خبراء: «الصكوك الإسلامية» بحاجة إلى مزيد من التنظيمات الرقابية

بالتزامن مع تقرير البنك الدولي ببلوغ السوق 3 تريليونات دولار عام 2015

الصكوك الإسلامية أداة لم تأخذ حقها، في ظل غياب بعض التشريعات التي تنظم عملها
TT

توقع خبراء مصرفيون زيادة الإقبال على التعامل مع الصكوك الإسلامية, مستندين في ذلك إلى دراسة صادرة عن البنك الدولي، تفيد بأن حجمها سيبلغ 3 تريليونات دولار بحلول عام 2015.

وأوضح الخبراء في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، أن ثمة تحديات تواجه الصكوك الإسلامية, منها غياب الهيئات التنظيمية المستقلة التي تضمن سلامة الصك من الناحية المالية والشرعية, بالإضافة إلى طغيان مفهوم السندات التقليدية عليها، داعين للبناء على المعيار الصكي كالذي أصدرته هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين للوصول إلى صكوك إسلامية متفق عليها.

وقال الدكتور حامد ميره، خبير في المصرفية الإسلامية، إن هناك بروزا لأهمية الأوراق المالية على الساحة المالية والاقتصادية، وخاصة السندات منها، على كل المستويات لما لها من خصائص مهمة, مستندا إلى دراسة صادرة عن البنك الدولي تفيد بأن حجمها سيبلغ ثلاثة تريليونات دولار بحلول عام 2015.

وأكد ميره أن السندات الإسلامية، تمثل البديل الشرعي للسندات التقليدية، وأن الحكومات تحتاج إلى السندات لتستعملها كأداة للتحكم في سياستها النقدية، وتنظيم كمية السيولة, وسد الحاجات التمويلية عند نضوب السيولة الكافية لبناء المشاريع المختلفة, بالإضافة إلى حاجة كثير من الشركات والمؤسسات من السيولة اللازمة لتمويل المشاريع التي تطمح إليها, لفاعليتها في تحريك فائض السيولة الراكد في المصارف وفي أيدي الناس لاستثماره بما يحقق الفائدة المتبادلة ويحرك عجلة التنمية.

وطرح ميره، عدة بدائل شرعية لسندات القرض التقليدية, من أبرزها صكوك الإجارة», باعتبارها ورقة مالية شرعية، وتميزها بالمرونة من جهة مصدرها وتعدد صورها، فضلا عن الوساطة المالية التي تتضمنها مع خضوعها لعوامل السوق.

وأبان أن أنواع صكوك الإجارة 3, أولها صكوك ملكية الأصول المؤجرة، وصكوك ملكية المنافع، وصكوك ملكية الخدمات، وذلك بتحويل خدمة أو عمل من جهة معينة أو موصوفة في الذمة إلى صكوك متساوية القيمة، لها خصائص الأوراق المالية وسماتها.

وأبان ميره أن هناك احتمال ميلاد هيكلة مقترحة, يمكن أن تصدر الشركات على غرارها صكوكا لتوفير السلع المعمرة متوسطة الأجل كالطائرات، والمعدات الثقيلة، وآلات المصانع، والأجهزة الحاسوبية الضخمة ونحوها، وثانيهما تمويل بناء فندق عبر طرح صكوك منافع.

وطالب ميره الجهات التنظيمية والتشريعية في البلاد الإسلامية بتوفير البيئة التشريعية والتنظيمية الملائمة لإصدار الصكوك, كإصدار أنظمة ولوائح طرح الصكوك الإسلامية وتداولها, وإنشاء الجهة التنظيمية المشرفة على سوق المال في كل بلد لهيئة شرعية موحدة لها المرجعية الكاملة لإصدارات الصكوك التي يُراد طرحها، أو إدراجها في سوق المال؛ لتضييق هوة الخلاف الفقهي، واستقرار السوق وزيادة الثقة فيه، مع الاستفادة من خصوصيتها في التداول، إلى تكوين مؤشر للصكوك الإسلامية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

من ناحيته نوه الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن باعشن، بأن هناك اهتماما دوليا بالصكوك الإسلامية, على مستوى أوروبا وأميركا, بجانب دول جنوب وشرق آسيا, مشيرا إلى عزم الحكومة البريطانية المضي قدما في إصدار صكوك استثمار إسلامية, مضيفا أن ماليزيا والبحرين والإمارات والسودان من أوائل الدول التي قامت باستخدام الصكوك لتمويل مشاريعها بديلا للسندات بفائدة، حيث حققت النتائج المرجوة منها.

