وثائق سرية هندية: عناصر جماعة عسكر طيبة ينخرطون في صفوف «القاعدة»

جدل حول القتال في كشمير أم أفغانستان أدى لانقسام داخل كوادرها

TT

انضم ديفيد هيدلي إلى جماعة عسكر طيبة على أمل القتال في كشمير.. وانتهى الحال بهذا الأميركي، الباكستاني الأصل، بتتبع أهداف يمكن مهاجمتها في مومباي ومساعدة تنظيم القاعدة على التخطيط لهجوم على الدنمارك.

وتمثل قصة هيدلي المذكورة في وثائق سرية خاصة بالحكومة الهندية أحدث معلومات تلقي ضوءا على الهجمات التي وقعت في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2008 في مومباي، حيث التقى الرئيس الأميركي باراك أوباما مع أسر الضحايا خلال زيارة للمدينة السبت الماضي.

ويشير هذا إلى استدراج المزيد من كوادر «عسكر طيبة» إلى تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة به، وإلى خروجها شيئا فشيئا عن نطاق سيطرة جهاز المخابرات الباكستاني بعد أن أصبحت الجماعة أكثر تفتتا وتقبلا لأهداف تنظيم القاعدة التي تشمل الساحة العالمية بأسرها.

ويقول محللون أمنيون إنه كان ينظر لجماعة عسكر طيبة على أنها واحدة من أكثر الجماعات التي يمكن أن تعتمد عليها باكستان إذ كانت تتحاشى شن هجمات على باكستان ذاتها وتركز على الهند وكشمير.

وقال ستيفن تانكل، وهو محلل مقيم في الولايات المتحدة ويؤلف كتابا عن الجماعة «كانت هناك توترات موجودة داخل عسكر طيبة لبعض الوقت بين من يركزون على الهند ومن لهم توجه دولي».

وأضاف قائلا: «مع انحسار الجهاد في كشمير وتسارع وتيرة الجهاد العالمي لـ(القاعدة) أصبح التعامل مع هذه التوترات أكثر صعوبة. وجاء قرار شن هجوم إرهابي هائل في مومباي انطلاقا من هذه العوامل الداخلية».

وأدلى هيدلي، الذي ألقي القبض عليه في شيكاغو العام الماضي، بأقواله أمام المحققين الهنود خلال استجوابات استمرت 34 ساعة في يونيو (حزيران).

ويتبين من وثائق حصلت «رويترز» على نسخة منها أنه قال إن خطط هجمات مومباي بدأت كعملية محدودة لمهاجمة مؤتمر سنوي لمهندسي برامج الكومبيوتر في فندق تاج محل بالاس.

وفي غضون أشهر تضخمت المؤامرة إلى هجوم بحري ينفذه 10 مسلحين على أهداف كثيرة - وهو نوع من الهجمات قال مسؤولون إنه ربما كان يستهدف أيضا مدنا أوروبية - وانتهى بها الحال بأن تسببت في سقوط 166 قتيلا خلال حصار استمر 3 أيام. وكانت هناك حالة من الغليان داخل «عسكر طيبة» منذ سنوات تحت ضغوط من المخابرات الباكستانية للحد من أنشطتها في كشمير المتنازع عليها بين باكستان والهند منذ استقلالهما عام 1947.

وأصبحت الجماعة تخسر أعضاء انطلقوا في البداية للقتال في صفوفها قبل أن يتأثروا بجماعات أخرى تخوض «جهادا» أنشط في أفغانستان.

ونقلت الوثائق عن هيدلي، الذي أصبح شاهد ملك في القضية، قوله «هذا على حد فهمي أجبر عسكر طيبة على التفكير في شن هجوم إرهابي كبير في الهند».

وبدأ هيدلي، الذي أخذ يتتبع أهدافا يمكن مهاجمتها في مومباي خلال عدد من الرحلات، يعمل بشكل متزايد مع إلياس الكشميري وهو قائد جماعة متشددة متمركزة في منطقة قبلية بباكستان وله صلة وثيقة بـ«القاعدة».

قام هيدلي بزيارة الكشميري مرتين في 2009 وبحثا خططا لشن هجوم على الدنمارك التي نشرت فيها صحيفة «يولاندز بوستن» رسوما مسيئة للإسلام. وقال هيدلي إنهما «بحثا شن هجوم عام على كوبنهاغن».

وجد هيدلي نفسه يتتبع لصالح «القاعدة» أهدافا يمكن مهاجمتها في كوبنهاغن وسافر إلى السويد وبلدة دربي البريطانية لطلب المساعدة على شن الهجوم.

