بحث الروس عن هويتهم التاريخية يصطدم بكثرة الرموز

صراع الرموز البيزنطية والقيصرية والسوفياتية تجلى في الاحتفال بيوم الوحدة في روسيا

TT

بينما أغلقت روسيا من أجل الاحتفال بـ«يوم الوحدة الوطنية»، يوم الخميس الماضي، وهي إجازة حكومية تأتي بديلا عن ذكرى ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 1917، وفقا للتقويم الروسي القديم، التي توافق 7 نوفمبر (تشرين الثاني)، تجلى الصراع بين رموز الدولة البيزنطية والدولة القيصرية والدولة السوفياتية باعتبارها منارات لروسيا الجديدة بعد الشيوعية.

وأوضحت الاحتفالات والفعاليات المتزامنة هذا الخليط المؤلم وأحيانا الهزلي من الرموز في روسيا وهي على أعتاب العقد الثالث من البحث عن هوية ما بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. فقد أقامت حركة «ناشي» للشباب المدعومة من الكرملين «مسيرة روسية» حاشدة شارك فيها نحو 20,000 شخص من الشبان يوم الخميس. وأشارت اللافتات التي حملها الناشطون إلى محاربي الحرب العالمية الثانية باعتبارهم «مصدر فخر روسيا» وإلى تجار المخدرات والقوادين ومالكي الكازينوهات غير الشرعية باعتبارهم «عارا على روسيا». كما نظمت جماعات قومية مسيرة شارك بها نحو 5,000 ناشط في جزء آخر من موسكو.

وانضم البطريرك كيريل، رئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية التي استعادت نفوذها بعد عقود من القمع السوفياتي، إلى مساعدي الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف في الساحة الحمراء وهم يباركون أيقونة سانت نيقولاس التي ظلت مخبأة لعقود تحت طبقات من الجص على برج الكرملين بالقرب من ضريح لينين.

لم يتزامن احتفال يوم الخميس مع يوم الوحدة الوطنية فقط بل مع عيد «سيدة قازان» وإحياء ذكرى تحرير روسيا وانتهاء الاحتلال البولندي عام 1612 - وهو ما يرجع إلى قوة الأيقونة.

لقد بارك البطريرك كيريل بالماء المقدس لوحة سانت نيقولاس «صانع المعجزات» الجصية التي وجدت في كوة في برج نيكولسكايا التابع للكرملين أسفل أحد النجوم الحمراء على قمة الأبراج التي بناها البلاشفة منذ 75 عاما. وقال البطريرك: «تدنيس واستعادة هذه اللوحة يرمزان إلى التغلب على انقسامات تاريخية». لقد دمر الرصاص والشظايا أيقونة سانت نيكولاس خلال ثورة أكتوبر. وقالت يلينا غاغارينا، مديرة متاحف الكرملين إنه من المرجح أن تكون هذه اللوحة مع أيقونة للسيد المسيح تمت إعادتها إلى برج سباسكايا في حضور ميدفيديف في أغسطس (آب) الماضي غطيتا بالجص عام 1937. وأخفيت الأيقونتان جيدا ولم يعد اكتشافهما سوى هذا العام. وفي أغسطس، شكر ميدفيديف كيريل «لمشاركته في استعادة الأيقونتين وكذلك في استعادة الحقيقة» التي قال إنها ستحمي روسيا.

تمت مقارنة التعاون المتنامي بين الكنيسة الأرثوذكسية والكرملين بعد سقوط الاتحاد السوفياتي بالتعاون بين الكنيسة والدولة في بيزنطة وروسيا القيصرية أو «السيمفونية» كما كان يطلق عليها. ويشار إلى أن سفيتلانا زوجة ميدفيديف من المؤيدين البارزين للكنيسة.

وتم استعراض التحالف الخميس الماضي في معرض أرثوذكسي بالقرب من الساحة الحمراء، حيث عرضت الحكومة الروسية خططا لبناء كنائس في ضواحي العاصمة ذات بنايات الشاهقة بجانب عروض الصور والأيقونات من جميع أنحاء روسيا ودول أخرى من دول الاتحاد السوفياتي السابق. وخُصصت إحدى منصات العرض التي تديرها منظمات تابعة للكنيسة لمساعدة أوسيتيا الجنوبية المنفصلة عن جورجيا والتي أشعلت حربا مع جورجيا عام 2008. كذلك، أنشأت زوجة الرئيس ميدفيديف والكنيسة الروسية الأرثوذكسية منصة عرض لدعم إجازة الأسرة والحب والإخلاص بهدف تعزيز القيم الأسرية.

وبينما تحاول الكنيسة والدولة إعادة إحياء روسيا التي كانت قبل الثورة، وبخاصة النسر القيصري ذو الرأسين الذي تعود جذوره إلى الحقبة البيزنطية، ما زالت تحمل شوارع وأحياء البلد أسماء وتماثيل لينين ورجال آخرين من رجال الثورة، حيث طلب البرلمان الروسي (دوما) من موسكو محو اسم بيوتر فويكوف من عدة أماكن، وهو أحد البلاشفة المعروف باشتراكه في قتل القيصر نيقولا الثاني وعائلته عام 1918، الذين عاملتهم الكنيسة الأرثوذكسية معاملة القديسين عام 2000. وقال ليونيد ريشيتينيكوف أحد المؤرخين البارزين الذي حضر الاحتفال إن بدنه يقشعر كل يوم حين يرى اللافتة الخاصة بحي فويكوفيسكي الذي يقع به مقر معهده.

وعكس الضيوف الذين كانوا في الساحة الحمراء الخليط الذي يتسم به تاريخ روسيا حيث كان حضور القوزاقيين واضحا وتتردد الكلمات الروسية المنطوقة بلهجة فرنسية والتي يتميز بها أحفاد الروس البيض الذين هربوا من البلاشفة. وقالت إليزابيث أبراكسين، وهي بلجيكية ومن أحفاد المهاجرين الروس البيض: «كان أخو جدتي ضابطا قيصريا دافع عن الكرملين أثناء الثورة». وقد انتقلت للعيش في موسكو في التسعينات. وأوضحت إليزابيث أن أسرتها مثل أسر أخرى تحتفظ بصور للأيقونات «كرمز لروسيا التي مزقتها طلقات الرصاص».

ويرأس فياتشيسلاف نيكونوف العالم السياسي وحفيد فياتشيسلاف مولوتوف، أحد رجال ستالين، حاليا منظمة «روسكي مير» أو «العالم الروسي» المدعومة من الكرملين والتي توطد العلاقات مع المهاجرين الروس. وقد حضر نيكونوف الاحتفال الأيقونة وقال مشيرا إلى الصراع بين الحقب والرموز: «إن روسيا بأكملها بهذا الشكل».

وقال ريشيتينيكوف إنه لا يمكن لرموز الثورة البلشفية مثل نجوم الكرملين الحمراء أن تختفي بالقوة بل فقط بالتذكر المستمر. وخلص إلى القول: «بداية يجب أن تظهر النسور ذات الرأسين في قلوب شعبنا، فبمجرد أن تظهر في القلوب والعقول ستسقط هذه النجوم من فوق الأبراج».

* خدمة «نيويورك تايمز»