مجمع الفقه الإسلامي الدولي يحصر التورق المحرم في «المنظم» و«العكسي»

مع استمرار التشكيك في القرار واعتباره اتخذ في زمن قياسي دون الرجوع للآخرين

TT

شن مجمع الفقه الإسلامي الدولي هجوما حادا على منتقديه من بعض أعضاء الهيئات الشرعية، الذين يرون أن مجمع الفقه حرم التورق دون الرجوع إليهم أو مناقشتهم، ودون إعطاء الفرصة للآخرين ليدلوا برأيهم.

ويواجه كثير من البنوك الإسلامية التي تستخدم «التورق» انتقادات واسعة خلال الفترة الأخيرة، خاصة مع عدم امتثال كثير من البنوك لفتوى المجمع التي نصت على تحريم التورق غير المنضبط أو التورق المنظم أو العكسي.

وأكد البيان الذي حمل توقيع أحمد عبد العليم عبد اللطيف، مدير إدارة الدراسات والبحوث بالمجمع بالإنابة، أن مجلس المجمع كان قد بين أن الحكم الشرعي في أصل التورق شرعا هو الإباحة، فهو لم يحرم التورق جملة ولم يحرم أصل التورق، وإنما الذي حرمه هو التورق المنظم والعكسي، وأن المجمع لم يصدر قراره فيهما بالتحريم إلا بعد فقدان المعاملة (التورق المنظم والعكسي) للشروط التي بها تصير حلالا.

وقال عبد اللطيف إن «ذلك ينطوي على التحايل والصورية في التعامل فيهما، ومن ثم فإن المجمع قد راعى عند الحكم بالتحريم توفر الشروط الشرعية في هذه المعاملة شأنه في ذلك شأن أي معاملة يصدر فيها قرار فقهي»، وهو ما أكده أحد المشككين أنفسهم حيث قال «إن التورق يكون جائزا إذا طبق بشكل صحيح. وبناء على ما تقدم يكون المحرم من التورق هو: التورق المنظم والعكسي، وعليه فلا مجال للقول إن المجمع قد حرم التورق مما يوحي بأنه حرمه جملة وتفصيلا».

كما أكد المجمع أنه لم يستعن بمستكتبين في موضوع التورق المنظم محل النقاش يعيشون بعيدا عن واقع المؤسسات المالية الإسلامية، وإنما استعان بمن هم على علم وخبرة كاملة، ومعرفة تامة بأحوالها، ومشكلاتها ومخالفاتها وأحكامها الشرعية، وخاصة في موضوع التورق. وتابع أن المستكتبين في الموضوع الذين بنى مجلس المجمع قراره في التورق على بحوثهم، هم من كبار الفقهاء والاقتصاديين، ومن كبار أعضاء الهيئات الشرعية في المؤسسات المالية الإسلامية، الذين هم على علم تام ودراية وافية بموضوع التورق ومشكلاته والحكم عليه حتى ولو لم يقرأوا البحوث التي قدمت لمجلس المجمع.

وأضاف أن «من حضر الدورة التاسعة عشرة للمجمع التي خرج من رحمها القرار الخاص بالتورق يعلم أن ولادة قراراتها قد أخذت وقتا طويلا بسبب المناقشات الطويلة لها من جانب مجلس المجمع، التي امتدت لساعات طويلة، فضلا عن المناقشات التي دارت حول الموضوع عند عرضه للمناقشة، وما سبقها من مناقشات دارت في لجان الصياغة الفرعية والعامة، وفي هذا ما ينفي المزاعم التي تردد أن القرارات تؤخذ على عجل».

والمعروف أن الشيخ البحريني نظام يعقوبي وهو من كبار أعضاء الهيئات الشرعية وتبوأ موقعا متقدمة في قائمة أكثر العلماء عملا في الهيئات الشرعية، كان قد شن هجوما عنيفا على قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بشأن التورق: حقيقته، أنواعه (الفقهي المعروف والمصرفي المنظم) في دورته التاسعة عشرة التي عقدت في الشارقة خلال الفترة من 26 30 أبريل (نيسان) 2009، الذي حرم فيه التعامل بالتورق المنظم والعكسي، لما ينطويان عليه من مخالفات شرعية. وكان يعقوبي يرى أن القرار كان سريعا ولم يأخذ في الحسبان العلماء الآخرين والباحثين الذين يرغبون في المناقشة وطرح أفكارهم.

وعاد الدكتور عبد اللطيف للتأكيد على أن حرية المناقشة وإبداء الرأي في جلسات المجمع مكفولة لكل عضو ومشارك، وأن الباحثين هم الذين يتولون صياغة مشاريع القرارات، كما أن قرار المجمع في التورق المنظم والعكسي قد صدر بالإجماع ولم يتم تسجيل أي اعتراض عليه من أي عضو، كما أنه لم يتقدم أي باحث ممن كتبوا في موضوع التورق في الدورة المذكورة بأي اعتراض على القرار أثناء انعقاد الدورة أو بعدها، فكيف يقال إن البحوث التي قدمت للمجمع تبيح التورق المنظم.

