيليون الخاطفين ومعهم الجنود الأوغنديون في المطار، في 4 يوليو 1976، فقتلوهم جميعا وحرروا الرهائن، وقتل في تلك العملية برصاصة أصابت في القلب قائد وحدة «سايريت ماتكال»، يوناتان نتنياهو، شقيق رئيس الوزراء الحالي، بنيامين نتنياهو.