الحكومة المقبلة ستتميز عن سابقتها بالتوزيع المحسوب بعناية للسلطة على أساس عرقي وطائفي

اتفاق تقاسم السلطة يعكس استمرار التأثير القوي لأميركا والذي أكده حضور سفيرها جلسة إبرامه

TT

بعد ثلاث ساعات فقط من بداية الجلسة البرلمانية التي دعي إليها يوم الخميس للبدء في عملية إقرار اتفاق تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة، انسحب أعضاء التحالف الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق، إياد علاوي، في خطوة احتجاجية. وعلى الرغم من أن الانسحاب لم يتسبب في إفشال الاتفاق الذي تم التوصل إليه الليلة قبل الماضية، فقد كان مثالا صارخا على هشاشة الائتلاف الموسع الذي لم يكن عمره قد تجاوز 24 ساعة، ونذيرا بالمعارك السياسية القادمة.

وكانت إدارة الرئيس أوباما تصر خلال أزمة تشكيل الحكومة العراقية التي طال أمدها على أن الحكومة الجديدة يجب أن تعكس إرادة الناخبين. وقد حصلت على ما أرادت: حكومة - إذا استمرت - مقسمة وغير عملية ومتشككة في بعضها بعضا ومتعثرة وعرضة للانهيار أو على الأقل الاختلاف والتشتت.

وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاق مبدئي، فإن قادة العراق واصلوا صراعهم على المناصب والسلطة، وإطلاقهم للتهديدات التي قد تتسبب في انهيار الاتفاق الذي استغرق التوصل إليه ثمانية أشهر.

وانسحب أعضاء كتلة علاوي من جلسة البرلمان بعد فشلهم في إقرار عدد من المطالب، التي كان من بينها الإفراج عن المعتقلين وإلغاء قرار استبعاد ثلاثة من مرشحي تحالف العراقية بزعم أنهم كانوا موالين لحزب البعث الذي كان يتزعمه صدام حسين. وهذه قضايا بالغة الأهمية والحساسية للعراقيين من العرب السنة.

وقال حيدر الملا، وهو أحد أنصار علاوي «إننا لا يمكن أن نستمر مع حكومة تبدأ عملها بنقض اتفاقاتها». وقد تمكن تحالف علاوي من الفوز بفارق ضئيل على كتلة رئيس الوزراء نوري المالكي في انتخابات مارس (آذار) الماضي، لكنه فشل في كسب تأييد كاف للإطاحة به.

وعلى الرغم من أن الكثير من السياسيين تحدثوا عن الوحدة الوطنية بعد الإعلان عن اتفاق ليلة الأربعاء، فإنه لم يكن هناك دليل على هذه الوحدة سواء في البرلمان أو في الشارع العراقي. ولم يكن هناك احتفال كبير خارج الدائرة الضيقة المحيطة برئيس الوزراء المالكي. وقد تمكن المالكي، وهو شخصية عنيدة ومثيرة للانقسام، من الفوز بالترشيح الرسمي لولاية ثانية كرئيس للوزراء في البرلمان المنتهية دورته ليلة الخميس.

وعلى الرغم من أنه كانت هناك آمال عريضة حول توطيد الديمقراطية في العراق، فإن الانتخابات وما تلاها من فوضى كشفت حجم الانقسامات السياسية والاجتماعية الفجة داخل المجتمع العراقي والتي قادت البلاد نحو حرب أهلية بين عامي 2005 و2007.

وفي النهاية، فإن الحكومة الجديدة لن تختلف عن سابقتها إلا في اختلافات طفيفة، وأهمها التوزيع المحسوب بعناية للسلطة على أساس عرقي وطائفي. وإن كان تقاسم السلطة بهذه الطريقة ضروريا في الوقت الراهن، كما أشار الكثير من القادة يوم الخميس، فإن هناك خطرا بأن يصبح جزءا أساسيا ودائما في الديمقراطية العراقية غير المستقرة. وبذلك سيظل المالكي، وهو شيعي، رئيسا للوزراء. كما أعاد البرلمان انتخاب جلال طالباني، وهو كردي، رئيسا للبلاد. وعلى الرغم من أنه فشل في الفوز بأغلبية الثلثين المطلوبة في أول تصويت بعد انسحاب كتلة علاوي، فقد تمكن من الفوز بتصويت ثان، كما يسمح القانون، بأغلبية بسيطة بلغت 195 صوتا، بعد اتفاق وراء الأبواب المغلقة بين الفصائل الرئيسية التي كسرت حالة الجمود.

وانتخب في وقت سابق أسامة النجيفي، وهو سني من تحالف علاوي، رئيسا لمجلس النواب. وانتخب البرلمان نائبين له من الأكراد والشيعة (وقد انضم النجيفي بعد ذلك إلى كتلة علاوي التي انسحبت من الجلسة، لكنه عاد للإشراف على التصويت لصالح الرئيس، مما يشير إلى تصدعات في ائتلاف علاوي نفسه).

