بروكسل تشيد بخطوات دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي

في تنفيذ موازنات التقشف

TT

رحبت المؤسسات الأوروبية في بروكسل بإقرار البرلمان في البرتغال بالموازنة الجديدة، وإجراء تعديلات أقرها البرلمان في التشيك، التي تتضمن إجراءات تقشف تهدف إلى خفض العجز في الموازنة. واعتبر الجهاز التنفيذي الأوروبي، أن إقرار الموازنة الجديدة يجب أن يعقبه تنفيذ لإجراءات مطلوبة على طريق الالتزام بالمعايير الأوروبية.

ودعت المفوضية البرتغال إلى مزيد من إجراءات خفض النفقات بهدف استعادة ثقة الأسواق الدولية في أوضاعها المالية، وتحسين هذه الأوضاع. وقال أماديوس ألتافاج المتحدث باسم مفوض الشؤون النقدية والمالية الأوروبي أولي رين، إن الالتزام بخفض العجز في الميزانية العام المقبل «إجراء مناسب، سوف يعزز قوة الوضع المالي للبرتغال».

وتم تمرير الميزانية بموافقة ممثلي الحزب الاشتراكي الحاكم برئاسة رئيس الوزراء جوزيه سقراطيس وامتناع الحزب الاجتماعي الديمقراطي المحافظ عن التصويت ورفض باقي الأحزاب الأصغر حجما. وكانت حكومة سقراطيس قد فشلت في وقت سابق في كسب تأييد المعارضة المحافظة لميزانية التقشف المثيرة للجدل. وأسفرت المفاوضات التي جرت بين الحكومة والحزب الاجتماعي الديمقراطي المعارض عن تعهد الحزب المعارض بعدم عرقلة مشروع الميزانية رغم رفضه له بسبب اعتماده على زيادة الضرائب العام المقبل. وأقر البرلمان البرتغالي خطة موازنة 2011 التي تعد الأكثر تقشفا في تاريخ البلاد. وقال رئيس الوزراء: «البعض يرى إقرار ميزانية 2010 كعملية تكتيكية خالصة عن طريقها يتم تجنب أزمة سياسية ولكنها ستتسبب فيها مستقبلا. أقول بكل أسف إن هؤلاء يحتقرون مصالح الوطن». الخطة الجديدة تتضمن تقليص أجور موظفي القطاع العام ورفع ضريبة القيمة المضافة لتخفيض عجز الموازنة من 7.3 إلى 4.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبرتغال.

وفي نفس الإطار سرعت الحكومة التشيكية من وتيرة تطبيق إجراءات تقشفية، بينما تستعد النقابات العمالية للإضراب. وصادق مجلس النواب على أربعة قوانين من شأنها تقليص عجز موازنة الدولة لـ4.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي العام المقبل مقارنة بـ5.1 في المائة هذا العام. وتمكن الائتلاف الحاكم، يمين وسط، المكون من ثلاثة أحزاب من التعجيل بمصادقة المجلس على القوانين الأربعة كي تتمكن الحكومة من إدخالها حيز التنفيذ مطلع 2011 مع مشروع الموازنة.

وأثار قرار الحكومة خفض النفقات المتعلقة بموظفي الدولة بنسبة 10 في المائة، علاوة على تغييرات أخرى في هيكل أجور القطاع العام احتجاجات غاضبة من النقابات العمالية التي تستعد لتنظيم إضرابات. وقال زعيم نقابي للتلفزيون التشيكي عقب التصويت على القوانين إن موعد الإضراب ومدته سيحددان يوم الاثنين المقبل.

