زعيم المعارضة الموريتانية لـ«الشرق الأوسط»: الموريتانيون اكتسبوا تجربة نضالية كبيرة.. وسمعوا الكثير من الشعارات الفارغة

أحمد ولد داداه: إذا كان النظام جادا في دعوته للحوار فسنكون جادين في تلبيتها

أحمد ولد داداه («الشرق الأوسط»)
TT

أحمد ولد داداه، أحد أبرز وجوه المعارضة الموريتانية، واكب الديمقراطية الموريتانية منذ بداية تسعينات القرن الماضي، تزعم حزب اتحاد القوى الديمقراطية، الذي كان يعكس الوجه الآخر الذي اكتملت به ملامح الديمقراطية عند انطلاقتها.

تعرض أحمد ولد داداه للسجن على فترات متقطعة خلال حكم الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع، قبل أن يحظر العمل السياسي على حزبه عام 2000، ليقود كيانا سياسيا تحت مسمى آخر. «تكتل القوى الديمقراطية»، أصبح أكبر أحزاب المعارضة فيما بعد فترة انتخابات 2006، مما أكسب زعيمه ولد داداه صفة زعيم المعارضة في موريتانيا.

«الشرق الأوسط» التقت ولد داداه في حوار مطول في نواكشوط تحدث فيه عن وجهة نظره في مجموعة من القضايا الساخنة المطروحة على الساحة السياسية في موريتانيا..

* بوصفكم رئيسا لمؤسسة المعارضة الديمقراطية منذ إنشائها، ما تقييمكم لعمل هذه المؤسسة على الساحة السياسية في البلاد؟

- مؤسسة المعارضة الديمقراطية مؤسسة حديثة النشأة، تحمل في واجهتها العمل الجماعي المشترك، لكنها عانت في البداية بطئا في عملها، عائدا إلى عدة عوامل، من أبرزها عدم انسجام أحزاب المعارضة المنضوية تحت لوائها. ومن أجل تجاوز هذه العوائق وضعنا آلية للعمل المشترك بين جميع أقطاب المعارضة في إطار اتفاق سيرى النور قريبا ستتحدد فيه معالم عمل مؤسسة المعارضة مستقبلا، وتسند فيه المسؤوليات لكل المعارضة المنخرطة في سلك منسقيتها.

وأود أن أشير هنا إلى أنه كان بإمكاني القيام بعمل المؤسسة منفردا، لكنني فضلت العمل جماعيا، حفاظا على وحدة المعارضة التي تستمد قوتها من العمل الجماعي المشترك.

* أنتم واكبتم المسار الديمقراطي منذ انطلاقه في موريتانيا، فما أهم الإنجازات التي ترون أنها تحققت في هذا المجال؟ وما أهم العوائق التي ما زالت تحول دون بلوغ المسار لنهايته؟

- يبدو لي أن المسار الديمقراطي في البلد لا يزال في بدايته، وأن المكاسب السياسية التي تحققت في موريتانيا كانت ثمرة نضال كل الموريتانيين بجميع أجيالهم، وعبر المحطات الصعبة التي مروا بها، لكن هناك شيئا أساسيا لم يتحقق على صعيد المسار الديمقراطي، هو التشاور مع الأحزاب السياسية، واستطلاع الرأي العام في البلاد، وبقيت أحادية اتخاذ القرار السمة الطاغية على المشهد السياسي طيلة هذه الفترة، وهذا ما يتنافى طبعا مع الديمقراطية. لكن هذا لا يمنعنا من الإقرار بأن هناك شيئا مهما باديا للعيان، تم إنجازه على صعيد الحريات مقارنة مع الفترة السياسية منذ عام 1992 إلى الآن، والتي تسمى «فترة الديمقراطية»، على الرغم من أنني أتحفظ على هذه التسمية وأضعها بين مزدوجين، فإن المعارضة قد لاقت الكثير من المعاناة المتمثلة في السجن والإقصاء والتزوير الذي لا يزال موجودا، وبلغ أوجه في المرحلة الأخيرة.

أعود فأكرر: إن ما تحقق من الديمقراطية في البلد يعود إلى عامل واحد، هو كفاح هذا الشعب، كما أنني أؤكد أن تسيير البلد والاستفراد بقراراته ومقدراته الاقتصادية والمالية والدبلوماسية هما السمة البارزة في البلد.

* الأحزاب المعارضة الموريتانية تضع شرطا أساسيا كمدخل لتجاوز الخلافات مع النظام الحاكم، وهو الحوار.. ما معنى هذا المصطلح الجديد؟ وما النقاط التي ترون أن التحاور بشأنها ضرورة ملحة؟

- الحوار يجب أن يكون حول قضايا عملية محددة، لوجود حلول لتلك القضايا بهدف الوصول إلى حل توافقي بشأنها، ومنهج في الحياة متبع في الحياة السياسية، كما يجب أن يتم بشكل دائم حول القضايا الوطنية والسبل الكفيلة بتجاوز العقبات، وفي النهاية يكون القرار للسلطة، ولا أحد ينازعها في الأمر، ولكن على الأقل «وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله».