وأكد باعشن أن للصكوك القدرة على تلبية احتياجات الحكومات والشركات بتوفيرها السيولة النقدية لمشاريع التنمية وشراء الأصول الاستثمارية، موضحا أن تجربة إصدار صكوك الإجارة بالبحرين, عليها تحفظات من قبل الكثير من العلماء, ذلك لأن هذا التمويل علي عقد الوفاة من العقود التي يوجد عليها خلاف كبير, يلتزم بموجبة البائع للمشتري بشراء السلعة من أخري.

وأضاف أنه ما زالت هناك حاجة ملحة لإيجاد بيئة تشريعية للمساعدة على انتشار التمويل من خلال منتج الصكوك المالية الإسلامية, باعتباره جعل ماليزيا تتصدر دول العالم في إجمالي إصداراتها من الصكوك, باعتبارها من أوائل من أصدر تشريعات منظمة لإصدارها.

من جهته، أكد الدكتور محمد بدوي، خبير في المصرفية الإسلامية, أن الصكوك هي الوسيلة المقبلة لإدارة السيولة والتحكم في السياسة النقدية, سواء أكانت صكوك إجارة أو صكوك مشاركة أو صكوك سلم أو غيرها من الصكوك التي تتنوع بحسب ارتباطها بالأصول أو عدمه، وبحسب إمكانية تداولها أو عدمه، وبحسب عائدها المتغير أو الثابت، وبحسب عائدها المضمون أو غير المضمون, موضحا أنها تتيح تحكما أكثر قدرة في السياسة النقدية من قبل البنوك المركزية الراعية للبنوك، وتفسح مجالا واسعا للمصارف الإسلامية في استغلال أمثل لمواردها النقدية.

وزاد بدوي أن السعودية قادرة على قيادة السوق المالية في هذا المجال, حيث لديها سوق مالية واعدة ومشاريع تنموية ضخمة, كما أن لوزارة المالية ومؤسسة النقد السعودي وهيئة السوق المالية والمؤسسات العامة السعودية ذات الصلة، فرصا هائلة لدعم الاقتصاد الوطني بشتى أنواع الصكوك في المدن الصناعية والمشاريع الكبرى، كالسكك الحديدية والمصانع المختلفة، والخدمات، كالكهرباء والمياه والهاتف والمستشفيات، وفقا للرؤية الملكية الآخذة بهذه الأداة المالية المبتكرة.

وبحسب بدوي، فإنه ثمة تحديات تواجه الصكوك الإسلامية, منها غياب الهيئات التنظيمية المستقلة التي تضمن سلامة الصك من الناحية المالية والشرعية, بالإضافة إلى طغيان مفهوم السندات التقليدية عليها.

وأوضح لا يكاد يوجد صك إسلامي إلا وقد اشترط فيه مصدروه شروطا وقيودا تنفي الاختلافات الرئيسية بينه وبين السند التقليدي, داعيا للبناء على المعيار الصكي، كالذي أصدرته هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في البحرين للوصول إلى صكوك إسلامية متفق عليها، تضمن توحيد معايير إصدارها وتداولها وانتظام التعامل بها من الناحية الشرعية، مشيرا إلى أنه تبقى الناحية المالية بحاجة إلى من يتبنى تنظيمها.

