اعتقال أسانج في لندن ورفض إطلاق سراحه بكفالة.. وغيتس يرحب بـ«الخبر السار»

تعيين يوم الثلاثاء المقبل للبحث في طلب تسليمه لاستوكهولم.. ومحاميه يتهم القضاء السويدي بالخضوع للعبة السياسة

TT

بعد أسابيع من الاختباء، ظهر جوليان أسانج، مؤسس موقع «ويكيليكس»، في محكمة بوسط لندن أمس، لدقائق قليلة، عاد بعدها للاختباء... ولكن هذه المرة في الزنزانة. وعلى الرغم من أن الأسباب المعلنة لتوقيفه لا تتعلق بتسريبات «ويكيليكس»، بل بتهم اغتصاب امرأتين في السويد، فقد أكد محاميه أن القضية التي رفعت ضده في استوكهولم، تحركها أهداف سياسية. وفور صدور القرار البريطاني بإبقائه قيد الاعتقال، علق وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس، على خبر اعتقاله، ووصفه بأنه «خبر سار»، عندما سأله صحافيون أميركيون يرافقونه في رحلة إلى أفغانستان عن رد فعله.

ورفض القاضي هاورد ريدل إطلاق سراح أسانج بكفالة، على الرغم من تقدم 5 أشخاص لكفالته، بينهم نافذون في المجتمع البريطاني، مثل جميما خان، شقيقة النائب عن حزب المحافظين زاك غولدسميث، والصحافي المعروف جون بيلغر، والمخرج السينمائي كين لوتش. وقرر القاضي إبقاءه قيد الاعتقال حتى يوم الثلاثاء المقبل، أي في الرابع عشر من الشهر الحالي، حيث ستنعقد جلسة جديدة للبحث في تسلميه إلى السويد.

ووصل أسانج إلى مركز للشرطة في لندن في التاسعة والنصف صباح أمس، ليسلم نفسه طواعية، بعد أن أبلغت شرطة «سكوتلانديارد» محاميه بأنها تلقت الأوراق الصحيحة لمذكرة التوقيف الأوروبية الصادرة بحق من السويد، بتهمة اغتصاب امرأتين. وقد منعت أسباب تقنية تتعلق بخطأ في ملء الأوراق، بتأخير اعتقاله حتى الآن.

ونقل أسانج بسيارة شرطة بدت مدنية، إلى مقر المحكمة في ويست مينيستر، وسط لندن، في نحو الواحدة بعد الظهر، ليمثل أمام القاضي بعد نحو ساعة. واقتصرت الجلسة التي عقدت أمس على الشكليات، وبحث إطلاق سراحه بكفالة أو إبقائه قيد الاعتقال ريثما يتم التوصل لقرار بشأن الاستجابة لمطلب السويد بتسليمه لها. وبرر القاضي رفضه إطلاق سراح أسانج بكفالة، بأنه غير واثق من أن مؤسس «ويكيليكس» قد يعيد تسليم نفسه مرة جديدة، وقال: «هذه ادعاءات خطيرة ضد شخص لديه ارتباطات اجتماعية ضعيفة نسبيا في هذا البلد، والقدرة والوسائل للفرار». وقبل إصدار قراره، سأل القاضي أسانج: «هل تعلم أنه يمكنك الموافقة على تسليم نفسك للسويد؟»، فرد مؤسس «ويكيليكس» بالقول: «نعم أفهم، ولكن لا أوافق».

ووصف محامي أسانج، مارك ستيفنز، لدى خروجه من قاعة المحكمة، قرار إبقائه قيد الاعتقال بـ«الأمر المؤسف»، وقال إن «الكثيرين داخل قاعة المحكمة، من بينهم رجال شرطة سمعتهم، أبدوا تعجبهم من عدم الموافقة على إطلاقه بكفالة». ولكنه أصر على أن معنويات موكله جيدة وأن «ويكيليكس» سيستمر في العمل من دون أن يتأثر بتوقيف مؤسسه. وأكد أنه سيتقدم بطلب جديد لإطلاق سراحه بكفالة، إما لدى المحكمة العليا في لندن أو لدى المحكمة نفسها. ومن المتوقع أن يتقدم اليوم بالطلب، بعد أن يقرر لدى أي محكمة سيودع الطلب.

ووصف ستيفنز ما يتعرض له أسانج بأنه «غريب»، وقال: «نحن في وضع غريب، لأننا لم نر أيا من الأدلة التي يتهم بها أسانج، ولذلك لا يمكن أن ندافع عنه بعد. لقد سمعنا القاضي يقول إنه يتمنى لو يرى الأدلة بنفسه». ويشكو محامو أسانج من أن الادعاء السويدي لم يبلغهم الاتهامات المقدمة ضد أسانج باللغة الإنجليزية، مما يتعارض مع قانون الاتحاد الأوروبي.

