المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكرم السينما الفرنسية.. «مهد الفن السابع»

سكورسيزي: ندين بالكثير للسينما الفرنسية

الممثلتان الفرنسيتان ساندرين كيبرلين وألكسندرا لامي لدى وصولهما إلى قصر السليمان في مراكش لحضور حفل العشاء الذي أقامته دار «أزياء ديور» (رويترز)
TT

في حضور حشد من السينمائيين الفرنسيين، تتقدمهم النجمة كاترين دونوف، تسلم كوستا كافراس، رئيس مركز حفظ الأفلام السينمائية الفرنسية، ورئيس الوفد الفرنسي، المشارك في فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، «نجمة المهرجان» من يد المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي، وذلك في الحفل الذي خصص، مساء أول من أمس، لتكريم السينما الفرنسية.

وجاء تكريم السينما الفرنسية، متزامنا مع الدورة العاشرة، التي أرادها المنظمون احتفاء باستمرارية التظاهرة الفنية واعتراف المتتبعين بقيمتها. ويتضمن برنامج التكريم على الخصوص، عرض 75 فيلما، تلخص لثلاثين سنة من إنتاج السينما الفرنسية، التي يعود تاريخها إلى أكثر من 100 سنة، تجاوزت بعض إنتاجاتها، بصيتها وتأثيرها، حدود فرنسا وأوروبا.

وتحظى السينما الفرنسية باعتراف عدد كبير من النقاد والسينمائيين، باعتبارها «مهد الفن السابع»، ولأنها «ظلت تمارس تأثيرا كبيرا على السينما الأوروبية والعالمية».

وتميز تاريخ السينما الفرنسية على الخصوص، بتجربة الموجة الجديدة التي تتحدد، حسب النقاد، في أفلام السينمائيين الفرنسيين، من نهاية خمسينات حتى نهاية الستينيات من القرن الماضي، الذين تأثروا بسينما الواقعية الجديدة في إيطاليا، وسينما هوليوود، وكانوا مرتبطين برفضهم الواعي للشكل السينمائي الكلاسيكي وروحهم الشبابية المتمردة على التقاليد.

وقال سكورسيزي، في كلمة بالمناسبة، «أنا سعيد بوجودي، مرة أخرى في مراكش، هذه المدينة التي أعشقها». وتحدث عن المهرجان الدولي للفيلم بمراكش فوصفه بـ«الرائع»، قبل أن يستعرض جانبا من تاريخ السينما الفرنسية، بداية من الأخوين «ليميير»، وصولا إلى فناني الموجة الجديدة وما بعدها، مرورا بليوني بيري وجان رونوار. وقال سكورسيزي إن السينما الفرنسية «ظلت تتجدد بفضل إيمانها الراسخ بقوة السينما»، مشيرا إلى أنها «مررت هذا الإيمان وهذا الحب للسينما إلى أميركا، واهبين لنا بذلك فن السينما، وهذا يعني أننا ندين بالكثير للسينما وللسينمائيين الفرنسيين».

من جهته، قال المخرج كوستا كافراس، إنه يشعر بـ«الفخر والتأثر»، وهو يتسلم جائزة التكريم من يد مخرج كبير في مهرجان مراكش.

وتحدث كافراس عن برنامج التكريم، فقال إنه يقوم على «برمجة غنية كميا، متنوعة موضوعيا ومعبرة، يمكننا إدراكها من عدة مقاربات، إما من خلال روادها وإما من خلال النوع الذي يمكن أن ندرج في إطاره كل فيلم، وكذا من خلال أبطالها ومنتجيها. هي إذا مجموعة من المداخل التي من شأنها أن تكشف عالما فنيا وروائيا شديد الغنى والتنوع».

وأشار كافراس إلى أن تطوير السينما الفرنسية «لم يفتر، في أي وقت، معتمدا التنوع والانفتاح على العالم والحرية»، مشددا على أنه «لا وجود لسينما وطنية دون إرادة سينمائية».

من جهة ثانية، رأى كافراس أن ملامح السينما الفرنسية تغيرت، بشكل كبير خلال العقود الثلاثة الماضية، وأنه في بداية عقد ثمانينات القرن الماضي، كانت إنتاجات الأفلام تمول في مجملها من الإرادات المتأتية من قاعات العروض، غير أنه بعد إحداث القناة التلفزيونية الخاصة «كنال بلوس»، في عام 1984، انتقل عصب الإنتاج السينمائي تدريجيا نحو القطاع السمعي البصري، ليصبح تمويل إنتاج الأفلام الفرنسية، شيئا فشيئا، شأنا للقنوات التلفزيونية.

