أوباما يدافع عن توصله لتسوية اضطرارية مع خصومه الجمهوريين

بعد موافقته على تمديد إعفاء ضريبي يفيد الأغنياء وكان أقر في عهد بوش

TT

بعد أسابيع من النقاش، توصل الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى اتفاق تنازلي مع الجمهوريين حول إعفاءات ضريبية تؤثر على جميع الأميركيين. وعلى الرغم من أن أوباما كان أعلن رغبته في رفع الإعفاءات الضريبية عن أغنى الأميركيين من أجل كسب مزيد من الأموال للميزانية الأميركية، فإنه فشل في تحقيق ذلك واضطر إلى النزول عند متطلبات الحزب الجمهوري الذي يعيش فترة انتعاش بعد استرجاعه مجلس النواب خلال انتخابات الشهر الماضي.

وأثارت تسويات أوباما مع الجمهوريين، لا سيما في موضوع الإعفاءات الضريبية، انتقادات قاسية بحقه في صفوف معسكره وكشفت عن ضعفه مع تقلص هامش المناورة الذي يملكه. وبعد ساعات من المشاورات مع مستشاريه، ظهر أوباما مساء أول من أمس أمام الصحافيين ليعلن موافقته على تسوية فرضها الجمهوريون حول مسألة الضرائب تقضي بتمديد إعفاءات ضريبية أقرها الرئيس السابق جورج بوش لكل دافعي الضرائب الأميركيين لمدة عامين، لقاء الموافقة على تمديد مساعدات البطالة التي تقدم لمليوني عاطل عن العمل. وانتهت مدة تلك المساعدات في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بعد رفض الجمهوريين لها في أعقاب فوزهم في الانتخابات التشريعية النصفية على الرغم من أن اللجان الجديدة في دورة الكونغرس المقبلة لن تبدأ في الاجتماع قبل مطلع يناير (كانون الثاني) المقبل.

وقال أوباما: «ليس هناك شك في أن الاختلافات بين الحزبين حقيقية وشديدة، ومنذ بداية عملي للوصول إلى الرئاسة، قلت إن علينا تمديد الإعفاءات الضريبية للطبقة الوسطى. فهؤلاء هم الأميركيون الذي تعرضوا لأكبر ضربة ليس فقط من الركود ولكن أيضا من التكاليف التي تصاعدت بينما بقيت رواتبهم كما هي». وفي رسالة موجهة إلى مناصريه، قال أوباما: «سيكون ظلما كبيرا السماح بارتفاع الضرائب لهؤلاء الأميركيين الآن». وحرص أوباما على إظهار الفرق بين موقفه وموقف الجمهوريين، قائلا: «الجمهوريون لديهم رأي مختلف، يؤمنون بأن نضع إعفاءات ضريبية دائمة لأغنى مجموعة تمثل 2 في المائة من الأميركيين، وأنا أعارض ذلك كليا». وأضاف: «تمديد دائم لهذه الإعفاءات الضريبية سيكلفنا 700 مليار دولار في وقت يتعين علينا التركيز على تخفيض عجزنا».

وبحسب الإحصاءات التي نشرها البيت الأبيض، فإن معدل زيادة الضرائب على الأميركيين في حال عدم التوصل إلى اتفاق لتمديد الإعفاءات ستكون قيمتها 3 آلاف دولار للعائلة الأميركية.

واعتبر بعض الديمقراطيين موقف الرئيس استسلاما، معربين عن معارضتهم له. وقال نائب نيويورك من الحزب الديمقراطي أنتوني وينر: «لماذا علينا أن نكون دوما في موقف الدفاع؟ فلنتواجه في الميدان». واعتبر السيناتور المستقل عن فرمونت بيرني ساندرز الذي يعتبر يساريا أن تمديد الإعفاءات الضريبية للطبقة العليا في البلاد «كارثة كبرى وإهانة إلى أكثرية واسعة من الأميركيين»، فيما تلا رئيس الأكثرية الديمقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد بيانا باردا اكتفى بسرد الوقائع.

يذكر أن التسوية التي توصل إليها أوباما مع الجمهوريين هي تمديد الإعفاءات الضريبية لمدة عامين، بدلا من تمديدها بشكل دائم، مما يؤكد جعل هذه القضية من أبرز قضايا الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2012. وحذر أوباما من أن الشعب الأميركي لم ينتخبه «لخوض معارك رمزية أو الفوز بمعارك رمزية»، مؤكدا أن الأمر الأهم هو ما يحصل عليه الأميركيون في رواتبهم بداية العام المقبل.

وأثار اقتراح أوباما في 30 نوفمبر الماضي بتجميد رواتب أصحاب الوظائف الرسمية الفيدرالية استياء اليسار الديمقراطي بسبب مغزاه الرمزي حيال وضع المالية العامة. ومهد أوباما الطريق عبر الإقرار بأنه لن يحقق «100 في المائة» مما يرغب بعد تأكيده في الأسابيع الأخيرة أنه لن يجيز للأكثر ثراء بمواصلة الاستفادة من إعفاءات تفاقم عجز الموازنة الحاد أصلا.

وشدد أوباما مساء أول من أمس على أهمية حصوله على تمديد مساعدات البطالة لمدة 13 شهرا التي انتزعها من الجمهوريين. وأكد البيت الأبيض أن الاقتصاد برمته كان ليعاني من دونها، وهي حجة قائمة بحسب المحلل السياسي جيفري كوهين من جامعة فوردام. وقال هذا المحلل لوكالة الصحافة الفرنسية: «أحد الأسباب التي ينبغي من أجلها أن يحصل أوباما بأي شكل كان (على تمديد) المساعدات الضريبية للطبقة الوسطى ومساعدات البطالة هو أن هؤلاء يمثلون شريحة محورية لإنعاش الاقتصاد».

ولكن هذا لا ينفي وجود حسابات سياسية في المعادلة. ففرص إعادة انتخاب أوباما عام 2012 ستعزز مع انتعاش الاقتصاد وكل شهر يشهد تحسنا يحدث فرقا، بحسب كوهين. ولكن أوباما الذي شهد باعترافه «ضربة» في انتخابات 2 نوفمبر بات يحرز نسبة شعبية أدنى من 50 في المائة، إضافة إلى ارتفاع نسبة البطالة في نوفمبر، مما يجعله رئيسا ضعيفا الآن، بحسب المحلل.

إلا أن الخبير في معهد «بروكينغز» في واشنطن توماس مان، لفت إلى أن «موقع أوباما التفاوضي ضعيف جدا»، نظرا إلى تضامن الجمهوريين. وقال إن الرئيس «يبذل جهودا لتحقيق أهدافه في الكونغرس في الجلسة الأخيرة لهذا العام قبل أن يجد نفسه في وضع أسوأ عند بدء الكونغرس الجديد مهامه».