انتخابات أفغانستان: برلمان ناقص التمثيل وإحباط في الخارج

التزوير وتدني المشاركة أفقدا العملية جدواها وأوصلا الأثرياء والمقربين من أمراء الحرب للسلطة

واحد من كبار أعيان القبائل ومقرب من الرئيس كرزاي الشهر الماضي («نيويورك تايمز»)
TT

خصص الداعمون الغربيون مبلغ 150 مليون دولار لأفغانستان خلال العام الحالي من أجل دعم الانتخابات البرلمانية، على أمل أن يوضح التصويت الناجح والجدير بالثقة مقدار التقدم في الحرب على الإرهاب في أفغانستان، والمساعدة في دعم استقرار هذا البلد. لكن بدلا من ذلك، أدخلت النتائج النهائية التي أعلن عنها الأربعاء الماضي بخصوص الاقتراع الذي جرى في سبتمبر (أيلول) الماضي، الأفغان في مرحلة جديدة من الغموض، والشك العميق في الحكومة وأثارت خطوط الصدع العرقية المتقلبة والخطيرة دائما في أفغانستان.

وعلى الرغم من بعض التحسينات التي طرأت على هذه الانتخابات مقارنة بالانتخابات الرئاسية التي جرت خلال العام الماضي والتي افتقدت للمصداقية، ينظر إلى النتائج النهائية بشكل واسع على أنها شابها التزوير والاحتيال في أماكن مهمة. وشوه عدم الأمان المتفشي بسبب هجمات حركة طالبان التصويت أيضا، حيث حال دون مشاركة عدد كبير من الناس في الاقتراع، خصوصا في جنوب وشرق إقليم البشتون.

وكانت النتيجة هي أن الانتخابات أوصلت إلى السلطة، الأشخاص الأثرياء ومرشحين يملكون علاقات بأمراء الحرب القدامى، وجعلت أكبر مجموعة عرقية في أفغانستان، «البشتون»، التي تعيش في مناطق تنشط بداخلها الجماعات المسلحة، تحظى بتمثيل محدود في بعض أقاليم البلاد.

وبدلا من أن تصبح الانتخابات مصدرا لتعزيز المصداقية الأفغانية حسبما كان يأمل الداعمون الغربيون وأفغانستان نفسها، أكدت الانتخابات صعوبة القضاء على أحداث التزوير والغش، كما أكدت صعوبة القضاء على حركة طالبان. وقال الحاج عبد المجيد، وهو شيخ قبلي من إقليم قندهار: «الأشخاص الذين أنفقوا الأموال من أجل شراء الأصوات خائنون. والحقيقة هي أن كل الأشخاص أنفقوا أموالا، ونحن لا ننتظر منهم العمل لصالح الشعب والدولة. في الحقيقة، نحن خائفون من أنهم سيبيعون الدولة وشعبها».

وفي معظم المناطق، ضاعت أصوات الناس وسط ضجيج المرشحين وسماسرة السلطة الذين يضغطون الآن على المسؤولين في الرئاسة والنائب العام من أجل إلغاء النتائج في أماكن رئيسية أو حتى إبطال العملية بأكملها.

وحتى الآن، لا يبدو أي شخص متأكدا من الخطوات التي سيتخذها الرئيس حميد كرزاي، أو ما إذا كان النائب العام الذي عينه سيكون قادرا على إحالة قضايا التزوير أمام المحكمة العليا. ويدور حاليا صراع، خلف الكواليس، بين لجنة الانتخابات التي تدعم النتائج والحكومة التي تتحدى هذه النتائج، بشكل جزئي حول من يملك الكلمة النهائية في هذه العملية. وقال دبلوماسي غربي في كابل، لم يرغب في الكشف عن هويته بسبب حساسية القضية: «هناك تلاعب معقد جدا بالسلطة يحدث الآن. ونحن في وضع خطير».

لكن هناك مسألة على نفس القدر من الأهمية وهي الحقيقة القائلة إن ثمة 2251 خاسرا، وإن الرئيس كرزاي لا يمكنه إرضاء كل الخاسرين. ومن خلال توصية الخاسرين برفع مظالمهم إلى المحاكم، قدم كرزاي لهم الأمل دون أن يعد بتوفيره لهم بنفسه، من أجل تخفيف بعض الغضب وكسب الوقت لدراسة ما يجب أن يفعله. وهناك دائما، بالطبع، إمكانية أن تحرم تحقيقات النائب العام المرشحين الذين لم يرغب الرئيس في وجودهم في البرلمان.

