اتفقت مجموعة العشرين على.. ألا تتفق

مسؤول شارك في مفاوضات البيان الختامي لها: «لم يكن هذا مهرجانا للحب»

الجميع يرفعون أيديهم بالتحية لساركوزي الذي ينتظر أن يرفع يده في القمة المقبلة التي سيترأسها (رويترز)
TT

اختتمت أمس قمة مجموعة العشرين في العاصمة الكورية الجنوبية سيول باتفاق المشاركين على.. عدم الاتفاق.

فرغم سعي المجموعة عبر توافقها إلى استعادة الوحدة التي نشأت خلال الأزمة المالية العالمية، التي ضربت الاقتصاد العالمي، قبل عامين لكن الانقسامات العميقة أظهرت أن القادة لا يستطيعون الذهاب إلى أبعد مما اتفق عليه وزراء ماليتهم الشهر الماضي. ورغم تأكيد الرئيس الأميركي باراك أوباما في مؤتمر صحافي عقب اختتام القمة أنه لم يكن هناك خلاف بين أعضاء المجموعة مثلما يتردد، وكأنه ينتقد ضمنيا الصحافيين بالمبالغة في الحديث عن الخلاقات بين أعضاء المجموعة، وكأن لسان حاله يقول: «خلاف! أي خلاف؟» لكن الأنباء التي كانت ترشح من القمة، كانت تقول إن المفاوضين ظلوا يعملون حتى ساعات الصباح الأولى للتوصل إلى اتفاق يمكن أن يصدق عليه كل قادتهم رغم الخلافات الحادة التي ظهرت في الأيام السابقة للقمة. وقال مسؤول شارك في المفاوضات: «لم يكن هذا مهرجانا للحب».

و قد تمخض «هذا المهرجان» عن بيان ختامي بدا دبلوماسيا توافقيا ولكن باتفاق واضح على عدم الاتفاق، وبدا كأن المجموعة تريد أن تظهر كجوقة واحدة تعزف لحنا أو سيمفونية واحدة لكن في الحقيقة، ما إن تنتهي «حفلة سيول»، حتى يكون هناك عزف آخر!. وقد اكتفى قادة دول مجموعة العشرين بتجديد التزامهم بالعمل معا لإنعاش الاقتصاد العالمي، ولكن دون تحقيق تقدم فعلي بسبب حرص الصين والولايات المتحدة على عدم الموافقة على أي إجراء يمكن أن يضر بنموهما. ومن بين القضايا الخلافية الكبيرة بين أول وثاني اقتصاد في العالم «خلاف العملات» أو «حرب العملات»، وفي هذا الإطار اتفق قادة الدول العشرين على الامتناع عن أي «تخفيضات تنافسية» في أسعار عملاتها وعلى «تشجيع أسعار صرف تلعب السوق دورا أكبر في تحديدها».

ورغم الاتهامات الأميركية للصين بالتلاعب بعملتها فإن «أميركا تشن حرب عملات غير معلنة على الصين»، كما قال لـ«الشرق الأوسط» البروفسور ايان بيغ، الخبير الاقتصادي، بالمعهد الملكي للشؤون الدولية بلندن (تشاتهام هاوس). واعتبر البروفسور بيغ أن خطوة «الاحتياطي الفيدرالي الأميركي» بضخ 600 مليار دولار تدخل ضمن هذه الحرب غير المعلنة. ولكن هذه الخطوة لم تلق معارضة الصين فقط، بل كانت ألمانيا (وهي من المفروض حليف أميركا) أشد انتقادا للخطوة الأميركية، وفي هذا السياق يقول البروفيسور بيغ إن: «ألمانيا والصين لا تختلفان اقتصاديا، فهما تعتمدان على الصادرات ولهما فائض تجاري كبير.. وهما أقرب إلى شقيقتين!».

وقد حاول أوباما في سيول التقليل من صورة الخلافات مع ألمانيا والصين حول القضايا خاصة بالتجارة وأسعار العملات حيث وصف المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الصيني هو جينتاو بـ«الأصدقاء الحقيقيين».

وقال أوباما إن الدول التي لديها فائض في الميزان التجاري يجب أن تبتعد عما أسماه «التصدير غير الصحي» وتعزز الطلب الداخلي وذلك في إشارة إلى اليابان وألمانيا والصين.

من ناحية أخرى شدد الرئيس الأميركي على ضرورة أن «تعكس أسعار صرف العملات الحقائق الاقتصادية» مشيرا إلى أن الصين تدفع مبالغ كبيرة من أجل الإبقاء على قيم منخفضة لصرف عملتها.

