«الأموال الرخيصة» تحدث تحولا في خطط الاستثمار للصناديق السيادية

القرار الأميركي بضخ 600 مليار دولار سيغرق السوق بسيل منها

الصناديق السيادية قد تضطر إلى تغيير استراتيجياتها الاستثمارية تغييرا جذريا خلال السنوات المقبلة بفعل الأموال الرخيصة
TT

قد تضطر الصناديق السيادية التي تضطلع بإدارة الثروات الوطنية إلى تغيير استراتيجياتها الاستثمارية تغييرا جذريا خلال السنوات المقبلة، إذ ستغذي أحدث إجراءات لضخ السيولة في الاقتصاد الأميركي تدفق الأموال وتخفيض عوائد الأصول.

وبحسب تحليل، وبينما من المنتظر أن تبلغ قيمة أصول تلك الصناديق عشرة تريليونات دولار خلال السنوات العشر المقبلة، فإن انخفاض العائد يزيد من عدم جاذبية الإدارة التقليدية للمحافظ، الأمر الذي يدفع هذه الصناديق بصورة أكبر إلى الاستثمار المباشر، أو الاستثمار على أساس الصفقات.

ويعد برنامج شراء سندات بقيمة 600 مليار دولار، الذي أعلنه مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) الأسبوع الماضي إلى جانب السيولة التي تضخها بنوك مركزية رئيسية أخرى، سلاحا ذا حدين لصناديق الثروة السيادية التي تدير أصولا قيمتها ثلاثة تريليونات دولار في الوقت الراهن.

وتغذي الأموال الرخيصة تدفق رأس المال الباحث عن العائد على الاقتصادات الناشئة سريعة النمو والإجراءات التي تتخذها هذه الدول، مثل التدخل في سوق الصرف لمواجهة التدفقات التي تعزز احتياطيات العملة الأجنبية، وهو ما يزيد رأس المال الخاضع لإدارة صناديق الثروة السيادية.

ويعزز انخفاض أسعار الفائدة الطلب على السلع الأولية أو الصادرات من الاقتصادات المتقدمة، وهو ما يعزز الإيرادات غير المتوقعة التي يذهب جزء منها في نهاية الأمر إلى خزائن الصناديق السيادية.

لكن العوائد عادة ما تتراجع في ظل انخفاض الفائدة. كما ينال ضعف الدولار والضغوط الصعودية على العملات المحلية أيضا من التقييمات، مما يدفع العوائد لمزيد من الانخفاض.

وقال ستيفن كرن، خبير الاقتصاد لدى «دويتشه بنك» والمتخصص في الصناديق السيادية: «كانت صناديق الثروة السيادية تأمل في الانتقال من وضع الأزمة إلى مناخ اقتصادي عالمي موات، بصورة أكبر، لكن ما زالت هناك مخاطر كبيرة في أنشطتها». وأضاف «انخفاض الفائدة وإجراءات التيسير الكمي (الأميركية) يؤثران على البيئة النقدية، وأجواء الفائدة التي تعمل فيها الصناديق السيادية». السياسات النقدية بطبيعتها تؤثر على تقييم محافظ السندات القائمة والاستثمارات الجديدة.

لا ينبغي التهوين من شأن ذلك. ووفقا لتقديرات كرن فما زال 46 إلى 60 في المائة من محافظ الصناديق السيادية مستثمرا في أوراق مالية تعتمد على الفائدة، مما يجعل عوائدها عرضة للانخفاض نتيجة تراجع أسعار الفائدة إلى ما يقارب الصفر.

وربما جعل تنامي الأموال التي تديرها الصناديق السيادية، الأمر أكثر صعوبة لها أن تتحلى بمرونة في الاستثمار. ورفع كرن توقعاته لإجمالي الأصول التي تديرها الصناديق السيادية إلى عشرة تريليونات دولار بحلول 2020 من سبعة تريليونات بحلول 2018.

وتصدر كثير من الصناديق السيادية، عناوين الأنباء هذا العام بعدة صفقات على غرار عمليات الاستثمار المباشر. وفي النصف الأول من 2010 أبرم 16 من 33 صندوقا تتابعها مجموعة «مونيتور» الاستشارية 92 صفقة استثمارية معلنة بقيمة 22.2 مليار، دولار أي مثلي عدد الصفقات وقيمتها في النصف الأول من 2009.

وفي النصف الأول من العام الحالي، أبرمت صناديق الثروة السيادية 15 صفقة بقيمة 6.9 مليار دولار في قطاع الطاقة والكهرباء، بينما استثمرت هذه الصناديق أكثر من 1.6 مليار دولار في شركات للتعدين.

وحتى جهاز أبوظبي للاستثمار (أديا) - أكبر صندوق في العالم، الذي يعد تقليديا مستثمرا محافظا - زاد تعرضه لقطاع البنية التحتية بشراء حصة في مطار جاتويك البريطاني في فبراير (شباط) مقابل نحو 125 مليون جنيه إسترليني (202 مليون دولار).

ورفع أديا أيضا حصته في شركة «أنتول» الأسترالية لتحصيل رسوم المرور على الطرق إلى 9.9 في المائة في مايو (أيار).

