قائمة النجيفي تضعه أمام أول اختبار عصيب كرئيس للبرلمان في أول جلسة يديرها

تعين عليه أن يوازن بين رغبات «العراقية» والتزامات المنصب

TT

لم يمضِ وقت طويل على تولي أسامة النجيفي، الذي أصبح رسميا السياسي السني الأرفع مكانة في العراق، منصبه الجديد، حتى اضطر لمواجهة أولى أزماته إثر انسحاب عدد كبير من النواب السنة من البرلمان فجأة.

وواجه النجيفي، رئيس الهيئة التشريعية الجديد، اختبارا صعبا، فانسحابه يعني ترك المؤسسة التي عليه أن يحافظ على نظامها، وبقاؤه يشير إلى احتمال حدوث انقسام في التحالف المنضم إليه، الذي يعد أكبر كتلة سنية في البرلمان.

لذا قام النجيفي، الذي ينتمي إلى أسرة سياسية ثرية، بالأمرين معا، حيث نأى بنفسه عن الكتلة التي انسحبت من الجلسة البرلمانية قائلا إن مهمته الأساسية الآن هي رئاسة البرلمان، ثم انسحب ليعود بعد لحظات ليدير الجلسة المسائية يوم الخميس الماضي، التي كان مقررا أن يقوم النواب بترشيح نوري المالكي لتولي منصب رئيس الوزراء لفترة ثانية فيها، وهو المنصب الذي عده الكثير من السنة حقا مشروعا لمرشحهم إياد علاوي، زعيم القائمة العراقية. وبشكل عام كان أول يوم عمل بالنسبة إلى أبرز ممثل للسنة يوما مشهودا.

يعد النجيفي وجها جديدا في الدائرة المقربة من الحكم في حكومة ناشئة يحكمها لاعبون وجوههم مألوفة. وكان النجيفي يعمل مهندسا في السابق، واتهم بالتعاطف مع حزب البعث الذي كان يرأسه صدام حسين، ويتميز النجيفي بقوة العزيمة والاجتهاد في العمل، لكنه يجنح إلى الطائفية حين يتعلق الأمر ببعض القضايا، بحسب وصف رفاقه ومنافسين له. ويشغل النجيفي منصب رئيس البرلمان في ظل وجود حلفاء أقوياء ومعارضين من أولي العزم.

قال محمود عثمان، وهو نائب كردي ضمن أعضاء آخرين كثيرين بالتحالف الكردستاني صوتوا للنجيفي ليشغل منصب رئيس البرلمان: «لطالما واجهتنا مشكلات معه، فقد كان موقفه من القضية والكتلة الكردية سلبيا دائما، لكننا صوتنا له لأننا متوافقون على ذلك، وربما نتمكن الآن من فتح صفحة جديدة في علاقاتنا معه».

وقال النجيفي في أول خطاب له في البرلمان إن الحكومة كانت مسؤولة عن «الخوف والجوع والفقر والفساد» في البلاد، مشيرا إلى أن العراق يعد اليوم أكثر الدول فسادا في العالم. وقد أثنى علي العلاق، عضو كتلة المالكي، على النجيفي بوصفه «رجلا محترما»، لكنه اعترض على نبرة خطابه، وقال: «كان من المفترض أن يكون متفائلا، لكنه كان يتحدث عن أمور حدثت في الماضي».

وقد تولى النجيفي المنصب مع القائمة العراقية، وهو ائتلاف سياسي تقدم بقائمة مرشحين علمانية متجاوزة للطائفية حصلت على دعم أغلبية السنة.

وفازت الكتلة بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات التي أجريت في 7 مارس (آذار) الماضي، لكن ذلك لم يكن كافيا لتشكيل حكومة. وظل علاوي، الشيعي العلماني وزعيم القائمة العراقية، يطالب بتولي منصب رئيس الوزراء لمدة ثمانية أشهر، وعندما حصل المالكي على المنصب، شعر الكثير من السنة بأنهم خدعوا.

وظهر النجيفي، الذي ينتمي إلى أحد أشهر العائلات في شمال العراق، كشخصية سياسية لها شعبية في مدينة الموصل التي يشغل أخوه منصب المحافظ بها. وفاز النجيفي في انتخابات مارس (آذار) بنحو 275 ألف صوت أي أكثر من كل المرشحين باستثناء المالكي وعلاوي. وقد دفع هذا الدعم به نحو منصبه الجديد.

ويخلف النجيفي في رئاسة البرلمان سني آخر، وهو محمود المشهداني، مما يكرر الصيغة القائمة لتقاسم السلطة على أساس طائفي.

