مراجع قانونية لـ «الشرق الأوسط»: إلغاء محكمة الحريري بات من سابع المستحيلات

رغم تداعيات حادثة عيادة الضاحية والحديث عن سيناريوهات أمنية وعسكرية خطيرة

TT

من الواضح أن الصراع اللبناني - اللبناني القائم حول المحكمة الدولية، بدأ يخرج تدريجيا عن إطاره السياسي ويتجه للمواجهة الميدانية بعد حادثة الاعتداء على فريق المحققين الدوليين داخل عيادة طبية في ضاحية بيروت الجنوبية، وترافقها مع التأزيم والاحتقان اللذين تعززا بدعوة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله المسؤولين والأجهزة الرسمية والمواطنين إلى الامتناع عن التعاون مع لجنة التحقيق والمحكمة الدولية، واعتباره أي تعاون من هذا القبيل بمثابة التعامل مع إسرائيل والتآمر على المقاومة.

وفي ظل الحديث عن سيناريوهات أمنية وعسكرية، وخيارات متعددة قد يلجأ إليها حزب الله في حال تجاهل القوى المحلية والدولية لهواجسه ومطالبه الهادفة إلى إسقاط المحكمة وتجنيبه اتهامه كحزب أو اتهام عناصر «غير منضبطة» في صفوفه بالتورط في اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، يجزم خبراء في علم القانون الجزائي والقانون الدولي بأن المحكمة ماضية في عملها أيا ما كانت تداعياتها على الساحة اللبنانية، وأن الضغوط الداخلية والإقليمية لن تحد من اندفاعاتها، وستثبت عجز لبنان وحتى الدول الكبرى عن التأثير في مسارها الذي بات قدرا لا مفر منه.

في هذا الإطار، رأى عضو تكتل «التغيير والإصلاح» المحامي والقانوني النائب غسان مخيبر أن «إلغاء المحكمة الدولية بات من سابع المستحيلات؛ لأنها لا تلغى إلا بقرار من مجلس الأمن الدولي، وهذا في النتيجة قرار سياسي لا أرى في الوقت الحاضر إمكانية لصدوره». وأشار لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «حتى لو أوقف لبنان تمويل المحكمة، فإن ذلك لا يوقف عملها، والنقاش القائم في البلد ربما يؤثر على مصداقية المحكمة ونظرة قسم من المجتمع اللبناني إليها وإلى عدالتها، لكنه لا يؤثر على قانونيتها واستمراريتها»، لافتا إلى أن «مطالبة البعض بسحب القضاة اللبنانيين أو استقالتهم لا تغير في مجرى القضية؛ لأن مجلس الأمن عندها قد يلجأ إلى تعديل شروط تأليف هيئة المحكمة، ولا ننسى أن المدعي العام الدولي القاضي دانيال بلمار ليس لبنانيا ولا يمكن التأثير عليه، وإذا كان من أزمة في لبنان فهي مرتبطة بالقرار الاتهامي وما قد يتضمنه والتداعيات التي ستنجم عنه».

وشدد مخيبر على أن «تكون العدالة محترمة ومجردة ونزيهة لتكون مقبولة»، لافتا إلى أن «التحقيق الدولي وما سبقه من تحقيق لبناني وقع بأخطاء، لكن المحكمة الدولية سعت إلى تصحيح هذه الأخطاء من خلال قرار قاضي الإجراءات التمهيدية بإطلاق سراح الضباط الأربعة، ومن ثم قراره بتسليم مستندات إلى اللواء جميل السيد». إلى ذلك، أوضح الخبير القانوني النائب السابق صلاح حنين، أن «لا شيء يوقف المحكمة الدولية التي لم تعد خاضعة لصفقة دولية أو تسوية محلية أو إرادة فردية». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «المحكمة صدرت بقرار عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وهذا القرار سيبقى ساري المفعول ولن يصدر أي قرار معاكس له، وعلى اللبنانيين ألا يراهنوا على إلغاء للمحكمة إنما عليهم أن ينتظروا قرارا اتهاميا تليه محاكمة علنية ومن ثم حكم قضائي». ولفت إلى أن «المحكمة الدولية لم تنشأ بمعاهدة بين لبنان والأمم المتحدة؛ لأنها في الأساس لم تقر في مجلس النواب اللبناني بسبب إقفال الأخير شهورا طويلة، فجرى ضم نتيجة المفاوضات التي أجرتها الحكومة اللبنانية مع الأمم المتحدة حول هذه المحكمة، ورفعت إلى مجلس الأمن الدولي.. وصدرت المحكمة بقرار عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع». ولفت إلى أنه «لو كان مجلس النواب اللبناني قد صدق على اتفاقية المحكمة لكانت أصبحت معاهدة يخضع تنفيذها لمشيئة الطرفين، ويمكن لأحد الطرفين أن يطلب إلغاءها، أما وأنها أنشئت بقرار دولي فهي لم تعد خاضعة لإرادة فريقين، إنما للإرادة الدولية التي تعبر عنها الأمم المتحدة ومجلس الأمن».

في المقابل، أكد سياسي وخبير قانوني مقرب من حزب الله لـ«الشرق الأوسط»، طلب عدم ذكر اسمه، أن «ثمة أسبابا قانونية وسياسية تمكن لبنان من المبادرة إلى مراجعة الأمم المتحدة والطلب إليها إلغاء هذه المحكمة، وهي: أولا: أن المحكمة أقرت في ذروة الانقسام السياسي الذي كان يعيشه لبنان، وأن الاتفاقية الخاصة بها لم تأخذ الطريق الدستوري والقانوني الذي يعطيها الشرعية. ثانيا: أن إقرارها تحت الفصل السابع يخلق مشكلة كبيرة في لبنان قد تدخله في مواجهة كبيرة وغير محسوبة العواقب. ثالثا: أن التذرع باستحالة إلغاء المحكمة مردود؛ لأن الحكومة اللبنانية قادرة على مخاطبة الأمم المتحدة ولفت نظرها إلى المخاطر التي ستترتب على استمرار المحكمة على هذا النحو، وأن هناك مصلحة لبنانية عليا تقتضي سحب ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري من المحكمة وإعادته إلى عهدة القضاء اللبناني».