ورأى كافراس أنه كان لهذا التطور عظيم الأثر في طريقة إبداع وإنتاج الأفلام، كما أسهم بشكل كبير في الرفع من ميزانيتها، إذ أصبحت تكلفة إنتاج فيلم سينمائي اليوم، إجمالا، أكبر مما كانت عليه، في بداية سنوات الثمانينات، فما كان يكلف إنتاجه عشرة ملايين فرنك فرنسي سنة 1980، مثل فيلم «المترو الأخير» لفرانسوا تريفو، أصبح اليوم يحتاج إلى الضعف أو ثلاثة أضعاف، رغم أن القصص غالبا ما تكون هي نفسها.

وأشار كافراس إلى أن السينما أصبحت اليوم بحق «حرفة ترف»، و«لم يعد الخطر الاقتصادي والفني نفسه لسنوات مضت، إذ أضحى كل فيلم بمثابة رهان يجب كسبه وإلا فالمصير هو الفشل».

ورأى كافراس أن أهم ما ميز العقود الثلاثة الماضية، هو التنوع الكبير للرواد، وكذا التقاطع الذي شهدته هذه المرحلة بين الأجيال. ففي سنة 1983 أخرج روبير بريسون فيلمه الأخير، «المال»، وينطبق الأمر على فرانسوا تريفو بفيلمه «هل يأتي يوم الأحد؟» قبل سنة من وفاته.. سينمائيون ينهون مشوارهم المهني وآخرون في خط البداية. إنه مسار الحياة التي تلعب فيها الصدف والأحداث الطارئة أيضا دورها، وتتعايش الحساسيات أحيانا مع التناقضات. بعض المخرجين يستأنسون بنماذج تسمى (كلاسيكية) والبعض الآخر يخوض مغامرة (الحداثة)، بينما سينمائيو الموجة الجديدة في مرحلة العطاء الخصب، من إيريك رومير إلى جون جون لوك كودار، مرورا بكلود شابرول وجاك ريفيت، كان هناك جيل جديد في طور نشأته، منهم من عاوده الحنين إلى تجربة سينما النوع (أفلام الإثارة، الكوميديا الاجتماعية أو أفلام الضواحي) والتصوير داخل الاستوديو، في حين أعلن آخرون عن أنفسهم أنهم الورثة الشرعيون لنفس هذه الموجة الجديدة وعلى رأسهم أوليفييه أساياس، وأرنو ديبليشان، وهناك سينمائيون لا يدعون انتماءهم لأي مدرسة، وهناك أفلام أعلنت عن نفسها فدوت عاليا، وصنعت الحدث، منها: «الصيف القاتل» لجون بيكر، و«ثلاثة رجال ومهد» لكولين سيرو، و«37 درجة في الصباح» لجون جاك بينيكس، و«ليالي البرية» لسيريل كويار، و«الحياة نهر طويل وهادئ» لإيتيان شاتيليي، و«الأزرق الكبير» للوك بيسون، و«المصير الرائع لإيميلي بولان» لجون بيير جوني، وهي كلها أفلام لقيت نجاحا كبيرا ورضا جماهير واسعة، داخل فرنسا وخارجها، والسبب يرجع إلى أنها استطاعت أن تتحدث إليهم بصراحة.

وتلا حفل التكريم عرض فيلم «شرفة على البحر»، لمخرجته نيكول كارسيا، وبطولة جون دي جاردان وماري جوزي كروز. وهو فيلم مبرمج خارج المسابقة. ويحكي الفيلم قصة «مارك»، الذي يعيش في الجنوب الفرنسي، رفقة زوجته وأبنائه، حياة مريحة من عمله كوكيل عقاري. وخلال إحدى المعاملات يلتقي صدفة بامرأة فاتنة الجمال فيعتقد أنه يعرفها، إنها «كاتي» التي أحبها في الجزائر نهاية حرب الاستقلال عندما كان سنه 12 سنة. وبعد أن قضيا ليلة سويا، تختفي المرأة من جديد، فيبدأ الشك يساور «مارك» حول حقيقة هوية تلك السيدة التي ادعت أنها «كاتي». وسبق لمهرجان مراكش، أن كرم السينما المغربية (2004)، والإسبانية (2005)، والإيطالية (2006)، والمصرية (2007)، والبريطانية (2008)، والكورية الجنوبية (2009).