وقالت فكتوريا بارباري، المحللة لدى «مونيتور»: «بدأت صناديق الثروة السيادية خلال العام الماضي تجد موضعا لإقدامها في أجواء عدم اليقين الاستثماري الحالية». وأضافت «أديا يرى أن قطاع البنية الأساسية والعقارات قوي للغاية ويدر عائدات طويلة الأجل. سنرى المزيد من ذلك، إذ يتطلع أديا لاجتذاب استثمارات في البنية الأساسية. يريدون تحقيق أقصى عائد». وقال أديا في العام الماضي إنه ما زال يستثمر نحو 60 في المائة من أصوله بأسلوب خامل في استراتيجيات تقتفي أثر المؤشرات، ويخصص ما يصل إلى 30 في المائة للاستثمار في سندات حكومية.

ويحتل صندوق الثروة السيادية الصيني الصدارة في الاستثمار في الموارد الطبيعية، إذ أبرم ست صفقات بقيمة نحو 2.4 مليار دولار في قطاع التعدين والطاقة، شكلت أكثر من نصف إجمالي استثمارات الصناديق السيادية في هذا القطاع.

وربما تعيد بكين هيكلة مؤسسة الاستثمار الصينية - صندوقها السيادي - التي تبلغ أصولها 300 مليار دولار، في خطوة من شأنها أن تؤدي لمزيد من التركيز على المحافظ الخارجية.

ولا شك أن المؤسسة تواجه صعوبات، في ظل زيادة التدفقات الرأسمالية والضغوط الصعودية على اليوان في ظل انخفاض العائد.

في 2007، قال لو جي وي، رئيس مؤسسة الاستثمار الصينية، أن المؤسسة تحتاج تحقيق أرباح قدرها 300 مليون يوان (45 مليون دولار) يوميا لمجرد سداد فائدة السندات وتكاليف التشغيل، وهو ما يعني نحو 5.5 في المائة على إجمالي رأسمالها الحالي.

وتشير تقديرات أخرى إلى أن المؤسسة يجب أن تحقق عائدا بالدولار بنسبة عشرة في المائة، على استثماراتها الخارجية، في ضوء عائد السندات الحكومية البالغ نحو 4.5 في المائة وصعود اليوان.

وتتعرض المؤسسة لضغط أيضا من إدارة الصرف الأجنبي الصينية، التي تدير هي الأخرى جزءا من الثروة السيادية للبلاد.

وأفاد بحث أجرته سارة إيتون من جامعة تورونتو، وتشانغ مينغ من الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية أن بكين تستخدم هذا التنافس الضمني بين مؤسسة الاستثمار وإدارة الصرف الأجنبي كآلية للثواب والعقاب لمديري صناديق الثروة السيادية.

وقال البحث «لأن جميعهم يستثمرون الثروة السيادية الصينية في الخارج، فسوف يكون أداؤهم النسبي معيارا رئيسيا لأي قرار حكومي في المستقبل بشأن طريقة توزيع فائض النقد الأجنبي».

وفي بكين ذكرت صحيفة رسمية، نقلا عن مسؤول تنفيذي بالبنك المركزي الصيني أن الصين ربما تطبق مجموعة من السياسات لأبعاد أموال المضاربة، وسط مخاوف من أن تؤدي السياسات الأميركية إلى تدفق غير مرغوب لرؤوس الأموال على الصين.

وقال ما ده لون، أحد نواب محافظ بنك الشعب الصيني: إن مثل هذه المجموعة من السياسات ستشمل تعديل اشتراطات الاحتياطي وإدارة مراكز بالنقد الأجنبي وعمليات سوق مفتوحة.

وتوضح هذه التصريحات تعليقات سابقة لمحافظ البنك.

ونقلت صحيفة «شنغهاي سيكيوريتز» قوله أمس: «عملية تجميع (رؤوس الأموال) التي ذكرها المحافظ تشو شياو تشوان لا تشير لسوق محددة بل مجموعة من السياسات». وفي وقت سابق من الشهر قال تشو إن القيود الحالية التي تفرضها الصين على النقد الأجنبي يمكنها منع تدفقات رأس المال غير المنتظمة واقترح «عملية تجميع» تساعد على احتجاز رؤوس الأموال وصرفها حسب الحاجة.

ومع إعلان الولايات المتحدة عن جولة ثانية من التيسير الكمي تقود لضعف الدولار تزايدت المخاوف بأن جزءا كبيرا من السيولة قد ينتهي به المطاف خارج البلاد، مما يمثل ضغطا على دول، مثل الصين لأبعاد تدفقات رأس المال غير المرغوب فيها.

وقال إن نسبة التضخم بلغت أعلى مستوي في 25 شهرا في أكتوبر (تشرين الأول)، وأنها في نطاق التوقعات، وأن البنك المركزي سيعزز تركيزه على السياسة النقدية في المستقبل، بما في ذلك نسبة الاحتياطي لدى البنوك، فضلا عن رفع الاحتياطيات التي تحتفظ بها بعض البنوك المختارة كإجراء عقابي.