وتحدث مسعود بارزاني، رئيس المنطقة الكردية شبه المستقلة في شمال العراق، والذي لعب دورا حاسما في الوصول إلى هذا الاتفاق، عن أهمية الهوية العرقية في الإصرار على انتخاب طالباني من جديد. وقال «الرئيس ليست له سلطة كبيرة، لكن هذا المنصب مهم من الناحية الأخلاقية. لقد أصبحت قضية كرامة وهيبة للأكراد».

ولا يزال دور علاوي، إن كان له دور، غير واضح، وتظل معه احتمالات تشكيل حكومة موحدة حقا. وهو شيعي علماني شغل منصب رئيس وزراء المؤقت للعراق خلال عامي 2004 و2005، تمكن من الفوز بالغالبية العظمى من الأصوات العراقيين السنة، ويطرح نفسه كزعيم غير طائفي لجميع العراقيين.

ويسود في الأحياء السنية في بغداد ومدن أخرى شعور قوي بأن المالكي قد نجح في انتزاع الفوز من الفائز الشرعي، بمساعدة من إيران ووكلائها. وقال زيد القيسي، وسيط عقاري، في مكتبه المطل على حديقة هنا «نحن غاضبون، ونحن خائفون جدا من عودة الصراع الطائفي. في عامي 2006 و2007، كانت الجثث هنا في هذه الحديقة. البعض سوف يستفيد من عودة العنف مرة ثانية، مثل جيراننا في إيران».

ولم يعلن علاوي قبوله المنصب الجديد كرئيس مجلس يتولى الإشراف على الأمن القومي والاقتصادي - وهي لجنة اقترح تشكيلها نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن بهدف إعطاء علاوي صوتا يتناسب مع أدائه الانتخابي.

ولا تزال صلاحيات هذا المجلس - وحتى اسمه - محل خلاف. وقد قال مسؤولون أميركيون وعراقيون إن هذا المجلس يمثل تراجعا لسلطات رئيس الوزراء، لكن حلفاء المالكي أوضحوا أنه لن يلتزم بقراراته. وقال عباس البياتي، وهو عضو بارز في ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه المالكي «المجلس لن يعمل عكس رئيس الوزراء وسلطته بموجب الدستور». واستطرد قائلا إن هذا المجلس سيكون «مثل مطبخ للعملية السياسية» - أي مكان لوضع الأفكار، لكن ليس لممارسة السلطة.

وكلف طالباني رسميا المالكي بتشكيل الحكومة في وقت متأخر ليلة الخميس، لينهي هذه الجلسة البرلمانية الصاخبة والتي طال انتظارها. وبموجب القانون، فإن المالكي لديه 30 يوما لتشكيل الحكومة والبدء في الوفاء بتعهدات للحفاظ على تماسك ائتلاف الأحزاب التي ترغب في الحصول على وظائف في الوزارات، خصوصا الوزارات المهمة مثل النفط والمالية والشؤون الخارجية والداخلية والدفاع. وعندئذ فقط يمكن للحكومة الجديدة أن تبدأ في القيام بأعمالها، وللبرلمان أن يبدأ في مناقشاته.

وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن الاتفاق يمثل أفضل وضع - إن لم يكن المثالي - للعراق الذي لا يزال يخشى أعمال العنف التي اندلعت بعد الإطاحة بصدام حسين منذ سبع سنوات ونصف السنة. وقد ضغطت إدارة أوباما علنا - وكذلك بصورة أكبر من وراء الكواليس - من أجل تشكيل حكومة تضم جميع الفرقاء العراقيين ولا تحرم أنصار علاوي من السنة وتعود بهم إلى الدعم النشط أو الضمني للتمرد. وسعت أيضا إلى التقليل من تأثير الكتلة التي يقودها رجل الدين مقتدى الصدر المعارض بشدة للوجود الأميركي، الذي أدى تحالفه غير المتوقع مع المالكي في أكتوبر (تشرين الأول) إلى تمهيد الطريق أمام الأخير للبقاء في رئاسة الوزراء.

وقد انسحب أعضاء تحالف علاوي من الجلسة على الرغم من أن المسؤولين في إدارة أوباما أشادوا بالصفقة في مؤتمر صحافي عبر الهاتف. إلا أن مسؤولين أميركيين قللوا بعد ذلك من أثر الانسحاب، قائلين إن كتلة علاوي لا تزال ملتزمة بالاتفاق، رغم أن أحد المسؤولين وصف هذا الانسحاب بأنه «زوبعة».

الاتفاق على كل حال يعكس التأثير القوي الذي لا يزال للولايات المتحدة في العراق، على الرغم من حديث البعض عن أنها تفقد تأثيرها داخل العراق لصالح إيران. وعندما اجتمع قادة العراق ليلة الأربعاء لإبرام الاتفاق - الذي بدا هشا - كان السفير الأميركي جيمس جيفري هو الموجود معهم، وليس أي مسؤول من إيران، وفقا لأنتوني بلينكين، مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس الأميركي جو بايدن. وقال بلينكين في مقابلة عبر الهاتف «النتيجة كانت تشكيل حكومة شاملة، تضم جميع الكتل وتعيد توزيع السلطة، وهو بالضبط ما لم يكن يرغب فيه الإيرانيون».

* خدمة «نيويورك تايمز»