وأكد بدوي على أهمية استحداث أدوات مالية في سوق المصرفية الإسلامية, مبينا أن صكوك الإجارة خاصة في دول الخليج تكتسب أهميتها توافق فوائضها المالية التي تبحث عن استثمارات إسلامية مع الشرع, موضحا أن أغلب صكوك الإجارة المتعامل بها في الدول المختلفة تصدرها البنوك والحكومات وبعض الشركات.

كما أكد البروفسور علي بن أحمد السواس، النائب الأول لرئيس مجمع فقهاء الشريعة في الولايات المتحدة، أن صكوك المقارضة هي البديل الإسلامي للسندات التقليدية، موضحا أنها أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأسمال القراض - المضاربة - بإصدار ملكية برأسمال المضاربة، على أساس وحدات متساوية القيمة، ومسجلة بأسماء أصحابها، باعتبارهم يملكون حصصا شائعة في رأسمال المضاربة، وما يتحول إليه بنسبة ملكية كل منهم فيه.

وبحسب السواس، فإن الصك يمثل حصة شائعة في المشروع الذي أُصدرت الصكوك لإنشائه أو تمويله، وهو قابل للتداول بالضوابط الشرعية، مبينا أن مخاطر هذه الصكوك تبدو في طبيعة المشروع، وفي خبرة وأمانة وقوة الذين يقومون بدور المضارب, مشيرا إلى أن بنك التنمية الإسلامي له دور بارز في هذا المجال، حيث يصدر مثل هذه الصكوك، ويكون هو المضارب، ويشترك أيضا في رأس المال.

ويعتقد أن كثيرا من المؤسسات استثمر في هذه الصكوك، وبعضها قام هو بعمل المضاربة دون خبرة كافية، وكفاءة في هذا المجال، ومن هنا يرى السواس أن المخاطرة زادت.

كما يتوقع الدكتور حسني الخولي، الخبير المصرفي, أن تشهد السندات الإسلامية نموا سريعا في المدى القريب لسد الفجوة التمويلية التي قد يتعذر تدبيرها من المصارف وشركات الإقراض حاليا، معزيا ذلك للاحتياج المستقبلي لهذه السندات، بسبب أزمات الديون وأزمات السيولة التي تعرضت لها بعض الشركات والدول.

وأقر الخولي بأن السندات الإسلامية في صورتها الحالية, قد يكون بها تجاوزات شرعية لحداثة سنها، موضحا أن تحديد تلك التجاوزات بنسبة محددة أمر بالغ الصعوبة، خاصة أن حجم السندات الإسلامية المتداولة حاليا قائم على التقدير.

وقال: «المؤسسات المالية العالمية استطاعت إدخال هذه المنتجات المصرفية في قائمة منتجاتها التقليدية لتوظيف فوائض السيولة غير المستثمرة في ذلك الحين، في ظل وجود هيئات شرعية تمحص المنتجات، وتعمل على التأكد من شرعية التكييف الشرعي لها قبل الإصدار والتداول»، مشيرا إلى دخول مؤسسات مالية غير إسلامية لتستثمر أموالها في هذا النوع من السندات.

وأشار الخولي إلى عدد من التحديات التي تواجه عملية إصدار السندات داخل البلاد الإسلامية، من أهمها اللبس الخاص بتحريم تلك السندات, بجانب قصور معايير المحاسبة والمراجعة الإسلامية في تنظيم هذا المنتج منذ طرح السندات، مرورا باستثمار أموالها، ثم كيفية مراقبتها عن كثب للحد من أي تجاوزات شرعية.

أما فيما يتعلق بإساءة استخدام السندات الإسلامية في غسل الأموال في الأسواق النامية, يعتقد الخولي أن حتمية الرقابة على السندات الإسلامية أمر مهم، وتزداد أهميته نظرا لحداثة المنتج، وبالتالي يجب أن يعرف من أين جمعت تلك الأموال، وفيما استثمرت أو أنفقت، وذلك حفاظا على أموال وحقوق حملة السندات من ناحية، مقرا بإمكانية استخدام تلك الأموال في عمليات غسل الأموال، فالجريمة موجودة قبل إصدار المنتج وبعده.