الملابس الجلدية في غرب البلقان.. موطن المرعى وعراقة الصنعة

خالد بيشليتش لـ «الشرق الأوسط»: محلاتنا منتشرة ونشارك في المعارض وراضون عن النتائج

شهدت صناعة الملابس الجلدية تقدما كبيرا، وأصبحت تجارة قائمة بذاتها، ولها حرفيوها ورجال الأعمال المتخصصون فيها
TT

تشتهر منطقة غرب البلقان، لا سيما البوسنة، بالثروة الحيوانية، حيث الأراضي الخصبة والمراعي الشاسعة، التي تمثل موطنا مناسبا لتربية الماشية، وبالتالي صناعة الجلود والملابس الجلدية. ومع ذلك هناك يشتكي البعض من ضعاف الحال من ارتفاع أسعار الجلود والملابس المصنوعة منها، كالمعاطف، والسترات، والسراويل (البناطيل)، إضافة للحقائب النسائية، والأحزمة الرجالية، والقفازات النسائية، وغيرها. حيث يعد ارتداء الملابس الجلدية مظهرا من مظاهر الاقتدار المالي، أو هكذا هو الانطباع السائد في الشارع، فالجلد لا يزال يحتفظ بقيمته في ذاته داخل النسيج الاجتماعي بالبلقان، وإن كان لا يعكس مستوى ثقافيا معينا لمن يرتدونه، أي أنه في متناول من يملك الثمن، وليس مرتبطا بالضرورة بالمدنية، أو المستوى المعيشي العام، أو الموضة، لأن الجلود كانت من أول ما اكتشفه ولبسه الإنسان في بدائيته.

وتنتشر مصانع الجلد في منطقة غرب البلقان، سواء المتخصصة في صناعة الجلود فقط، أو صناعة الملابس الجلدية، مثل فيسوكو، 30 كيلومترا جنوب سراييفو، وكاكان (70 كيلومترا جنوب غربي سراييفو) وترافنيك، (150 كيلومترا جنوب غربي سراييفو) وبوغوينو (170 كيلومترا جنوب غرب)، وبيهاتش (480 كيلومترا شمال غربي سراييفو) وغيرها.

وقال خالد بيشليتش (29 عاما) المسؤول عن مصنع بيشليتش للألبسة الجلدية والفرو، لـ«الشرق الأوسط»: «جميع ملابسنا من الجلد والفرو الخالص، ونستخدم التكنولوجيا العالية، وآخر ما وصلت إليه الصناعة من تقدم». وتابع: «إلى جانب محلاتنا المنتشرة، نشارك في المعارض المحلية والإقليمية والدولية، ونحن راضون عن النتائج». وأشار إلى أن لديهم خبرة واسعة في صناعة الأثاث «نحن نعمل منذ عام 1984 في هذا القطاع سواء الملابس أو الأرائك، والمفروشات، والكراسي الجلدية، والقفازات الجلدية، والأحزمة، وحافظات النقود، وقبل ذلك كانت لدينا ورشة صغيرة من 3 أو 4 عمال، أما اليوم فهم بالعشرات» وتتراوح أسعار الملابس الجلدية كالجاكتات بين 150 و200 يورو بينما يصل سعر المعطف إلى 225 يورو.

ومن مميزات الصناعة الجلدية في منطقة غرب البلقان، وخاصة البوسنة، قيام المصانع بفتح نقاط بيع في مختلف المدن. ولا توجد محلات لبيع الملابس الجلدية خارج هذا الإطار، إلا ما ندر. وتقوم هذه المصانع بأعمال تنظيف وترميم الملابس الجلدية التي يحضرها الزبائن، وذلك بمبلغ لا يزيد عن 25 يورو. ومن العادات التي يلحظها المرء عبر الطرقات بين المدن والقرى، ولا سيما المناطق الريفية، وجود باعة يعرضون مفروشات من الجلد، وحتى الملابس التي يتم تصنيعها في البيوت.

وقالت عاملة في صالة لعرض وبيع الملابس الجلدية تدعى، إيديتا شرنوفراشيتش، متزوجة ولديها بنت في سن الخامسة: «أعمل في هذا المحل منذ 6 سنوات، وجميع الناس من دون استثناء يحبون الملابس الجلدية، لكن ليس بإمكان الجميع اقتناؤها».

