السعوديون يتوجهون بأضحياتهم للبلدان الفقيرة استنادا لفتوى قديمة لابن جبرين

على خلفية ارتفاع أسعار المواشي

طالب تجار الماشية علماء السعودية بحث مواطني بلادهم على توسيع الخيارات في اختيار الأضاحي
TT

دفع ارتفاع أسعار الأضحيات لأرقام فلكية هذا الموسم، بعضا من الحجاج والأسر إلى الاستعاضة عن التضحية داخل المملكة بالتضحية في البلدان الإسلامية الفقيرة استنادا إلى فتوى للشيخ ابن جبرين رحمه الله تعالى.

لم يكن يعلم أحد أن الفتوى التي قيلت قبل سنوات من وفاة العلامة الشيخ عبد الله بن جبرين ستتحول من مجرد طلب فتوى من باب العلم والمعرفة إلى مخرج وباب فرج لكثيرين في ظل ارتفاع أسعار الأضحيات.

إلا أن فتوى الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين، رحمه الله، على موقعه الإلكتروني التي أجاب فيها عن أحد أسئلة المستفتين قبل وفاته حول إجازة ذبح الأضحيات في خارج المكان صاحبها، كأن تتبنى مؤسسة خيرية المشروع في المملكة وترسل المبلغ إلى إحدى الدول الفقيرة لعمل المشروع، تمثل فيها الفرج بعينه.

وقال: «لا شك أن الأضحيات تعتبر صدقات، وقصد أهلها حصول الأجر بالصدقة على الفقراء والمستضعفين حتى يشاركوا غيرهم في أيام الأعياد فرحتهم وسرورهم بالأكل من هذه اللحوم والتفكه بها، وحيث إن أهل المملكة عندهم الكثير والكثير من الأضحيات كوصايا عن الأحياء والأموات، فنرى إرسال كثير منها إلى خارج المملكة لذبحها في البلاد الفقيرة توسعة على المسلمين هناك وتأليفا لهم حتى يعرفوا أن إخوانهم في البلاد الإسلامية يحبونهم ويواسونهم ويوصلون إليهم ما يحتاجون إليه بقدر الإمكان، فإخراجها وإرسالها إلى الدول الفقيرة أولى من ذبحها في البلاد الغنية حيث إن أهلها قد يصبرونها في الثلاجات ويأكلون منها عدة أشهر، ولا يجدون الفقراء إلا قليلا، وقد يجتمع عند فقير أكثر من حاجته، وفي إرسالها إلى الدول الفقيرة تخفيف على المتبرعين لقلة أثمانها فعندنا الأضحية بمئات الريالات وهناك بربع الثمن أو أقل، وذلك أن بعض الناس عنده عدد كثير من الأضحيات فيمكن إبقاء واحدة أو اثنتين وإرسال الباقي فيتصدقون بما زاد على ثمن الأضحية في وجوه الخير».

محمود الجمالي أحد المستهلكين الذي فضل الاستعاضة عن الأضحية داخل السعودية بإيكال هذه المهمة لإحدى المؤسسات التي تقوم بالتضحية خارج المملكة بأسعار زهيدة، ويعلق في هذا الصدد: «لم أقدم على هذه الخطوة إلا بعد أن وصلت أسعار الأضحيات إلى أرقام شبة خيالية كما هي مشاهده الآن في ظل غياب السلطة المجبرة للتجار». ويتابع: «على الرغم من أن هذه الخطوة حرمتني من أن أستمتع أنا وأسرتي بطعم عيد الأضحى، خاصة أن الحدث الأكبر لغير الحجاج يتمثل في ذبح أضحية العيد، فإنني راض ومقتنع تماما بتوكيل هذه المهمة لإحدى الشركات»، مبديا انزعاجه من «عدم سيطرة وزارة التجارة على جشع بعض التجار خاصة أن الأضحية ليست من الكماليات». وقال: «عندما علمت من أحد أقاربي عن الفتوى، وتأكدت منها، حمدت الله على يسر ديننا ورحمته»، مشيرا إلى ضرورة مناصحة هؤلاء التجار بالتي هي أحسن حتى يعم الخير على الجميع، مؤكدا أن «تماديهم في تجاهل حاجات وقدرات المستهلكين فيه مخالفه لتعاليم ديننا الذي يدعوا إلى ضرورة مراعاة مشاعر أخيك المسلم وعدم قهره».