وسيتعين على النجيفي إدارة شعور السنة بالتمييز ضدهم والانشقاقات داخل كتلته، حتى وهو يرأس برلمانا مكونا من فصائل متناحرة. ويشار إلى أنه عندما قاطع السنة الحكومة عام 2006، دخلت البلاد في دائرة العنف الطائفي لسنوات. ولا يزال بعض هذا الغضب باقيا، وتجب معالجته بحرص وحذر.

ويتساءل الشيخ طلال البوأسود، شيخ عشيرة البوأسود في مدينة سامراء قائلا: «ما الذي يعنيه رئيس البرلمان؟»، وأضاف: «نريد برنامج القائمة العراقية كاملا، لا مناصب»، مشيرا إلى أن الكتلة تستحق المزيد.

وعبر الشيخ عن غضب السنة بقوله: «كان من الأفضل ألا يجروا انتخابات من البداية.. لن أسمح لأي فرد من قبيلتي أن يصوت مرة أخرى. إن هذا عار على جميع العراقيين».

ووافق علاوي، الذي قاد الانسحاب من البرلمان، على تولي منصب رئيس مجلس جديد للأمن الوطني لم تُحدد سلطاته بعد. ويشير انسحاب بعض أعضاء الكتلة دون البعض الآخر إلى انشقاقات محتملة في القائمة العراقية. وقد سارع أعضاء القائمة العراقية الجمعة الماضي إلى وصف الانسحاب من الجلسة بالأمر العارض الذي لا يمثل بداية مقاطعة، حيث قال جمال البطيخ، أحد أعضائها: «ما حدث البارحة سوء تفاهم بين الكتل البرلمانية».

لكن عضوا آخر رفض الكشف عن هويته لعدم الانتهاء من المفاوضات قال إن رفاقه قد فقدوا هدوءهم، وأضاف: «يبدو أن الغضب يسيطر على الجميع؛ فقد كان تصرفنا غير لائق، وكذلك ردهم»، مشيرا إلى أن تعالي الصيحات الغاضبة من جانب المالكي وآخرين.

وقال: «لم يعرف أحد كيف يحتوي المشكلة»، لكن سيقع أمر دعوتهم للالتزام بالنظام على عاتق النجيفي.

ورث النجيفي، المهندس الكهربائي السابق، الشركة المملوكة لعائلته، التي مجال نشاطها الزراعة عام 1991، وبدأ العمل السياسي في 2005 في نينوى. وكان والده، وهو محام ومزارع، عضوا في البرلمان العراقي منذ عام 1951 حتى 1953، ومن قبله جده في 1921، أي بعد عام من انتداب عصبة الأمم للعراق تحت الإدارة البريطانية.

وقال أثيل النجيفي، شقيق أسامة النجيفي ومحافظ مدينة الموصل: «حتى أخواتنا يعملن طبيبات وقد كانت أمنا مديرة مدرسة». وقد تربى النجيفي على ركوب الخيل في سباقات الخيل العربي والعمل في مشاريع عائلته، وكان مقربا من والده على حد قول شقيقه الذي أضاف: «لقد كان يعمل بآرائه دائما». وتقول عنه ميسون الدملوجي، المتحدثة باسم القائمة العراقية: «إنه رجل ذو وجه واحد».

وتوضح قائلة: «حتى خصومه يوقرونه ويحترمونه». لكن خلال الأيام التي أعقبت الانتخابات عندما كانت الأحزاب تجري مفاوضات لتشكيل تحالفات، رفض الكثير من النواب الأكراد المشاركة في أي اجتماع يحضره النجيفي. ويعتمد دعم السنة له جزئيا على مواقفه الحزبية التي لا تقبل المساومة. وسيتضح لاحقا ما إذا ما كان موقفه هذا سيخدمه كرئيس للبرلمان يتعين عليه الإشراف على آراء متنوعة. لقد تصدى المالكي لمحاولات منح الرئيس المزيد من الصلاحيات أو الحد من سلطاته.

ويظل البرلمان العراقي الثقل الوحيد في مواجهة رئيس الوزراء. ويقول حاجم الحسني، عضو ائتلاف المالكي: «لقد منحت السلطة الحقيقية إلى البرلمان، لكن العراقيين يقللون من شأن البرلمان لأنهم لا يدركون ذلك». ويرى الكثير من السنة هذا المنصب باعتباره تنازلا رمزيا، أيا كان شعورهم تجاه النجيفي، حيث قال الشيخ عبد الرحمن الزوبعي، شيخ قبيلة الزوابع في الفلوجة: «المنصب لا يرضي طموحاتنا؛ فقد أصيب الناخبون الذين صوتوا للقائمة العراقية بالإحباط لأن السياسيين قلبوا نتائج الانتخابات».

* خدمة «نيويورك تايمز»