* تثيرون قضية نقاط التشاور من دون الإعلان عن هذه النقاط، هل يمكن تحديد النقاط التي ترغبون في نقاشها مع السلطة الحاكمة والحديث عنها لوسائل الإعلام؟

- أنا لا أتحدث باسم الأحزاب السياسية، وأفضل أن تحدد ذلك منسقية المعارضة والأحزاب التي ستشارك في الحوار. وربما إذا سألتني لاحقا، وليس الآن، يمكن أن أحدد لك النقاط التي يرغب حزب التكتل في نقاشها.

* الرئيس محمد ولد عبد العزيز أعرب بمناسبة خمسينية الاستقلال عن استعداده لحوار صريح مع المعارضة للإسهام في بناء موريتانيا.. إلى أي حد تعتبرون هذه بادرة جديدة؟ وكيف ستتعاطون معه؟

- أود أن أذكر بأن الحوار مطلب قديم من قبل المعارضة، وأن هذا الطلب المنصف والحكيم لم يجد آذانا صاغية من لدن النظام، وقد سمعنا ما أعلن عنه الرئيس محمد ولد عبد العزيز بهذا الشأن، لكن الحسم في هذا الإعلان يعود إلى منسقية المعارضة، وعلى كل حال إذا كان موقف النظام جادا فإن المعارضة سيكون ردها مثل موقف النظام أو أحسن منه، كما أثبتت جديتها في مواقفها السياسية.

* موريتانيا واجهت تهديدات إرهابية، دخلت إثرها مواجهات مع جماعات مسلحة، هل تعتقدون أن المواجهات العسكرية هي الحل الأمثل للحد من المد الإرهابي المتنامي في المنطقة؟

- نحن ضد الإرهاب، وكل ما يهدد أمن موريتانيا، ويزعزع استقرارها، ويمس حوزتها الترابية، لكن اهتماماتنا يتصدرها الاعتناء بالجبهة الداخلية، وذلك من خلال رسم سياسة تعليمية في القطاع الذي يقر المعنيون به بفساده، تهدف إلى تكوين مهني يمكن من إنقاذ عشرات الآلاف من الشباب، الذين يمثلون الشريحة العمرية الأكبر في البلد، كما أن هناك نقصا في التوظيف، مما يعني أن هذه النسبة الكبيرة من السكان في هذا البلد مهملة من دون تعليم ولا تكوين ولا فرص ثقافية أو رياضية، وكأن بلدهم سجن كبير. ومن الغريب أنني أذكر في نهاية السبعينات أن الموريتانيين يحصلون على التكوين على الرغم من صعوبة الظروف، كما يزاولون عملهم الوظيفي بشكل مريح في بلدهم ولا نجد أحدا منهم يفكر بالهجرة بحثا عن العمل، واليوم أصبح الأمر مختلفا؛ فنرى كل من يمكنه الهجرة من حملة الشهادات وغيرهم لا يتردد في ذلك.

ومن هنا أدعو المثقفين والسياسيين والسلطة إلى إلقاء الضوء على هذه القضية الخطيرة؛ لأنني أعتقد أن بلدا ليست فيه آمال للأجيال الصاعدة في وضع غير سليم، وأقل ما يمكن أن نصفه به «الركود»، إن لم نصفه بالتراجع والانحطاط.

وأعود وأؤكد أن المواجهة العسكرية هي خيار، ولكن أهم من ذلك رسم سياسة داخلية للشباب، وفتح فرص التوظيف، وانطلاقة الاقتصاد وفرص الاستثمار الداخلي والخارجي، مما يجعل من البلد ورشة تتميز بالديناميكية الاقتصادية، تجعل منا بلدا فيه أمل وفرص، ويمكن للشباب أن يجد فيه ذاته، وبغير ذلك سيكون الشباب عرضة لأي دعاية فاسدة، وهذا ما يحدث الآن، ويتحمل مسؤوليته النظام.

* هل أنتم راضون عن الاستراتيجية التي تتبعها الحكومة لمكافحة الإرهاب؟

- أتمنى أن تشرح لي هذه الاستراتيجية؛ فأنا أحوج إلى معرفتها.. لا يمكنني أن أشرح شيئا لا علم لي به.

