الرئيس التركي غل: خسارة الحريري كانت كبيرة.. ولكن يجب عدم تدمير الاستقرار في لبنان

رفض اتهام حكومته بامتلاك «نزعة عثمانية» وانتقد زعماء أوروبا «غير القادرين» على رؤية المستقبل

الرئيس التركي عبد الله غل يسلم معطفه لحظة وصوله الى 10 داوننغ ستريت للقاء رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون (رويترز)
TT

دعا الرئيس التركي عبد الله غل إلى «الحفاظ على الانسجام القائم في لبنان، والتأكد من أن الاستقرار لن يتم تدميره». وشدد غل في محاضرة ألقاها في معهد «تشاتم هاوس» في لندن أمس، وهو يجيب عن سؤال حول موقف تركيا من المحكمة الخاصة بلبنان، على أن «أي زعزعة في استقرار لبنان ستنعكس سلبا على المنطقة». وعلى الرغم من أن غل لم يعلن موقفا سلبيا من المحكمة الدولية التي تحقق في اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، فإنه شدد على حرص تركيا على الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة. وقال: «خسارة الحريري كانت كبيرة لأنه عمل بجهد لإعادة بناء لبنان، ونحن لا نعلق على سير المحكمة لأنها أمور قضائية، ولكن همّ تركيا الأكبر هو الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة».

وقد صعد حزب الله مواقفه مؤخرا ضد المحكمة، ويرفض التعاون معها أو الاعتراف بها. ويتوقع حزب الله أن يصدر المدعي العام قرارا ظنيا يتهم أعضاء في الحزب باغتيال الحريري. ويثير ترقب القرار الظني الذي لمح رئيس المحكمة إلى أنه قد يصدر قبل نهاية العام الحالي، قلقا كبيرا في لبنان من عودة الفوضى والحرب الأهلية. وتشدد الولايات المتحدة وفرنسا على أنه لا يمكن إلغاء المحكمة، وقد اتخذت واشنطن خطوات في الأيام الماضية لتثبيت دعمها لتحقيق العدالة الدولية.

وتطرق غل في كلمته إلى مستقبل العلاقات مع إسرائيل، وقال إن شكل هذه العلاقات هو رهن بإسرائيل نفسها. وقال: «الوضع الحالي ليس من صنع تركيا؛ بل من صنع إسرائيل عندما اعتدت في المياه الدولية على ناشطين وقتلت 9 من مواطنينا، وهذا أمر أصبح الآن في يد القانون الدولي». وأضاف: «إسرائيل ستقيم موقفها، ومستقبل علاقاتها رهن بموقف الحكومة الإسرائيلية».

وذكر الرئيس التركي الذي حضر إلى لندن في زيارة لمدة يومين لتلقي جائزة من «تشاتم هاوس» تمنح سنويا لقائد تعتقد أنه قدم مساهمة كبيرة على صعيد السياسة الدولية، بأن تركيا كانت أول بلد مسلم اعترف بالدولة الإسرائيلية، وبالدور الإيجابي الذي لعبته طوال سنوات لحلحلة الخلافات بين إسرائيل والفلسطينيين والدول المسلمة. ورفض الاتهامات الإسرائيلية بأن الحكومة التركية الحالية التي شكلها حزب العدالة والتنمية ذات الجذور الإسلامية، هي التي أوصلت العلاقات إلى مرحلة التأزم. وأشار إلى أنه هو نفسه زار إسرائيل بعد انتخابه وكذلك رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان.

