مع استعداد واشنطن للرحيل.. العراقيون يعانون من التداعيات الاقتصادية

العاملون في المعسكرات الأميركية تضاءلوا لـثلاثة أرباع العدد

TT

قحطان كريم، رجل أعمال، يعتمد محور نشاطه التجاري على قرار رئيس الولايات المتحدة بالرحيل عن المدينة. كان كريم قد نجح في بناء ثروته عبر شراء وإعادة بيع الخردة والفوائض من القواعد العسكرية. الآن، تستعد القوات الأميركية للانسحاب من العراق، ويخالج كريم شعور بالانقباض حيال مستقبل شركته والعاملين بها البالغ عددهم 430 موظفا. وعلق على الانسحاب من داخل مكتبه الذي يعج بصور له مع جنود أميركيين بقوله: «سيكون هذا بمثابة كارثة. ليس هناك عمل خارج المعسكرات الأميركية».

ومع أن التداعيات السياسية والأمنية للانسحاب الأميركي لم تتضح معالمها تماما بعد، فإن التداعيات الاقتصادية خلفت بصمة قاسية بالفعل على عشرات الآلاف من العراقيين الذين اعتمدوا في تحصيل أرزاقهم على العمل مع القوات الأميركية وفيالق المتعاقدين الأميركيين المدنيين والدفاعيين، الأمر الذي شكل بعض الأحيان مصدر خطورة كبيرة عليهم.

ويجد هؤلاء العراقيون أنفسهم الآن محصورين بين عالمين، ويناضلون للعثور على عمل في بلد، واحد من كل 4 أفراد تقريبا يعانون البطالة، في الوقت الذي يجابهون فيه مشاعر ازدراء من قبل من يعتبرون العمل لحساب الغربيين خيانة. وقد تعرض العشرات منهم للقتل، بينما تمكن القليلون منهم من الاستفادة من البرامج الأميركية لإعادة توطين الحلفاء العراقيين الذين يتهددهم الخطر. من ناحيته، قال سيف علاء كامل، 22 عاما: «لقد خلفونا وراء ظهورهم». ونوه بأنه ترك المدرسة للعمل عامل طلاء لحساب مقاول أميركي، لكنه فقد عمله في وقت سابق من العام.

تشير الأرقام الصادرة عن المؤسسة العسكرية إلى أن أعداد العراقيين العاملين لحساب المؤسسة العسكرية الأميركية تراجع من 44.000 في يناير (كانون الثاني) 2009، قبل شروع الولايات المتحدة في تقليص قواتها، إلى قرابة 10.500 الآن. وتراجعت أعداد المقاولين متلقي المنح الممولين من واشنطن بنسبة 22 في المائة خلال الصيف فقط، طبقا لما ذكره تقرير صادر عن المفتش العام لشؤون إعادة إعمار العراق.

ومن المحتمل أن تستمر هذه الأرقام في التضاؤل مع مضي واشنطن فيما أطلق عليه أحد المسؤولين العسكريين «المسار المنزلق» نحو الخروج من العراق.

وتعد عمليات تسريح العمالة والاضطرابات الاقتصادية عواقب طبيعية لانحسار الحرب، وتجد تداعيات ذلك داخل تكريت، المدينة ذات الشمس الحارقة على بعد 100 ميل شمال بغداد والمشهورة بكونها مسقط رأس صدام حسين، انعكاسات لها بمختلف أرجاء العراق عبر درجات متنوعة. وتشكل معدلات البطالة المرتفعة، خاصة بين الرجال الشباب الذين يشكلون أهدافا مفضلة للتجنيد من جانب جماعات التمرد، خطورة أمنية تهدد بتقويض المكاسب طويلة الأمد التي تحققت بعد عناء. وتشهد الفترة الراهنة انتهاء سريان العقود ونفاد الأموال المخصصة لإعادة الإعمار على نحو يكاد يكون كاملا. وبالتأكيد فإن الـ49.700 جندي أميركي المتبقيين بالبلاد سيحتاجون أعدادا أقل من العراقيين لمعاونتهم أو العمل كهمزات وصل مع المجتمعات المحلية.

ويقول العراقيون الذين انضموا لصفوف العاطلين مؤخرا إنهم يكافحون للعثور على عمل داخل القطاع الخاص العراقي الهزيل أو تقديم رشى لشق طريقهم نحو نيل وظيفة حكومية. وانتقل بعضهم مع أسرته إلى المدن المزدهرة بالشمال الكردستاني أو الجنوب الغني بالنفط. أما أولئك الذين جنوا عائدات كبيرة خلال الحرب فيعيشون حاليا على مدخراتهم، بينما اضطر آخرون أغرقتهم الديون إلى بيع أجهزة التبريد والكومبيوترات التي كانوا قد اشتروها بأموال أميركية.

من ناحيته، يخطط كريم لإغلاق اثنتين من ساحات تجميع الخردة التي يملكها، إحداهما قرب بغداد، والأخرى بمحافظة الأنبار في الغرب، مما يعني فقدان 120 شخصا لوظائفهم. ويأمل في بناء مركز إعادة تدوير قرب تكريت بتكلفة 4 ملايين دولار، لكنه لا يدري متى يمكنه الشروع في ذلك. وعلق بقوله: «لا أحد يدري ماذا يخبئ القدر لنا. شركتي ستغلق أبوابها، وسيفقد الموظفون أعمالهم ليعودوا لنقطة الصفر، وسيراقب الإرهابيون ذلك ويستغلونه».

في بغداد، أشار أصحاب شركة «زانوبيا» للنقل إلى أنهم في فترة من الفترات كانوا يوظفون 55 من سائقين ومهندسين وفنيي كهرباء وحراس وغيرهم لنقل إمدادات للمتعاقدين العاملين مع فيالق المهندسين التابعة للجيش الأميركي والأمم المتحدة. وقد تعرض السائقون لإطلاق النار عليهم واختطافهم، وتلقى أصحاب الشركة تهديدات بالقتل. ومع ذلك، تدفقت الأموال على الشركة. وأشار أحد الملاك إلى أن الشركة في «عصرها الذهبي» كانت تجني قرابة مليون دولار شهريا.

إلا أن وتيرة العمل تباطأت لتتراجع عائدات الشركة إلى نحو 20.000 دولار شهريا. وباعت الشركة بعضا من شاحناتها والسلع الفائضة لديها.

يعد محمد جابر، 24 عاما، واحدا من الذين فقدوا وظائفهم مؤخرا، وكان يعمل سائقا لحساب مقاول عراقي ويتقاضى 800 دولار شهريا. وهو الآن من بين من يحاولون التخلص من عار عملهم السابق.

ينتمي جابر في الأصل لمحافظة ديالى السنية المتوترة، وأشار إلى أن متمردين هددوه واستجوبوا جيرانه بشأن الجهة التي يعمل لحسابها، ثم أجبروه على الرحيل من المنزل الذي عاش فيه مع والدته. الآن، بعدما فقد عمله، عاد جابر ليستجدي المسلحين المحليين للعفو عنه وإزالة اسمه من قوائم المستهدفين. ووعد بعدم العمل مجددا قط مع الأميركيين.

* خدمة «نيويورك تايمز»