* نعود بكم إلى موضوع منسقية المعارضة الديمقراطية؛ حيث تشهد هذه الفترة خلافات نتيجة تنافس بعض الزعامات داخلها حسب البعض، كما تعرف انسحاب بعض أحزابها، كما يتوقع أن تشهد انسحاب المزيد، كيف ترون تأثير هذه التجاذبات على الساحة السياسية؟

- أنا لست متشائما بقدر ما أنني لست متفائلا أكثر من اللازم حيال منسقية المعارضة، يجب أن تعلموا أن منسقية أحزاب المعارضة هي مجموعة أحزاب سياسية لها مآرب مختلفة، ومسارات سياسية مختلفة أيضا، أو على الأصح متباينة، ومن أخذ هذا بعين الاعتبار يصل إلى نتيجة مفادها أنها تقوم بعمل تقاربي، ضمن مرجعية سياسية متمثلة في الوثيقة التي تم التوقيع عليها من جميع الأحزاب المنخرطة فيها.

أما كون هذه الأحزاب تتنافس أو لديها تباين في الرؤية والأسلوب والمبادرات فهذا أمر طبيعي، وليس مؤشرا يبعث على التشاؤم.. ولا يجب الخوف على مستقبل المعارضة، فهي تقوم بما تخلت عنه السلطة من مواقف، وهذا حاصل في كل سلطة تمارس الحكم، خاصة السلطة الحاكمة في موريتانيا، وما دامت هذه السلطة قائمة وتتصرف بنفس الطريقة فستظل هنالك مبررات قوية لمعارضتها في الاستمرارية والبقاء والعمل. ثم إن المعارضة منذ دخول الديمقراطية لموريتانيا عام 1992 بقدر ما ينسحب عنها بعض مناضليها بشكل كبير تنضم إلى صفوفها أعداد كبيرة أيضا، ولكنها ظلت دائما موجودة ولم تضعف أبدا أمام الطغيان، ودوما تناهض التجاوزات والأحادية وكل هذا ما زال موجودا، والأهم أن الشعب اكتسب تجربة نضالية كبيرة وسمع الكثير من الشعارات الفارغة، وهذا بطبيعة الحال يقوي المعارضة ويزيد مصداقيتها.

* بعض المراقبين يعتقد أن اللقاءات المتتالية التي جمعتكم بالرئيس الموريتاني مؤشر على التقارب بينكما، لكن تصريحاتكم في الأيام الماضية جاءت عكس ذلك، هل جد جديد يعكر صفو الحميمية أو العلاقة التي يرى البعض أنها قائمة بينكم وبين الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز؟

- أشكركم على هذا السؤال الذي سيتيح لي توضيح هذا الموضوع بشكل أكثر تفصيلا؛ حيث إن الرئيس محمد ولد عبد العزيز استدعاني بمبادرة منه هو شخصيا مرتين لا أكثر، وخلال لقائي به تبادلنا حديثا يتعلق أساسا بالهجمات التي شنها الجيش الموريتاني على مسلحين في الصحراء، وقد أوضحت للرئيس أنني ضد خروج القوات من الحدود؛ إذ إن القوات مهمتها حماية الحدود فقط، ويمكنها مطاردة المهاجمين إن اقتضى الأمر ذلك، وبلغت له موقف حزب التكتل من وجود القوات المسلحة الوطنية بعيدا عن حدودها؛ لأننا نعتقد أن ذلك مضر بالقوات المسلحة وهي غير مهيأة له، وأن بلدا كموريتانيا يجب أن يركز على حماية حدوده والذود عن سيادته الوطنية، أما أكثر من ذلك فهو غير معني به وليس مهيئا له.

هذا ما حدث، وبالتالي فإنني لا أتحكم فيما يفسره البعض من أن لي علاقة حميمة مع الرئيس ولد عبد العزيز.

السبب الحقيقي لهذه اللقاءات هو ما شرحت لكم، ومحتواها هو ما ذكرت لكم، وفي النهاية فهو رئيس دولة وأنا مناضل ومعارض وهو من بدأ بدعوتي ولبيت تلك الدعوة.

كما أريد الإشارة إلى أن عدم المبادرة بالتنديد بخروج الجيش للحرب خارج الحدود، عائد إلى أنني آثرت عدم التعليق على الموضوع ما دام الجيش في الميدان، وعندما وضعت الحرب أوزارها ناديت بصوتي عبر وسائل الإعلام بموقفي المندد بذلك.

* نختم بسؤال حول الانتخابات النيابية والتشريعية التي هي على الأبواب الآن، ما المكاسب التي يتوقع حزبكم «التكتل» جنيها من هذه الانتخابات، أم أنكم ستقاطعونها؟

- مواقفنا السياسية لا تتسم بالتسرع، وعادة تطبخ على نار هادئة، وعادة حينما يتعلق الأمر بمثل هذه القضايا، فإننا نوليها ما تستحق من الاهتمام والتشاور في الإطار الحزبي، والتنسيق مع إخوتنا في منسقية المعارضة، وهو ما حصل الآن، ثم بعد ذلك نتخذ الموقف الذي نراه مناسبا، ونطلع عليه الرأي العام الموريتاني، وهذا هو ما نحن بصدده.