أحد العاملين في المؤسسات الخيرية التي توفر خدمة الأضحيات خارج السعودية فضل حجب اسمه، أكد لـ«الشرق الأوسط»: «وجود إقبال من قبل الأفراد، سعوديين وأجانب، على خدمة التضحية خارج السعودية للبلدان الفقيرة الإسلامية حيث تراوح عدد الأضيات التي يقومون بتنفيذها بين 25 إلى 30 ألف أضحية، كل عام، مشيرا إلى أن الفرد يستطيع تحديد المكان الذي يريد تقديم أضحيته فيه.

وعلى الرغم من أن وزارة التجارة والصناعة كانت قد أصدرت مؤشرا لأسعار الأضحيات لهذا العام خلال الأسبوع الماضي وحددت فيه أسعار عدد من أنواع الأضحيات المعروضة في السوق من أبقار وأغنام وإبل في بعض مناطق المملكة على أمل استمرارها إلى التاسع من الشهر الحالي، فإن ذلك المؤشر ليس إلا شكليا.

وفي السياق نفسه، كان قد أوضح صالح خليل وكيل وزارة التجارة والصناعة المساعد لشؤون المستهلك في وقت سابق لوسائل الإعلام أن مؤشر أسعار الأضحيات ليس إلا تعريفيا واسترشاديا بالأسعار التاجر ليس ملزما بالبيع الأسعار ذاتها.

يشار إلى أن أسعار الأضحيات تراوحت بين 1200 إلى 1700 ريال وبعض أنواع الأغنام لامس سعره سقف الـ2000 ريال ومن المتوقع أن تشهد ارتفاعا خلال أول ثلاثة أيام من العيد.

من جانب آخر، أكد لـ«الشرق الأوسط» عبد اللطيف الفضلى، وهو تاجر مواشٍ، أن إطلاق هذا المؤشر ليس إلزاميا أكثر من كونه توضيحا للمستهلكين لأسعار الأضحيات، خاصة أن سوق المواشي تعتبر إحدى الأسواق التي يتحكم فيه العرض والطلب، مؤكدا أنه في أحيان كثيرة يرتفع الطلب على المعروض فنلجأ إلى رفع الأسعار، لافتا إلى أن الأسعار ستشهد ارتفاعا طفيفا.

وأوضح في حديثه عدم وجود نية للتقيد بالأسعار، وقال: «قبل أن تحدد لنا وزارة التجارة أسعار الموشي، كان حريا بهم النظر إلى أسعار الأعلاف والشعير، وإيقاف التلاعب الحاصل من التجار علينا نحن كتجار مواشي، فبعد أن كان سعر الشعير35 وصل الآن إلى 55، بمعنى أنه مرتفع بسبعين في المائة»، مشيرا إلى أن الشعير في البورصات العالمية ليس غاليا. وأضاف أن «بعض التجار يلجأون إلى شراء هذه الأغنام قبل الموسم (عيد الأضحى) منذ شهر رمضان بمبلغ لا يتجاوز الـ800 ريال ويظل يعتني بها لحين قدوم عيد الأضحى. وبطبيعة الحال، التاجر يطمح إلى تحقيق دخل مادي من وراء التجارة فيها، لا سيما أنه قضى ثلاثة أشهر وهو يعتني بها» مشيرا إلى أن هذا يعتبر أحد الأسباب المقنعة لارتفاع الأسعار الحاصل.

وبرر تفاوت أسعار البيع لدى بعض التجار بحسب طبيعة المكان الذي يجلبوا منه تلك المواشي. وقال: «في حالة إذا كان العلف رخيصا لم تكن لتصل أسعار الأضحيات لهذه الأرقام المشاهدة الآن التي باتت محور حديث الجميع، فكانت لتبلغ على حد أقصى الأضحية الوافية 1100 ريال». واستطرد أن «الزيادة الحاصلة الآن في أسعار الأضحيات بلغت مائة في المائة مقارنة بأسعارها قبل أربع سنوات. فكان أجود أنواع الأضحية يكلف 950 ريالا، بينما الآن بلغ سعر الأضحية العادية 1500 ريال».