بعدما أنهت إسرائيل إلى حد كبير ظاهرة المطلوبين في الضفة الغربية، إما عبر القتل وإما الاعتقال أو إصدار إعفاءات عنهم، أخذ محققو «الشاباك» الإسرائيلي يقومون بزيارات استكشافية لمنازل مسؤولين من حركتي حماس والجهاد الإسلامي في الضفة، لإجراء حوارات مصحوبة «بفنجان قهوة» بهدف التعرف على مواقفهم من قضايا مختلفة، وإيصال رسائل مبطنة في أحيان أخرى. وأكد مسؤولون فلسطينيون لـ«الشرق الأوسط» حدوث مثل هذه الزيارات، لكنهم اعتبروا أن ذلك يأتي في إطار الاقتحامات وعقد اللقاءات قسرا وليس بالاتفاق.
وأكدت مصادر فلسطينية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن رجال «الشاباك» زاروا في الشهرين الأخيرين، منازل عدد من قادة حماس والجهاد، وحاولوا أن يتبادلوا معهم أطراف الحديث حول مواقفهم من عملية المفاوضات والمصالحة والمقاومة في الضفة وغزة، ومستقبل العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وقالت مصادر في الجهاد إن عددا من قياداتها (أكثر من 5) فوجئ فعلا برجال «الشابك» يطرقون أبواب منازلهم في منتصف الليل ويسألونهم عن آرائهم في مواضيع مختلفة. وفي 15 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، اقتحم مسؤولو «الشاباك» منزل خالد قعدان في عرابة في جنين، وهو أحد قادة الجهاد في الضفة الغربية.
وقال قعدان لـ«الشرق الأوسط» إن «مسؤولي (الشاباك) قالوا له إنهم جاءوا لزيارته وشرب فنجان قهوة معه»، وروى ما حدث قائلا: «طلبوا مني الجلوس وعرفوني على أنفسهم، كان واحد يلقب بمايك والثاني غزال. وقال مايك: جئنا لنحتفل بعيد ميلاد ابنك خالد الثاني».
سألوه عن عمله وعلاقته بالسلطة والفصائل ورأيه في اعتقالات السلطة لرجال حماس والجهاد وتأثير ذلك على قدرة الفصيلين. وسألوه كذلك عن رأيه في المفاوضات وفي التنسيق الأمني وفي السلطة وإمكانية بقائها أو انهيارها وإمكانية تحقيق السلام إذا تسلم الفلسطينيون الدولة في حدود 67. وأضاف قعدان «تحدثوا في قضايا تخص الجهاد وتحركاتي لإيصال رسائل بأننا نعرف عنك كل شيء وأن أي تحركات جديدة مرصودة وممنوعة». ولم يقف رجال «الشباك» عند ذلك، بل استدعوا أشقاء الرجل وشقيقته وهم أسرى سابقون ووجهوا لهم نفس الأسئلة، ثم غادروا متمنين العمر المديد للطفل خالد في ظل السلام.
ويرى قعدان أن «هذه الحوارات الاستكشافية تهدف إلى التعرف على مدى الاستعداد النفسي والتنظيمي لدى الجهاد وحماس في مواضيع شتى»، نافيا أن يكون الهدف فتح حوارات مع الفصائل الإسلامية، وقال «لسنا نحن القناة المناسبة لذلك». وكرر رجال «الشاباك» هذه الزيارات الليلية التي تأخذ شكل الزيارة مع آخرين، ومن بين الذين زارهم «الشاباك» القيادي المعروف في الجهاد عدنان خضر والقياديون في حماس، الوزير السابق وصفي قبها وخالد الحاج وغسان الزغيبي.
واعتبر قبها في بيان تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه أن ما جرى معه نهاية الشهر الماضي لا يعدو كونه اقتحاما. وقال «قامت عناصر المخابرات بالتحقيق معنا والاستفسار عن حماس ووضعها في الضفة وجنين، وعلاقتها المتوترة والمأزومة مع السلطة وتوصيل رسائل تهديد للحركة مفادها بأنه لن يسمح لها بمعاودة نشاطاتها وأنها ستبقى محظورة، وستتم ملاحقة كل من يحاول أن يمارس نشاطا أيا كان نوعه، وأن نموذج غزة وما جرى في الخليل لن يتكرر أبدا». وتمنى قبها على وسائل الإعلام تحري الدقة فيما حصل قبل الترويج بحصول لقاءات، وتساءل «لا أدري هل هكذا تتم اللقاءات».
وفي هذا السياق، كتبت صحيفة «هآرتس»، أمس، أن السلطة الفلسطينية اشتكت مؤخرا أمام إسرائيل من قيام مسؤولين في «الشاباك» بإجراء اتصالات مع ناشطين مركزيين في حماس والجهاد الإسلامي في منطقة جنين. وحسب «هآرتس» فإن عناصر «الشاباك» زاروا بيوت مسؤولي حماس والجهاد في ساعات الليل المتأخرة، وأبلغوهم بأنهم لم يأتوا لاعتقالهم وإنما للتحدث معهم. ووصفت مصادر فلسطينية للصحيفة ما دار بأنه محاولة للحوار مع المنظمات الإسلامية. وقالت الصحيفة إن «السلطة بعد ذلك قدمت شكوى إلى القائد العسكري لما يسمى (منطقة المركز) آفي مزراحي، بادعاء أن اللقاءات أثارت حرجا، وفي وسط كبار المسؤولين في السلطة، الذين لم يقفوا على أهداف اللقاء».
وتأتي مثل هذه الزيارات الاستكشافية في وقت تفاخر فيه أجهزة الأمن الإسرائيلية بأنها لأول مرة منذ بدء الانتفاضة قبل 10 سنوات أصبحت قائمة المطلوبين الفلسطينيين لقوات الأمن الإسرائيلية في الضفة شبه خالية.
وقال تقرير لـ«هآرتس» إنه لا يوجد أي اسم في قائمة المطلوبين لأجهزة الأمن في شمال الضفة، في حين تبقى بعض الأسماء المعدودة في قائمة المطلوبين في جنوبها. واعتبر التقرير أن هذه النتيجة هي «دليل آخر على تحسن الوضع الأمني في الضفة الغربية، ورفع مستوى التنسيق بين أجهزة الأمن الإسرائيلية والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية».
وقالت «هآرتس» إنه إلى جانب الاغتيالات التي نفذها جيش الاحتلال و«الشاباك»، فإن الاعتقالات والتحقيقات التي أجريت مع الآلاف من «المشتبهين»، والعمليات المتواصلة التي تقوم بها إضافة إلى التنسيق المتزايد مع أجهزة الأمن الفلسطينية التي هبت بعد سيطرة حماس على غزة للعمل ضد الشبكات المسلحة في الضفة، أدت إلى هذه النتيجة.