وبين أن مجلس المجمع وانطلاقا من الوسطية التي يتبناها ليس له أي مصلحة في تحريم معاملة يتعامل الناس بها إلا إذا تخللتها مخالفة شرعية، فهو يتمتع بالنزاهة والحيادية، كما أن قراراته بالحل والتحريم بعيدة عن التهمة، طارحا تساؤلا عن ردود الفعل في حال حل المجمع للتورق المنظم.

وأوضح أن المجمع لا يبني قراراته وفتاواه على التقليد والتبعية لأي مؤسسة أو هيئة سبقته في بحث ودراسة أي موضوع، وقد يدرس ما صدر من فتاوى وقرارات عن مؤسسات أو هيئات أخرى سبقته في بحث الموضوع، لكن لا يتبعها في الفتوى أو القرار، إنما يبني قراره أو فتواه على الدليل الشرعي الذي يراعي مقاصد الشرع الحكيم، ويوازن بين المصالح والمفاسد.

وأفاد بأن المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي قد سبق المجمع في تحريم التورق المنظم، ومع هذا يحاول البعض وصم القرار بالخاطئ والمنهجية بالخاطئة، فهل يمكن أن يتوافق العلماء في المجمعين على التحريم، ويكون قرارهما فيه خاطئا.

وأكد أن أي قرار يصدر عن المجامع الفقهية بالتحريم أو الإباحة ما دام اعتمد على دليل شرعي واضح، فليس لأحد أن يشكك فيه، لأنه إذا لم يعتمد الاقتصاديون وغيرهم قرارات المجامع الفقهية التي تنتهج الاجتهاد الجماعي في إصدار الأحكام الشرعية، التي تتميز بالنزاهة والحيدة، فأي فتوى وأي قرار يعتمدون، وهنا أتساءل أليس من المنطقي أن يخضع المشككون في القرار وهم ثلاثة أو أربعة لما ذهب إليه غالبية العلماء بدلا من محاولة إخضاعهم لما يرونه هم.

وفصل الدكتور عبد اللطيف الموضع بأن جل الانتقادات موجهة إلى الشكل وهو الآلية، ومن ثم يكون القرار صحيحا، لأن عدم اكتمال الشكل لا يؤثر في المضمون، شارحا ذلك بأنه إذا توافرت شروط البيع الشرعية بعيدا عن التحايل والصورية صار التورق منضبطا، ومن ثم صار حلالا، وإذا لم تتوفر الشروط صار غير منضبط، وغير جائز شرعا، وهذا هو الفرق بين التورق المنضبط وغيره، لأنني لا أعلم فرقا بين المنضبط وغيره بهذا.

وقال إن «وظيفة مجلس المجمع هي أن يبين حكم الشرع في القضايا التي يبحثها، ثم يترك التنفيذ للوازع الديني لدى المخاطب، فمن شاء فليقبل ومن شاء فليخالف، والحمد لله، هناك الكثير من المؤسسات قد استجابت لقرار المجمع».

كما بين أن القول بأن يكون القرار النهائي في حل التورق وحرمته للعامة لا يقبل ولا يصح أن يصدر من عالم، لأن القرار في القضايا الشرعية إنما يكون للعلماء، لأنهم أهل الذكر فيها، والمنوط بهم بيان الحكم الشرعي، والعامة مطالبون شرعا بقبول قراراتهم وفتاواهم لا أن يتولوا هم أمر بيان الأحكام الشرعية في القضايا الشرعية، بإصدار القرار أو الفتوى فيها بأنفسهم، لأنهم ليسوا من أهل الاختصاص، وليسوا أهل الذكر، كما أن العامة لا يدخلون في المعاملات المستحدثة إلا طلبا للحلال الذي يقره العلماء، وأنه يجب تبصيرهم بالحكم الشرعي متى تغير وهذه هي وظيفة المجامع.

ووفق البيان فإن المجمع أكد أن أي مخالفة بالتحايل والصورية، تعتري التطبيق في المعاملات الإسلامية، سوف تؤدي إلى تشويه صورة النظام المالي الإسلامي ومصداقيته، كما يؤكد أن الضمانة الوحيدة لازدهار التعاملات الإسلامية وانتشارها واستمرارها، هو عدم مخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية، وإن أي صورية أو تحايل أو استغلال يشوب أي مرحلة من مراحل التعامل فيها، سوف يجعلها عرضة لأن تهوي بها رياح البوار والكساد في مكان سحيق. ولو وقع ذلك – لا سمح الله – فإن الضرر لن يصيب الذين ظلموا خاصة، وإنما سوف يعرض النظام المالي الإسلامي برمته لانتكاسة، قد تؤثر على تميزه أو تنال من مصداقيته ردحا من الزمن.

وجاء في البيان أنه مع كل ما سبق يسعد المجمع أن يتفضل العلماء والمختصون بإبداء آرائهم حول ما يصدره من قرارات وفتاوى شرعية، إذا لاحظوا خطأ فيها أو في المنهجية التي يتبناها بأسلوب علمي يوضح وجهة نظرهم، شريطة الالتزام بضوابط الاجتهاد الشرعي المعتمد على الدليل، بعيدا عن التشهير والتجريح والطعن الذي يفقد العلماء والمؤسسات الفقهية المصداقية لدى العامة، لا فرق في هذا بين من أفتى وبين من شكك.