وبينما خصص كرزاي لنفسه مساحة من الوقت للتنفس، فإنه جعل الداعمين الغربيين أيضا عصبيين لأنهم كانوا يرغبون بشدة في نجاح الانتخابات والنظر إلى العمل الذي تم بواسطة اللجنة المستقلة للانتخابات على أنه يمثل قفزة إلى الأمام مقارنة بالانتخابات التي جرت خلال العام الماضي، وهم يشعرون بالقلق إزاء ضرورة عدم تقويض عملها.

وبغض النظر عن ذلك، فقد ألحقت العملية الانتخابية التي امتلأت بالصراع ضررا بالغا بالمؤسسات الديمقراطية الوليدة في أفغانستان. وقال مراقبون غربيون وأفغان للانتخابات إن هناك إمكانية لأن يتعرض البرلمان للضعف، في حال انعقاده في نهاية الأمر، بفعل العديد من الاتهامات المتعلقة بالتزوير، إلى درجة لا تجعله قادرا على العمل كقوة توازن فعالة للجهاز التنفيذي. وهناك احتمال آخر وهو أن قضايا التزوير والغش ستؤجل انعقاد البرلمان الجديد، وتعطل مبادرات سياسية مهمة مثل مبادرات السلام والمصالحة.

وأقرب فرصة محتملة لافتتاح جلسات البرلمان الجديد من قبل كرزاي، هي 21 يناير (كانون الثاني) المقبل، حسبما ذكر مسؤولون برلمانيون. وتترك فترة الأربعة أسابيع ونصف الفاصلة بين ذلك التاريخ متسعا من الوقت للمصالح المتصارعة لتشوش النتائج بشكل إضافي. وعلى الرغم من التغاضي عن العديد من عمليات التزوير، تم المضي في العديد من القضايا الأخرى لأن عمليات الاحتيال والانتهاكات بحسب مسؤولي الانتخابات الأفغانية والعديد من خبراء الانتخابات الدوليين كانت شائعة.

وقال أحمد مناوي، رئيسة مفوضية الانتخابات، الذي لم يخجل من إحالة مئات من العاملين معه للتحقيق: «لقد عملنا بجد لضمان عد الأصوات الصحيحة فقط، لكن لدينا 86 ألف موظف وهم ليسوا ملائكة».

المشكلة كما يقول توماس روتيغ، المدير المشارك في «شبكة التحليل الأفغانية»، وهي مجموعة بحثية في كابل، تتمثل في إدراك أن مسؤولي الانتخابات الأفغان تصرفوا بشكل تعسفي، «فالعديد من الناس الذين ملأوا صناديق الانتخابات أفلتوا من العقاب، فيما تعرض آخرون للفصل».

وفي حالات أخرى حرم عجز الأفراد على الوصول بأمان إلى مراكز الاقتراع بسبب تهديدات طالبان بعض المجموعات الهامة مثل البشتون في عدة أقاليم، مما يعكس فشل القوات الأفغانية وقوات التحالف وليس مسؤولي الانتخابات، في تأمين مناطق واسعة من البلاد. وتعتبر غزني أحد الأمثلة للنتائج، التي أعلنت الأربعاء الماضي بعد تأجيل والتي جاءت مطابقة للقانون، التي اعتبرت على غير عادلة. ويضم هذا الإقليم خمس عدد السكان في أفغانستان وهو مختلط عرقيا حيث يشكل فيه البشتون الأغلبية والهزارة الأقلية. بيد أن مناطق البشتون مخترقة بكثافة من قبل طالبان، ولم يتمكن الكثير من أبناء البشتون من الوصول إلى مراكز الاقتراع بأمان. وعلى الرغم من فتح مراكز الاقتراع أبوابها في العديد من المناطق فإن عدد الأفراد في بعض مراكز الاقتراع لم يتجاوز ثلاثة.

* خدمة «نيويورك تايمز»