أوباما بعد عامين من الرئاسة.. يحكم عليه بناء على سياساته وليس على سيرته الذاتية

كيف تحولت نظرة العالم للرئيس الأميركي؟

الرئيس الأميركي باراك أوباما يأكل آيس كريم بطعم الشاي الأخضر لدى زيارته معبد كاما كورا البوذي في اليابان أمس (أ.ب)
TT

داخل الجدران العالية لكلية سانت زافيير في مومباي، سألت شيرين إيراني، الطالبة بكلية الإدارة، الرئيس أوباما سؤالا جعل زملاءها يهمهمون في غضب من جرأتها «لماذا تعتبرون باكستان حليفا مهما للولايات المتحدة؟». هكذا سألت إيراني أوباما خلال زيارته لمدينة مومباي، التي تسلل إليها عبر الشاطئ قبل عامين مسلحون تدربوا في باكستان، وقاموا بقتل ما يزيد على 160 شخصا في هجوم استمر عدة أيام. واستطردت إيراني في سؤالها قائلة: «لماذا لا تقولون (الولايات المتحدة) إنها دولة إرهابية؟».

ورد أوباما، الذي كانت قبة قميصه مفتوحة للتخفيف من حرارة هذا الصباح، على الطالبة قائلا: «إنه كان يتوقع هذا السؤال. وأضاف أن استقرار باكستان مهم بالنسبة للولايات المتحدة، وينبغي أن يكون كذلك بالنسبة لجيل الشباب في الهند».

وقد أعلن هذا الموقف، الذي جاء مبكرا في جولة أوباما الآسيوية، عن تحول نظرة العالم لأول رئيس للولايات المتحدة من أصل أفريقي، بعد عامين من توليه لمنصبه، حيث أصبح الرئيس الذي كان يُحكم عليه من سيرته الذاتية، إلى رئيس يحكم عليه بناء على سياساته.

وخلال الجهود التي بذلها لتحسين صورة الولايات المتحدة في الخارج في السنة الأولى من رئاسته، كان أوباما كثيرا ما يشير إلى نفسه كمثال على قدرة الولايات المتحدة على التعلم من أخطائها.

لكن أوباما الآن يدفع بسياسات تهدف إلى تعزيز الأمن الأميركي وتسريع انتعاش اقتصاد الولايات المتحدة، وهي العملية التي تسير في بلده بوتيرة أبطأ بكثير منها في الكثير من الدول الأخرى، وهي سياسات تواجه مقاومة في الخارج.

وقد واجه أوباما انتقادات شديدة في الهند بسبب المعونة التي تقدمها الولايات المتحدة لباكستان، ومقاومة لطموحاته التجارية في التعاون مع كوريا الجنوبية، وحالة من الإحباط والغضب بين زعماء مجموعة العشرين بسبب سياسات الولايات المتحدة النقدية. وهذه التحديات هي مثال على بعض الموجهات غير المتوقعة التي تعرض لها أوباما مع الجمهور ومع بعض رؤساء الدول.

ولكن كان هناك أيضا ومضات من سحر السنة الأولى، من ظهوره داخل البرلمان الهندي إلى الاستقبال المذهل الذي لقاه في جامعة إندونيسيا في جاكرتا، مهد طفولته. وقد وصف مستشار الأمن القومي، توم دونيلون، هذه الزيارات بـ«المؤثرة» في علاقة الولايات المتحدة مع تلك البلدان.

وبنهاية رحلته التي امتدت لعشرة أيام، التي أنهى أعمالها مساء اليوم بلقاء مع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، يعود أوباما إلى الولايات المتحدة بمزيج من النجاحات والإخفاقات؛ فقد نجح في رفع مكانة الولايات المتحدة في آسيا، وأخفق في تحويل الأسواق المتنامية في المنطقة إلى أسواق أكثر قابلية لصادرات بلاده.

وقال أوباما بعد اجتماع مجموعة العشرين في سيول، مشيرا إلى أن القضايا الاقتصادية لم يتم التوصل إلى حل لها: «إنها ليست عمل شخصية ساحرة. إنها مصالح بلدان ودراسة ما إذا كنا نستطيع العمل على تحييدها».