وحذرت الدول الغنية والناشئة العشرون الكبرى في ختام قمتها من اتباع سياسات اقتصادية «غير منسقة» ستكون عواقبها وخيمة «على الجميع».

وتوافقوا على التزام مخفف بمراقبة الاختلالات الخطيرة في الموازين التجارية لكنهم لم يقدموا للمستثمرين دليلا يذكر على أن العالم بات آمنا من كارثة اقتصادية. وقالوا إن «نموا غير متكافئ واختلالا متزايدا في التوازن سيغذيان الميل إلى التخلي عن الحلول المشتركة لصالح تحركات غير منسقة» لافتين إلى أن القيام بـ«خطوات اقتصادية غير منسقة لا يمكن إلا أن يزيد الوضع سوءا بالنسبة للجميع». غير أن النبرة كانت أكثر حذرا بكثير بالنسبة للإجراءات العملية المتوجبة بهذا الصدد. إلا أنهم اكتفوا بذلك بتكرار التزام سابق قطعه وزراء ماليتهم في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي خلال اجتماع في كوريا الجنوبية. وقال الخبير الاقتصادي ايلي كوهن لوكالة الصحافة الفرنسية مختصرا الوضع: «إنها قمة لمجموعة العشرين مقابل لا شيء. كل ما في الأمر أننا ما دمنا نتباحث فإننا لا نخوض حربا». كما اعتبر المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك ستروس - كان في سيول بهذا الصدد - أنه ما زال على دول مجموعة العشرين أن تتعلم كيفية التعاون فيما بينها. وقال للصحافيين إن تطور مجموعة العشرين شبيه بتطور الاتحاد الأوروبي الذي تعلمت دوله أن تتعاون حتى لو «لم تكن ترغب في ذلك كثيرا». وتابع: «الآن وقد انتقلنا إلى مرحلة ما بعد الأزمة حتى لو أن بعض المشكلات ما زالت قائمة! فإن الدول لم تعد ترغب كثيرا في التعاون! بل باتت منشغلة بالمقام الأول بسياساتها». من جهته وفي مواجهة الانتقادات الشديدة التي توجه إلى الولايات المتحدة بسبب التدابير التي اتخذتها لإنعاش اقتصادها! نفى أوباما أي أنانية في خطة الإنعاش الأميركي مؤكدا مرارا خلال القمة أن انتعاشا اقتصاديا أميركيا متينا سينعكس إيجابا على النمو العالمي. غير أن العديد من شركائه وفي طليعتهم الصين وألمانيا! أول دولتين مصدرتين في العالم! انتقد بشدة قيام «الاحتياطي الفدرالي» (البنك المركزي الأميركي) الأسبوع الماضي بضخ نحو ستمائة مليار دولار من السيولة في الاقتصاد الأميركي. أما الرئيس الصيني هو جينتاو الحريص أكثر من أي وقت مضى على صيانة النمو الاقتصادي الهائل لبلاده! فقد عرض على نظرائه خطة من أربع نقاط هدفها ضمان نمو عالمي «قوي ومستديم ومتوازن»! ولكن دون أي التزام عملي بشأن خفض الفائض التجاري الصيني الضخم.

وكان هو جينتاو تعهد الخميس الماضي أمام أوباما بالاستمرار في سياسة مراجعة سعر اليوان استجابة لمطلب أميركي ملح! لكنه حذر من أن ذلك لا يمكن أن يتم إلا في ظل «بيئة خارجية مؤاتية» وبشكل تدريجي. وعلى صعيد ضبط النظام المالي طبقا لالتزام قطعته الدول العشرون العام الماضي بمناسبة قمم سابقة! أكد قادة المجموعة أنهم سيطبقون «بشكل تام» التوصيات المصرفية الجديدة المعروفة بتنظيمات بازل 2 باسم المدينة السويسرية التي أقرت فيها! والرامية إلى تعزيز قطاع تسبب في أسوأ أزمة شهدها العالم منذ الكساد الكبير في الثلاثينات. وفي ختام قمة سيول التي كانت الخامسة منذ ديسمبر (كانون الأول) 2008 تسلم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي رئاسة مجموعة العشرين. واللافت أن القمة، التي ستعقد في الثالث والرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 ستكون في قصر المهرجانات بمدينة كان بجنوب فرنسا، الذي يجري فيه سنويا مهرجان كان السينمائي، كما أكد أمس لوكالة الصحافة الفرنسية دافيد ليسنار مساعد عمدة المدينة. ويبدو أن ساركوزي الذي يحب الأضواء استبق «الحفل» بعام كامل، حيث تعهد بتولي مهامه بـ«مسؤولية وواقعية»، مشددا على أن المشاريع التي تعتزم بلاده تنفيذها بهذه المناسبة «هائلة».