وأحبطت العملية عندما ألقي القبض عليه في شيكاغو العام الماضي بناء على إخبارية من المخابرات البريطانية كما تقول بعض التقارير.

ويتسرب الكثير من أجزاء قصة هيدلي منذ إلقاء القبض عليه. لكن الشهادة التي أدلى بها للمدعين الهنود تقدم صورة أكثر تفصيلا بكثير لكيفية تحول «عسكر طيبة» على مدى العقد الماضي.

وفي حين يساور مسؤولي الأمن قلق من احتمال استغلال أنصار «عسكر طيبة» بين الجاليات الباكستانية في الخارج في هجوم بالغرب، ما زال زعماء الجماعة يعتبرون كشمير الجبهة الأهم.

وفي الكثير من المباحثات التي تحدث عنها هيدلي، ركز هؤلاء الزعماء على أن الأولوية لكشمير وذلك بحماسة كثيرا ما كانت تخرج فيما يبدو عن النطاق الذي ترغب فيه المخابرات الباكستانية. لكن جماعة عسكر طيبة تأثرت بشدة بالحرب الأفغانية إذ إن كوادرها تعاونت مع جماعات تحارب الجيش الباكستاني على الحدود وأصبحت أكثر التزاما بالجهاد على الساحة العالمية وأقل استعدادا لفعل ما هو مطلوب منها طبقا لما رسمه قادة المخابرات الباكستانية.

حظرت باكستان الجماعة رسميا وقيدت أنشطتها بعد أن بدأت عملية سلام مع الهند عام 2004.

وقال هيدلي إنه مع مواجهة باكستان أزمة هوية فيما يتعلق بالحرب في أفغانستان وفي المناطق القبلية «ثار جدل بين الكوادر الإرهابية حول ما إذا كان ينبغي القتال في كشمير أم في أفغانستان. أدى تصادم الآيديولوجيات إلى انقسام الكثير من كوادرنا».

وفي حين وافق زعماء جماعة عسكر طيبة على خطط مومباي كما يقول هيدلي فقد تأثروا بآراء أعضاء أكثر تشددا وأصبحت الأهداف تشمل أماكن يرتادها سائحون ويهود.

وأدت الأهداف المختارة إلى جعل حتى محللي الأمن الهنود يستبعدون تورط قادة المخابرات الباكستانية، التي قالت إنها لم تكن أبدا لتخاطر برد فعل أميركي شديد من خلال السماح لجماعة عسكر طيبة بمهاجمة أميركيين ويهود. بعد ذلك اكتسبت المؤامرة زخما شبه عشوائي.

فمع التخطيط لشن الهجوم في سبتمبر (أيلول) الذي كان يوافق شهر رمضان أبدى البعض أمله في ألا يلقى الكثير من المسلمين حتفهم بما أنهم سيكونون في منازلهم لتناول الإفطار. وطوى النسيان هذا الأمر تماما عندما أحبطت المحاولة بعد انقلاب قارب المسلحين.

كما تم إحباط خطط استخدام محطة القطارات الرئيسية كوسيلة للهروب، عندما قررت كوادر قيادية أن يحارب المسلحون إلى النهاية.. وتحول الهجوم إلى حصار استمر 3 أيام وتحولت المحطة إلى هدف قتل فيه ثلث الضحايا.

ويقول هيدلي إن مسؤولي المخابرات الباكستانية الذين كانوا يتعاملون رسميا مع «عسكر طيبة» كانوا على علم بخطط مومباي.. لكن في جهاز يصل عدد أعضائه إلى الآلاف وللضباط فيه قدر كبير من الاستقلالية فليس من الواضح ما إذا كانت هذه المعلومة قد وصلت القيادات العليا. ونقلت الوثائق الهندية عن هيدلي قوله إن قائد المخابرات الباكستانية اللفتنانت جنرال أحمد شوجا باشا زار قائدا لـ«عسكر طيبة» في السجن بعد الهجوم «لفهم مؤامرة هجوم مومباي».

وعندما سئل مسؤول باكستاني عن صحة هذا التقرير أجاب بنفي ضلوع أي من ضباط المخابرات الباكستانية في هجمات مومباي، وأشار إلى أن باكستان تطلب من الهند منذ فترة طويلة تقديم الأدلة التي حصلت عليها.

وتقول الهند منذ فترة إن باكستان يجب ألا تكبح أنشطة «عسكر طيبة» فحسب، بل عليها أيضا أن تفكك «البنية الأساسية للإرهاب» لمنع وقوع هجمات أخرى مماثلة.