وتحدث غل عن الدور الذي تلعبه تركيا في المنطقة بهدف الحفاظ على الأمن والاستقرار، مشيرا إلى أنها تعتمد «السياسة الناعمة»، وقال: «نحاول منذ 8 سنوات أن نعتمد سياسة (صفر مشكلات) تجاه جيراننا». ولكنه نفى أن تكون لدى حكومته نزعة «عثمانية»، وهو جدل تسبب فيه وزير خارجيته أحمد داوود أغلو الذي أثار جدلا عندما تحدث عن «العثمانيين الجدد»، ودعا لأن تتصالح تركيا مع إسلامها وتعيد رسم دورها في المنطقة والعالم الإسلامي، حتى إن غل شبه علاقات تركيا بالدول التي ولدت من السلطنة العثمانية، بعلاقة بريطانيا بدول الكومنولث. وقال: «علاقاتنا بدول المنطقة لا تحمل إلا نوايا حسنة، تماما كما علاقة بريطانيا بدول الكومنولث. لا يمكن للبريطانيين أن ينسوها لأنها جزء من التراث». وأضاف: «يجب أن نأخذ تاريخنا بعين الاعتبار عندما نتحدث عن تأثيرنا الإقليمي، لأن بلدنا كان مسؤولا لفترة طويلة عن المنطقة، ومن الطبيعي أن نكون قوة سياسية في المنطقة من دون أن يعني ذلك أننا تريد إحياء السلطنة العثمانية، فهذا أمر غير صحيح إطلاقا».

وانتقد غل أوروبا بشكل واضح في خطابه الذي ألقاه تحت عنوان «النظام الدولي، علاقة تركيا وأوروبا..»، وتحدث عن تنامي ظاهرة الإرهاب من الأجانب، والعنصرية في كثير من البلدان المتقدمة. ورفض بشكل قاطع المقولة القائلة بأن انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي سيقوض الانسجام والتماسك بين بلدان الاتحاد، وقال: «الاتحاد الأوروبي لن يكون أضعف بل أقوى سياسيا واقتصاديا مع عضوية تركيا». وأضاف: «من المحزن أن بعض القادة الأوروبيين لا يرون بوضوح مستقبل العالم بعد 20 أو 50 أو 70 عاما.. ونظرا إلى أن ميزان القوة الدولي بدأ يميل إلى الشرق وآسيا (الدول الناشئة مثل الصين والهند)، فإنه لأمر أساسي أن تكون تركيا عضوا في الاتحاد الأوروبي.. وأنا واثق من أن ذلك سيكون نقطة تحول بارزة في النصف الأول من القرن الحادي والعشرين».

ودعا غل أيضا إلى إنشاء نظام عالمي جديد، لأن النظام الحالي «ناقص التوازن»، مشيرا إلى أنه برز بسبب غياب نظام دولي جديد بعد الحرب الباردة. وقال: «في الوقت الحاضر، العالم لم يعد يدور حول قوتين عظميين، والوزن النسبي للغرب في ميزان القوى الدولي، هو أيضا إلى انحسار. قوى ناشئة مثل الصين والهند والبرازيل وروسيا، يحولون مركز الثقل في العلاقات الدولية إلى آسيا والشرق». وأضاف: «كما أن التحول التدريجي ورؤية التهديدات، وتحديد الأمن، أيضا يتغير ويتوسع. واليوم لا يمكن وصف النظام الدولي على أنه أحادي القطب، أو ثنائي القطب ولا حتى لا قطب». وأشار أيضا إلى أن «الأزمة المالية الاقتصادية التي ضربت العالم، كشفت عن مدى ضعف الإدارة الاقتصادية الدولية».

وشدد على ضرورة أن يكون النظام العالمي الجديد مستندا إلى عدة مقومات؛ منها أن لا يقسم البلدان «بعقلية الحرب الباردة بين بلدان عالم أول وبلدان عالم ثان وثالث»، وأن «يقارب العلاقات الدولية من منطلق قيم عالمية، ويركز على كل العالم، ويرفض فهما للتاريخ والعلاقات الدولية مرتكزا على أوروبا». وأضاف أنه «بدلا من نظام حيث الرابحون تتم مكافأتهم والخاسرون معاقبتهم، على النظام الجديد أن يمكننا من ربح عقول وقلوب المهزومين».