وقد غادر أوباما واشنطن وهي ضعيفة سياسيا، بعد أن عاقب الناخبون حزبه في انتخابات التجديد النصفي بسبب الوضع الهزيل للاقتصاد. وكانت مهمته خلال جولته في آسيا، موطن عدد من أسرع الاقتصادات نموا في العالم، تركز على الجانب الاقتصادي في المقام الأول.

وعلى مدى زيارته التي استمرت لثلاثة أيام، وهي الزيارة الأطول له في أي بلد أجنبي منذ توليه الرئاسة، أعلن أوباما رفع القيود التصديرية على منتجات صناعة الفضاء والدفاع الهندية، ودعم مساعي الهند للحصول على مقعد دائم في مجلس أمن موسع للأمم المتحدة، كما أعلن أبرام عدة صفقات لتصدير طائرات أميركية ومحركات ومعدات مناجم إلى الهند، وكانت رسالته: «إن الهند تخلق وظائف للأميركيين، ولا تكتفي بأخذ الوظائف منهم».

وكان من الصعب تجاهل الرمزية السياسية لزيارته، ففي خطابه أمام برلمان أكبر ديمقراطية في العالم، ربط أوباما بين إرث غاندي وحركة الحقوق المدنية الأميركية التي مهدت له الطريق ليصل إلى الرئاسة.

وبعد ساعات تم تكريمه هو زوجته على ضوء شموع القصر الرئاسي، الذي كان مقر المندوب البريطاني، في حفل عشاء الدولة.

وقال بن رودس، نائب مستشار الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية، إن القليل من الرحلات الخارجية هي التي اعتمدت على ظهور أوباما العلني، مثل رحلة الهند.

وقال رودس: «كانت سيرة أوباما الذاتية جزءا مما أسر مخيلتهم في هذه الزيارة. وكذلك الربط بين غاندي وحركة الحقوق المدنية والرئيس أوباما كان له صدى كبير في الهند».

وأضاف رودس إن التغطية الإعلامية الواسعة في الهند لليوم الثاني لأوباما وقرينته في مومباي، ورقصهما مع تلاميذ المدارس في احتفالهم بمهرجان ديوالي، وهو مهرجان هندوسي، واللقاء الذي عقدة في كلية سانت زافيير، «كانت الأمور التي أسهمت في نجاح هذه الزيارة».

لكن أوباما كان أيضا هدفا لانتقادات شديدة بسبب سياسته تجاه باكستان التي خاضت ضدها الهند ثلاث حروب كبرى. وكما أن أوباما يذكر باكستان خلال وضعها إكليلا من الزهور على مقابر ضحايا لهجمات 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2008، الإرهابية في مومباي.

وبعد وصوله إلى جاكرتا، في رحلة، قرر أوباما تأجيلها مرتين، هدد اتساع عمود الرماد المتصاعد من بركان ميرابي بقطع الزيارة التي ستستمر لمدة 24 ساعة، وإلا أنه في النهاية لم يخفض مدة زيارته إلا لساعتين فقط.

لكن أوباما نجح في المهمة الرئيسية لزيارته، ألقاء خطاب من على أرض أكبر دولة مسلمة في العالم؛ فقد امتلأت قاعة جامعة إندونيسيا بأكثر من 6000 من الطلاب ونشطاء المجتمع المدني وغيرهم.

وقد ذكّرنا هذا العدد الكبير من الحضور باستقبال المشاهير الذي كان يرافق أوباما في جولاته الخارجية العام الماضي، بما في ذلك الاستقبال المليء بالتفاؤل من الجمهور الذي حضر خطابه في جامعة القاهرة، الذي دعا فيه إلى «بداية جديدة» مع العالم الإسلامي.

وأثار أوباما صيحات الحضور عندما قال، مستخدما اللغة الإندونيسية: «هذه هي عودتي لوطني». وكان أوباما يرى الخطاب بمثابة متابعة لخطابه الذي ألقاه في جامعة القاهرة، مما ساعد على البدء في عملية تواصل مع المسلمين، التي اعترف بأنها لا تزال في طور التقدم.

