الحكومة الإسرائيلية تدرس خطة أميركية لتجميد الاستيطان لمدة 3 أشهر لا تشمل القدس

نتنياهو واجه حملة يمينية مخيفة.. ورئيس مجلس المستوطنات يهدد بإسقاطه: نمر في التلفزيون وقط في الواقع

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتحدث خلال جلسة للحكومة في القدس أمس (رويترز)
TT

قبل أن يجري رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بحثا رسميا حول الاقتراحات الأميركية بتجميد البناء الاستيطاني لثلاثة شهور مقابل رزمة مساعدات عسكرية وسياسية ومادية، خرج رفاقه في حزب الليكود وأحزاب اليمين المتحالفة معه، وكذلك المستوطنون واليمين المتطرف، بحملة شديدة ضده شخصيا وضد وزرائه، بغية بث الرعب فيه. وقال رئيس مجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، غرشون ميسيكا، إن حكومة نتنياهو بدأت شوط نهايتها، وإن اليمين لم يعد يخاف من إسقاطها.

وكانت مصادر سياسية مقربة من نتنياهو قد سربت للصحافة، أمس، نبأ تفصيليا عن المقترحات الأميركية ليكون بمثابة بالون اختبار لجس نبض الشارع وكيفية تقبل هذه الاقتراحات. وتشتمل هذه الاقتراحات على تجميد البناء في المستوطنات القائمة في الضفة الغربية بشكل كامل (ما عدا القدس الشرقية)، بما في ذلك البناء الذي تم منذ الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وذلك لمدة ثلاثة شهور، وتوافق إسرائيل على البدء فورا في موضوع حدود الدولة الفلسطينية العتيدة خلال المفاوضات المباشرة. وبالمقابل، تقدم الولايات المتحدة مجانا لإسرائيل 20 طائرة من طراز «إف - 35» الحديث بقيمة 3 مليارات دولار، وتشدد الإجراءات العقابية على إيران حتى تتخلى عن برنامجها لتطوير عسكري نووي، وتتعهد بصد أي حملة سياسية ضد إسرائيل في الأمم المتحدة بما في ذلك استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن ضد الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية مستقلة من دون اتفاق مع إسرائيل، وبصد المحاولات لتغيير السياسة الضبابية تجاه التسلح النووي الإسرائيلي.

وقالت تلك المصادر إن الولايات المتحدة تعهدت لإسرائيل برزمة مساعدات أمنية وعسكرية ضخمة، ورفع مستوى إسرائيل إلى أعلى درجات التعاون والتنسيق، إذا تعاونت الحكومة الإسرائيلية وتم التوصل إلى اتفاق تسوية دائمة مع الفلسطينيين خلال سنة.

وكان نتنياهو قد تلقى هذه المقترحات خلال لقائه الأخير مع وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، مساء الخميس الماضي. وقد سارع حال وصوله من نيويورك إلى إسرائيل بدعوة وزرائه الستة الذين يقودون معه الحكومة الإسرائيلية لكي يعرضها عليهم، وعقد الاجتماع مساء أول من أمس بشكل طارئ. ولم يصوت الوزراء على الاقتراحات، لكن أكثريتهم اعترضت. بيد أن نتنياهو شخصيا أبدى استعداده للموافقة عليها. وعندما رأى أن التجاوب معه ليس كبيرا، قرر عرضها على اجتماع المجلس الأمني المصغر، وهو هيئة رسمية أبحاثها سرية وتجتمع في كل يوم أربعاء.