وكانت دول أوروبية أخرى قد أعلنت عن خطط تقشفية ومنها إسبانيا وبريطانيا على سبيل المثال، وفي الأولى أعلن البنك المركزي الإسباني عن توقعاته بأن يتوقف نمو الاقتصاد في الربع الثالث، في حين أشار إلى تحقيقه نمو بنسبة 0.2% في الربع الثاني من العام الحالي، لكن تصريحات البنك تشير إلى حقيقة الوضع السيئ الذي يشهده الاقتصاد الإسباني. لنا أن نعلم أن إسبانيا صاحبة أكبر معدل للبطالة مقارنة بدول منطقة اليورو، كما تحتل المركز الثالث بالنسبة للدول صاحبة أكبر عجز للموازنة على مستوى المنطقة، الأمر الذي ضغط على الحكومة للإعلان عن أكبر خفض للإنفاق العام منذ 3 عقود وإن كان هذا الأمر يواجه معارضة شديدة من قبل رجل الشارع الإسباني. إذ أن الحكومة تستهدف خفض العجز على مدار العامين المقبلين وذلك من خلال خفض الإنفاق العام ورفع الضرائب، وهذا ما دفع بالحكومة للتوقع بانكماش الاقتصاد بنسبة 0.3% للعام الحالي وذلك للعام الثاني على التوالي هذا بجانب رفع سعر الضريبة على المبيعات إلى 18% من 16% في يوليو (تموز) السابق. وذلك كي تصل بعجز الموازنة إلى 6% في نهاية 2011 من مستوى 11.1% للعام المالي 2009.

أما على صعيد الاقتصاد البريطاني، فقد قام البنك المركزي البريطاني بالإبقاء على نفس السياسة النقدية ليظل سعر الفائدة عند 0.5% وبرنامج شراء الأصول بقيمة 200 مليار جنيه إسترليني. وذلك في ظل انتظار البنك للمزيد من العلامات التي قد تحركه نحو التوسع في السياسة النقدية.

وفي الأسبوع الماضي أجرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل محادثات في بروكسل، مع ايف لوترم رئيس وزراء بلجيكا، التي تتولى حاليا رئاسة الاتحاد الأوروبي، تركزت حول بلورة توافق أوروبي بشأن موازنة الاتحاد الأوروبي المقبلة، ومسائل أخرى تتعلق بالتعامل مع إشكالية الهجرة وإدماج المهاجرين في المجتمعات الأوروبية.

وحسب الكثير من المراقبين، تأتي المحادثات بين ألمانيا والرئاسة الحالية للاتحاد الأوروبي، في أعقاب محادثات أجرتها ميركل في بريطانيا في إطار تحرك على الصعيد الأوروبي للحصول على دعم الدول الأوروبية لتحوير اتفاقية الوحدة الأوروبية، وجعلها قادرة على إرساء آلية لإدارة الديون السيادية للدول الأوروبية مستقبلا. وأظهرت بريطانيا معارضتها لموقف المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي من زيادة موازنة العام المقبل بنسبة 6%، وقال ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني في تصريحات على هامش القمة الأخيرة لقادة الاتحاد الأوروبي ببروكسل، إن مطالبة المؤسسات الأوروبية بزيادة في الموازنة أمر غير مقبول لأنه يأتي في وقت تعاني فيه الدول من أزمة مالية واتباع عدد من الدول الأعضاء في الاتحاد ومن بينها بريطانيا لسياسات تقشف.

وتوصلت قمة قادة الاتحاد الأوروبي، التي انعقدت مؤخرا في بروكسل، إلى اتفاق من حيث المبدأ على إمكانية إجراء تعديلات طفيفة على معاهدة لشبونة، تتناول إيجاد آلية دائمة لمعالجة مشكلات الديون السيادية لتفادي أزمات مشابهة لما حدث في اليونان، وفي نفس الوقت تشديد قواعد الميزانية بما في ذلك عقوبات على الدول التي تفشل في وضع حد للعجز في الموازنة، وهي تعديلات طالبت بها ألمانيا وحصلت على مساندة فرنسية، ولكن مطالب ألمانية أخرى تناولت تعليق الحقوق التصويتية للدول الأعضاء التي تخرق القواعد المتعلقة بالموازنة، لم تجد صدى كبيرا لدى الدول الأعضاء والجهاز التنفيذي الأوروبي.

وقرر قادة الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي تكليف هيرمان فان رومبوي، رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، بإعداد تغييرات لإدخالها على معاهدة لشبونة بحيث تكون جاهزة لإقرارها في قمة ديسمبر (كانون الأول) وقالوا إنه ينبغي له أن يعمل على تلك التغييرات مع المفوضية الأوروبية.