وقال مسؤولون في الإدارة إن سيرة أوباما الذاتية، التي أكد عليها في خطابه، عززت رسالته للتعاون الاقتصادي والتقارب السياسي بين البلدين. وقد بدا أوباما أكثر ميلا للحزم في كوريا الجنوبية، التي كانت المحطة الأولى في إطار جولة لم تشمل أي فعاليات علنية.

وبعد الاحتفال بيوم قدامى المحاربين القدماء في موقع عسكري أميركي خارج سيول، اجتمع أوباما مع رئيس كوريا الجنوبية، لي ميونغ باك، وهو مسؤول تنفيذي سابق بشركة «هوينداي».

ويذكر أنه في يونيو (حزيران) حدد أوباما هذا الاجتماع مع نظيره الكوري الجنوبي كموعد نهائي للتوصل إلى اتفاق تجارة حرة مع كوريا الجنوبية، وهي المبادرة التي ورثها من إدارة بوش. ويتوقع مسؤولون أميركيون أن هذا الاتفاق سيرفع صادرات البضائع الأميركية بما قيمته 10 مليارات دولار سنويا ويوفر 70 ألف وظيفة داخل الولايات المتحدة.

وفشل الزعيمان في التوصل إلى الاتفاق على الرغم من مفاوضات مكثفة حتى اللحظة الأخيرة. وتتمثل النقطة الشائكة الرئيسية في ضمان أن كوريا الجنوبية ستستورد المزيد من السيارات الأميركية لتتنافس مع صناعة السيارات المزدهرة داخلها. وسيتعين تمرير أي اتفاق عبر الكونغرس، وهناك لا توجد مساحة كبيرة ليقوم أوباما بالمناورة عقب الخسائر التي مني به حزبه في انتخابات التجديد النصفي.

ومما أكد من تصور الضعف السياسي أن رئيس كوريا الجنوبية رفض التصديق على قيام الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بضخ 600 مليار دولار في الاقتصاد، مثلما فعل أوباما في وقت سابق من الأسبوع الحالي.

وقد صعب توقيت «التيسير الكمي» من جانب الاحتياطي الفيدرالي، الذي قال أوباما عنه مرات كثيرة إنه لا يدفعه ولكنه يدعمه من ناحية المبدأ، من قدرة الرئيس الأميركي على إقناع نظرائه في مجموعة العشرين بالضغط على الصين بشأن عملتها. وقد أرجأ الاجتماع الذي سيستغرق يومين مع بقاء قضية عملة الصين وعدم توازن ميزانها التجاري مع الولايات المتحدة من دون حل.

وحتى تقييم أوباما عقب الاجتماع عكس تراجع طموحه بشأن ما تستطيع منتديات دولية إنجازه. وقال أوباما: «لا يجب أن نتوقع في كل مرة تجتمع فيه الدول معا أننا سنقوم بشيء جذري».

وقد كان حضوره في منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي هنا، وهو منتدى لم توله إدارة بوش الكثير من الاهتمام في نهاية ولايته، يهدف الإشارة إلى طموح أوباما لعب دور أكبر داخل المنطقة. وقال أوباما لقيادات عمالية يوم السبت إن سبع دول من أهم 15 شريكا تجاريا للولايات المتحدة أعضاء في منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي، وأضاف: «إذا عملنا معا، واتخذنا إجراءات مشتركة، وعززنا من علاقاتنا الاقتصادية، فإن ذلك قد يحقق مكاسب لجميع دولنا».

ورفرف سؤال بينما كان أوباما في طريقه إلى آسيا حول ما إذا كانت «الهزيمة الساحقة»، على حد تعبيره، التي مني بها في انتخابات التجديد النصفي سوف تضعف قدرته على العمل مع زعماء دول أجنبية.

ورفض أوباما هذا الربط في نهاية قمة مجموعة العشرين، قائلا إنه تمكن من تكوين «صدقات حقيقية» مع بعض الزعماء، مشيرا إلى أن الحديث عن العملة (مع الرئيس الصيني هو جين تاو) عندما انتخب وكانت نسبة تأييده تبلغ 65 في المائة لم تكن أسهل بالمقارنة مع ما هي عليه الآن»، وأكد قائلا: «كانت صعبة حينها، ولا زالت على حالها صعبة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»