وعن أسباب رغبة الناس في شراء الملابس الجلدية، قالت: «يمكن للملابس الجلدية أن تعمر أكثر من 10 سنوات، لا سيما تلك الملابس المصنوعة من جلود الأبقار». وذكرت أن محل البيع الذي تعمل فيه هو أحد 17 نقطة بيع لمصنع «تشوشيتش» في كاكان. وتوجد نقاط البيع في كل من «سراييفو، وكاكان، وتيشان، وزينتسا، وتوزلا» وتستقبل نقاط البيع في المدن المذكورة طلبات الزبائن، ومنها غسل الملابس الجلدية، ودهنها، وإصلاح ما أتلف منها. واشتكت إيديتا من قلة إقبال الزبائن «هناك أزمة مالية، نضطر أحيانا لتخفيض السعر ولكن دون جدوى». وتتراوح أسعار السترات الجلدية حسب الموديل بين 190، و75 و150 و170 يورو.

أسباب الإقبال على اقتناء الملابس الجلدية اختلفت من شخص لآخر وإن كان أغلب الإجابات التي حصلت عليها «الشرق الأوسط» تراوحت بين الإعجاب بالملابس الجلدية، والبريستيج، و«لأنها توفر الدفء وتعمر كثيرا، ويمكن توارثها».

ويرى فخرو عبديتش (27 سنة) صاحب محل لغسل السيارات أن «الشباب يلبسون معاطف الجلد للفت نظر الفتيات، فقد ارتبطت هذه الملابس بأفلام الكاوبوي، والعصابات، وهناك فئة من الفتيات تحب هذه المظاهر وهذه الأفلام والصناعة، فتستهدف بما يثيرها ويثير إعجابها» وتابع: «سألت فتاة عن فتاها المفضل فذكرت بعض الصفات ومن بينها أن يكون يرتدي معطفا أو سترة جلدية، ولدينا عادة عندما نريد أن نسكت امرأة نقول لها، عقل امرأة، ( جنسكي جلاوة) أي أنها تحب المظاهر».

وهناك من يسخر ممن يلبسون الجلد، ويذكرون طرفة، يرويها سامر ميمة (39 سنة) ويعمل مهندس ميكانيكي «اشترى أحدهم معطفا جلديا، لأول مرة في حياته، ويتكون الجزء الداخلي منه من الصوف، والخارجي من الجلد، لكنه لبسه بالمقلوب، وعندما لفت البعض انتباهه لتعديل وضعه، أجابهم بالقول، هل أنتم تعرفون أحسن من الخروف». سامر كان يرتدي معطفا جلديا، عندما ذكر طرفته السابقة، وعندما سألناه عما إذا كانت الطرفة تنطبق عليه أجاب بروح الدعابة السابقة «هذا المعطف لم أشتره، ولكن لي معه قصة أخرى، جاءني زبون لإصلاح سيارته، ولم يكن معه مال ليدفع ثمن قطع الغيار وقيمة التصليح فعرض علي هذا المعطف وقد قبلت، فأنا خروف غصبا عني».

ويؤكد الباحث في علم الاجتماع، عثمان تشوشيتش، على احتفاظ الجلد، وهو أقدم ما لبسه الإنسان في تاريخه، على زخمه وجاذبيته لدى قطاعات واسعة من الناس «بالطبع شهدت صناعة الملابس الجلدية تقدما كبيرا، وأصبحت تجارة قائمة بذاتها، ولها حرفيوها ورجال الأعمال المتخصصون فيها، ولكنها تبقى في إطار محدود وليست في متناول الجميع» ويتابع: «إذا استثنينا الأحذية الجلدية، فإننا نجد أكثر الفئات رغبة في ارتداء الملابس الجلدية، هم الشباب، والفنانون، وسائقو الدراجات النارية، ولم يلحظ على أي من كبار السياسيين، ورجال الأعمال وأساتذة الجامعات ارتداء الملابس الجلدية، وذلك في العموم، وقد تمرد بعض الفنانين على هذه التقاليد، انحيازا لجمعيات الرفق بالحيوان» بيد أن تشوشيتش يؤكد على أن «الملابس الجلدية حافظت على زخمها وجاذبيتها، ومستقبلها غير مهدد بل مرتبط بالوضع المادي للزبائن».