لكن، وعلى الرغم من أن المقترحات الأميركية تعتبر غير مسبوقة، فإنها قوبلت بحملة معارضة متطرفة من قوى اليمين وبسخرية وانتقادات شديدة من الصحافة والإعلام. وكان أول المنتقدين القائمان بأعمال رئيس حكومة نتنياهو، موشيه يعلون وسلفان شالوم، وكلاهما من حزب الليكود. فقال يعلون إن المبادئ لا تباع وتشترى «وحتى لو كان الثمن رزمة أمنية ضخمة كهذه، فإن هذه الحكومة ليست العنوان للتخلي عن المشروع الاستيطاني». وقال شالوم إن الصفقة تنطوي على خطورة بالغة، ليس فقط بسبب المساس بالاستيطان وحسب، بل بالأساس لأنها تفرض على إسرائيل ضغوطا شديدة لإنهاء موضوع الحدود. وأضاف شالوم أنه ليس سعيدا بقرار الولايات المتحدة التعهد بفرض الفيتو على قرار لمجلس الأمن بخصوص الدولة الفلسطينية. وفسر ذلك قائلا «الفيتو الأميركي كان أوتوماتيكيا طول الوقت، وربطه اليوم بهذه الصفقة يعني الهبوط درجة خطيرة والتراجع إلى الوراء في سياسة الولايات المتحدة تجاه إسرائيل».

وانتقد الصفقة وزراء من أحزاب الائتلاف الأخرى، فقال وزير العلوم، دانييل هيرشكوفتش، من حزب «البيت اليهودي»، إن تجميد البناء هو أمر غير أخلاقي، وإن حزبه سيواصل محاربته. وحتى وزير الإعلام يولي أدلشتاين، المفترض أنه يدافع عن سياسة رئيس الحكومة، انتقد الصفقة وقال «الطبيعي هو أن علاقات التحالف الأميركية الإسرائيلية لا تحتاج إلى شروط، لكن هذه الصفقة هي عبارة عن مجموعة شروط إذا لم نجمد الاستيطان، نعاقب بحرماننا منها». وبادر رئيس كتل الائتلاف البرلمانية، زئيف ألكين، وهو من الليكود، إلى جمع تواقيع من أعضاء الكنيست على عريضة موجهة إلى الوزراء المتطرفين، أمثال أفيغدور ليبرمان (الخارجية) وموشيه يعلون (الشؤون الاستراتيجية)، وعوزي لانداو (البنى التحتية) ووزير الداخلية (إيلي يشاي) وغيرهم، يطالبونهم فيها بالصمود في وجه الضغوط الأميركية وإقناع رفاقهم الوزراء برفض الضغوط الأميركية. وأما المستوطنون والمعارضون اليمينيون المتطرفون، فقد هاجموا نتنياهو شخصيا وهددوا بإسقاط حكومته. وقال رئيس مجلس المستوطنات، غرشون ميسيكا، إن الإعلان عن تجميد البناء الاستيطاني سيكون بداية النهاية لحكومة نتنياهو. وأضاف «لقد حسبنا أن هناك حدودا للطعن بالثقة ولسع الأفاعي، حتى عند سياسي متلون مثل نتنياهو. لكن الآن يتضح أنه نمر في التلفزيون وقط مفزوع في الواقع. لقد انهار مشروع الاستيطان في زمن هذه الحكومة أكثر من كل سابقاتها. نتنياهو إنسان جبان، ابتزازه سهل وخنوعه أسهل. لا ثقة لنا به على الإطلاق». وطالبت لجنة المستوطنات العليا وزراء حزب شاس، لليهود الشرقيين المتدينين، بأن يثبتوا هم على الأقل أنهم أوفياء لوعودهم ويرفضوا تجميد الاستيطان.

وقد رد نتنياهو على هذه الحملة بالقول إنها غير ضرورية، لأن شيئا لم يتقرر بعد، والوفد الإسرائيلي المفاوض لا يزال يتباحث مع الأميركيين. وقال إنه حريص على أمن إسرائيل في التعامل مع كل مقترح أميركي أو غيره.

من جهة ثانية، قررت قيادة الجيش الإسرائيلي تعيين ضابط بدرجة مقدم لتولي ملف المفاوضات السلمية من طرف الجيش، وذلك لأول مرة منذ عشر سنوات. فقد اهتم الجيش في الماضي بهذه المفاوضات، وضمن وجود مسؤول كبير من طرفه فيها، بلغ في بداية المفاوضات درجة لواء، وكان بمنصب نائب رئيس الأركان (أمنون لفكين شاحك). لكن بعد الانتفاضة الثانية، توقف الجيش عن المشاركة، بدعوى أن المفاوضات سطحية. ويرى المراقبون أن تجديد هذه المهمة في الجيش بمثابة قناعة بأن هناك مفاوضات جدية قادمة.