وفي وقت أبدى فيه ستيفنز ثقته في القضاء البريطاني، لم يتردد في مهاجمة القضاء السويدي واتهامه بأنه يلعب لعبة سياسية. وقال: «هذه المذكرات التوقيفية تأتي في وقت يثير العجب، بعد أسبوع من بدء نشر الوثائق... القانون البريطاني قوي كفاية لكي لا يدع السياسة تتدخل، وقضاتنا والمدعون العامون لدينا عادلون. ولكن أتمنى لو يمكنني أن أقول الأمر نفسه عن القضاء السويدي...». وأضاف ردا على سؤال حول الوضع النفسي لأسانج: «جوليان يفضل ألا يكون هنا الليلة، ولكن نأمل أن تتمكن العدالة البريطانية من إصدار قرار بعدم إرساله إلى السويد ليخضع للاضطهاد وليس للمحاكمة».

وردت أمس المدعي العام في السويد ماريان ناي، على الاتهامات التي وجهها ستيفنز للقضاء السويدي بالخضوع لضغوط سياسية. وقالت في مؤتمر صحافي عقدته، كما جاء في مقتطفات نشرت على الموقع الإلكتروني للادعاء العام، بالإنجليزية، بأن القضية تتعلق بأسانج كشخص، وليس بسبب ارتباطه بموقع «ويكيليكس». وقالت: «أود أن أوضح أنه لم يحصل بأي شكل من الأشكال أي ضغط سياسي، لكي أتخذ قراري. أنا أتصرف بصفتي مدعيا عاما بناء على شكوك بوجود جرائم جنسية حصلت في السويد في أغسطس (آب) الماضي». وأكدت أن المدعين العامين في السويد «مستقلون تماما في قراراتهم».

وعلقت على خبر اعتقال أسانج، وقالت: «فضلا عن التوقيف، فلم يحصل جديد في التحقيق، ولكن التحقيق شرط أساسي لاستكمال التحقيق». وأضافت: «لا يمكنني أن أعطي معلومات عن الخطوة التالية، لأن الأمور في الوقت الحالي بيد السلطات البريطانية». وكانت ناي قد قالت لـ«الشرق الأوسط» لدى إصدارها مذكرة التوقيف، إن التحقيق وصل إلى مكان لم يعد بإمكانه الإكمال من دون الحديث إلى أسانج، وإن مذكرة التوقيف أصدرت لهذا السبب.

وكان مدع عام آخر في السويد قد أصدر مذكرة توقيف أول مرة بحق أسانج بتهم اغتصاب المرأتين، قبل أن تسحب بعد ساعات قليلة بسبب عدم توفر أدلة كافية لإدانته. إلا أن القضية عادت وفتحت مرة جديدة بعد بضعة أشهر، بعد نقلها إلى مدع عام آخر.

ويخشى أسانج أن يؤدي تسليمه إلى السويد إلى تسهيل تسلميه إلى الولايات المتحدة، حيث يبني المدعي العام الأميركي إريك هولدر قضية ضده، لمحاكمته بتهم تحت بند الجاسوسية. وترتبط السويد والولايات المتحدة باتفاقية تسليم متهمين منذ عام 1960. ويقول خبراء قانونيون إنه سيكون من الصعب مواجهة مذكرة التوقيف الأوروبية التي صدرت من السويد، باستثناء في حالات الضعف الجسدي أو النفسي. ولكن تسليمه إلى السويد قد يأخذ أسابيع لأنه يمكن لأسانج أن يستأنف القرار.

وفي وقت يقبع فيه أسانج في سجن بلندن في انتظار إصدار قرار بتسليمه من عدمه إلى السويد الأسبوع المقبل، يبدو أن الحلقة تغلق عليه. فقد أعلنت شركة «فيزا»، بعد شركة «ماستر كارد» وقف تحويل أموال التبرعات إلى موقع «ويكيليكس» بسبب «خرقه لقواعد التشغيل». وقالت شركة «فيزا» في بيان، بحسب وكالة «أسوشييتد برس»: «اتخذنا خطوات لوقف تحويل الأموال إلى موقع (ويكيليكس) للتحقيق في طبيعة العمل، وما إذا كان يتناسب مع قواعد التشغيل الخاصة بنا».

وكانت شركة «ماستر كارد» قد أصدرت قبل يوم بيانا مشابها، وقالت إنها علقت كل التحويلات «لغاية حل المشكلة». ويعتمد موقع «ويكيليكس» على التبرعات لكي يستمر في العمل. وجاء ذلك بعد أن أعلن خدمة «باي بال» الشعبية للتحويلات عبر الإنترنت، وقف تعاملها مع «ويكيليكس». كذلك أعلنت السلطات السويسرية إغلاق حسابات أسانج المالية يوم الاثنين، وجمدت عشرات آلاف اليوروات، بحسب محاميه. ولكن لا يزال الموقع يتلقى تبرعات عبر مصرفين في آيسلندا وألمانيا، إضافة إلى عنوان بريدي في ملبورن.

ويبدو الموقع مصرا على عدم التوقف عن العمل، على الرغم من الهجمات التي يتعرض لها. وقد فتح مئات المواقع «المرايا»، كما سماها، يمكن دخول «ويكيليكس» من خلالها. وحرص الموقع على إرسال رسالة صغيرة على موقعه في «تويتر»، يشجع على تقديم المزيد من التبرعات «لإبقائنا أقوياء». ولكن إلى متى سيتمكن «ويكيليكس» وصاحبه أسانج من المواجهة؟ وهل يكون اعتقاله أمس بداية النهاية؟