بوادر انشقاقات في جبهة «وول ستريت» بشأن مكافآت «القطط السمان»

بعد انتهاء انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي

إشارة إلى شارع وول ستريت المالي بنيويورك
TT

عندما هاجم السياسيون والعامة وول ستريت خلال الأزمة المالية، حافظ كبار المديرين التنفيذيين على جبهة موحدة، اتسمت على الأغلب بالصمت الهادئ عادله التبرعات الضخمة والمطمئنة من السياسيين.

لكن، وبعد انتهاء انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، بدأت تلوح بعض بوادر الشقاق داخل وحدة وول ستريت. فيكفي أن تنظر إلى الإعلان اللافت لبنك باركليز، البنك البريطاني الذي اشترى عمليات ليمان براذرز الأميركي، الذي يعرض على التلفزيون، بما في ذلك قناة «سي إن بي سي»، ويظهر الإعلان رجالا متأنقين ومهندمين في مجالس الإدارة ويعبرون عن مشاعرهم بشكل متعجرف في المصاعد، يقول الإعلان: «نحن نعلم أن المصرفيين يميلون إلى الغرور».

وقد تحدث جيمس غورمان، الرئيس التنفيذي في شركة «مورغان ستانلي» بنبرة تشكيكية مماثلة عن نظرائه من المديرين الماليين هذا الأسبوع خلال الاجتماع السنوي لرابطة أسواق المال وصناعة الأوراق المالية، حيث انتقد غورمان المكافآت الضخمة، التي عادة ما كانت تدفع لصفقات لم تنجح، والغرور الكبير الذي تتمتع به وول ستريت والذي قال إنها قادت إلى قرارات سيئة.

غورمان، المواطن الأسترالي الذي قدم إلى الولايات المتحدة ودرس في كلية كولومبيا لإدارة الأعمال - وعمل في مجال التمويل مقابل مكافآت مالية - كان المستشار السابق لشركة «ماكنزي» وقضى أغلب سنوات حياته المهنية يلعب أدوارا استراتيجية، باستثناء ترؤسه قطاع إدارة الثروة في «مورغان ستانلي» و«ميريل لينش». وعاصر الانشقاقات داخل وخارج وول ستريت لعقود.

أما مصرف باركليز، الذي أسسته «سيتي أوف لندن»، فخرج إلى حد ما عن الثقافة المميزة لنادي وول ستريت، على الرغم من استعانته بموظفين قدامى في مصرف ليمانز في الولايات المتحدة. أوضح غورمان خلال الاجتماع أن إعادة وول ستريت إلى مسار المكافآت الأكثر عقلانية ستؤدي إلى تغير في النظرة بقدسية فرد بعينه.

وأشار غورمان إلى أن الكثير من التغطية الإعلامية الأخيرة لوول ستريت لم تساعد كثيرا في تطور الأوضاع داخله. وأضاف: «كصناعة ربما تكون هناك شخصيات بارزة، لكن الأفراد لا يصنعون المؤسسات. هناك 62 ألفا وجميعهم يساهمون في هذه الصناعة. وكلما انتشر هذا النوع من الأبطال الفرديين وكتب عنهم أصدقاؤهم الصحافيون الكثير من الأشياء في الصحف، فالأكثر احتمالية أن يسيئوا التصرف لأنهم يبدأون في تصديق هذه الأشياء عن أنفسهم».

وقد حط غورمان من قدر نظرائه من أقطاب وول ستريت عندما قال إن: «هناك قدرا كبيرا من المديرين البارزين في وول ستريت الذين يظنون أنفسهم مؤهلين بصورة فريدة في كل المسائل المتعلقة بالتمويل. وكما رأيت فإن هذا غير صحيح. هذا معقد بصورة غير استثنائية، ومن ثم فأنت بحاجة إلى فريق كبير من الأفراد الأكفاء للعمل معك».

ربما تكون كلمة غورمان مناورة جيدة - فهذا الوقت على الأغلب هو وقت المكافآت في مصرفه، وسيكون بحاجة إلى منع المصرفيين من الحصول على مكافآت ضخمة - لكنها جاءت ملائمة للغاية لا بالنسبة له فقط بل لوول ستريت.

تأتي تصريحات غورمان على طرف نقيض من التعليق الغاضب لجامي ديمون، المدير التنفيذي لجيه بي مورغان بشأن الانتقادات الشعبية لمكافآت وول ستريت أوائل العام الحالي: «إنني محبط من تشويه السمعة الذي يتعرض له هؤلاء الأفراد». لم تكن وول ستريت موحدة على الإطلاق - الكثير لا يزالون يتذكرون المعارك الكبيرة بين المصرفيين والمضاربين التي أدت إلى تهاوي شركات مثل «ليمان براذرز» في الثمانينات والتسعينات. خلال العقد الماضي وبعد تداعي قانون غلاس - ستيغال وتحول شركات عملاقة لكل شيء من حسابات الادخار إلى التزامات الديون المضمونة، والتوترات التي غالبا ما كانت تنشأ بين المصرفيين التجاريين الذين كانوا يتقاضون رواتبهم للإقراض بحذر، والمصرفيين الاستثماريين الذين كانوا يتقاضون رواتب لاتخاذ مخاطر كبيرة. وقد أسهمت مثل هذه النزاعات في خلافات متكررة في الإدارة وتحول القيادة في مصرف بنك أوف أميركا والمصارف العالمية الأخرى. وقد شكا الكثير من مصرفيي الاستثمار، الذين عملوا في مجال الاندماج والاستحواذ أو جمع رؤوس الأموال للشركات، على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، من أنهم ألحقوا ظلما بالمضاربين ومخترعي التزامات الدين المضمون الذين اخترعوا الأوراق المالية المعقدة التي تضر بالاقتصاد عندما تنفجر.

إلى جانب ذلك، ربما تكون كلمة غورمان الحاسمة وإعلان باركليز علامة على التعافي، ومشيرة إلى أن الصناعة المالية راغبة في انتقاد نفسها مجددا. هذه التصريحات من غورمان وباركليز ترددت بقوة في منتديات التمويل ووجهت إلى الآخرين في وول ستريت.

بيد أن غورمان احتاج الكثير من الوقت ليحاول تبرير السبب وراء بقاء أهمية وول ستريت. فقال: «هناك مؤشرات قليلة للغاية على أن وول ستريت والصناعة المالية بعد قانون غلاس - ستيغال تعافت بشكل كبير. لكن من الواضح أننا خسرنا المعركة في جذب انتباه المستهلك لشرح السبب وراء أهمية رأس المال في الرأسمالية، والسبب في أن جمع وتوزيع وإدارة رأس المال هو ما يجبر الاقتصادات على النمو. وما قامت به وول ستريت هو أنها حددت الشركات الكبرى وأخذتها إلى أسواق رأس المال وأعطتها الفرصة للنمو من خلال الوصول إلى أموال الآخرين ومنحهم عائدا مقبولا مقابل ذلك. يجب ألا يعتقد العالم أن بمقدورك ضمان أن مجرد جمع رأس المال سيجعل الأمور أفضل بعد ذلك، لأن هذا لن يحدث». لكن هذا لا يبدو مثل انشقاق الصف على كل حال.

* خدمة «نيويورك تايمز»