مفاوضات السلام تدخل «نفقا».. بعد اعلان واشنطن فشل وقف الاستيطان

شعور بالانتصار في إسرائيل وخيبة أمل فلسطينية.. عريقات لـ الشرق الأوسط»: الأهم التوجه لمجلس الأمن * الخارجية الأميركية لـ الشرق الأوسط»: هدفنا الحل النهائي

عامل فلسطيني في إحدى المنشآت الجديدة بإحدى المستوطنات القريبة من القدس (رويترز)
TT

دخلت عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين في أزمة عميقة أمس، بعدما تراجعت الولايات المتحدة عن مطالبتها إسرائيل بوقف الاستيطان تمهيدا للعودة إلى طاولة المفاوضات، وهو ما يمثل أيضا انتكاسة في السياسة الخارجية الأميركية، إذ كان ذلك مطلبا أيضا للرئيس الأميركي باراك أوباما وليس للفلسطينيين وحسب. وفيما يسود شعور بالانتصار في إسرائيل ويتباهى المستوطنون بإخضاع أميركا، سادت خيبة أمل فلسطينية، عبر عنها الرئيس محمود عباس بقوله إن مفاوضات السلام تمر بـ«أزمة صعبة»، فيما قال كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات لـ«الشرق الأوسط»، إن الخيار الأهم الآن هو التوجه لمجلس الأمن.

وبعد أشهر من المحاولات الأميركية لإقناع الإسرائيليين بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية من أجل استئناف المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين، قررت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما التخلي عن هذه الجهود. وتعتبر هذه الخطوة هزيمة جديدة للإدارة الأميركية التي اضطرت إلى التراجع مسبقا عن مطالبها لتجميد كلي للاستيطان لتطالب حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتجميد مؤقت لمدة 90 يوما فقط للسماح بإنجاح المفاوضات المباشرة. ولكن عروضا مع 3 مليارات دولار من الدعم العسكري والتعهد بعدم مطالبة جديدة بتجميد الاستيطان لم تكن كافية لإقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مما دفع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما للتخلي عن هذه الجهود وإعادة التركيز على قضايا الحل النهائي. وقال مسؤول في الخارجية الأميركية: «لقد قررنا أن تمديد تجميد الاستيطان لن يزودنا بأرضية صلبة لاستئناف مفاوضات مباشرة مستدامة وذات معنى». وأضاف المسؤول لـ«الشرق الأوسط»: «نبقى مركزين على هدف التوصل إلى إطار اتفاق حول قضايا الحل الدائم ونواصل الإيمان بأن المفاوضات المباشرة ضرورية للتوصل إلى مثل هذا الاتفاق». وأوضح المسؤول أن القضايا التي أثيرت خلال المشاورات مع الإسرائيليين حول التجميد المؤقت أظهرت عوائق الاعتماد على التجميد المؤقت، مثل التوقعات من هذا التجميد ومدى فعاليته وماذا يحدث بعد انتهاء الـ90 يوما. ولفترة ما، أصبحت قضية الاستيطان هي الأبرز في عملية المفاوضات المباشرة وأخذت تتصدر اجتماعات الإسرائيليين والأميركيين، ولكن من دون جدوى. وأبلغت واشنطن قرارها للإسرائيليين والفلسطينيين، أول من أمس، مع التشديد على أنها لم تتخل عن جهود التوصل إلى اتفاق سلام بينهما. وتشدد مصادر أميركية على أن الهدف الآن هو النظر في قضايا الحل النهائي، مؤكدة أن الجهود ستتواصل بكثافة خلال الأيام والأسابيع المقبلة. ومن المتوقع أن تكون قضية الحدود على رأس الجهود الجديدة، التي اعتبرت جهات عربية وأميركية أنها تلقائيا ستحل موضوع الاستيطان. وستكون الخطوة المقبلة في جهود استئناف المفاوضات إعادة تأكيد واشنطن على التزامها بعملية السلام. وتلقي وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خطابا رئيسيا في اجتماع معهد «بروكينغز» حول العلاقات الأميركية - الإسرائيلية يوم غد. وسيكون هذا الاجتماع، الذي يشارك فيه فياض وباراك، بمثابة فرصة لجمع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بعد تعليق المفاوضات منذ سبتمبر (أيلول) الماضي. ومن المتوقع أن يكون خطاب كلينتون فرصة لتوضيح الموقف الأميركي الذي بات متخبطا بعد فشل كلينتون في إقناع نتنياهو بتجميد الاستيطان أو دفع عملية المفاوضات إلى الأمام. ووصف الرئيس الفلسطيني من أثينا الموقف بالصعب، وقال إثر لقاء مع رئيس الوزراء اليوناني جورج باباندريو: «لا شك أن هناك أزمة، أزمة صعبة». وتحدث أبو مازن عن ضرورة مشاركة الاتحاد الأوروبي في عملية السلام لإتاحة استئناف المفاوضات. وقرر أبو مازن بحث الموقف مع قادة الدول العربية، وسيلتقي اليوم في القاهرة الرئيس المصري حسني مبارك، ثم ينطلق للقاء الملك الأردني عبد الله الثاني، على أن يلتقي بعدها المسؤولين القطريين في قطر، أو يجري معهم اتصالات من عمان لتنسيق المواقف في لجنة المتابعة العربية، لاتخاذ الخطوة القادمة.

وعلى الأرجح فإن رئيس الوفد الفلسطيني المفاوض صائب عريقات، سيطير إلى واشنطن حاملا الموقف الفلسطيني المعروف سلفا، بعد موافقة الدول العربية على ذلك، «لا مفاوضات دون وقف الاستيطان». وطبعا لن يلتقي كبير المفاوضين هناك بالمسؤولين الإسرائيليين الذين وجهت لهم دعوة مماثلة للحضور إلى واشنطن، علما بأن مبعوث رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق مولخو موجود حاليا في واشنطن لنفس الغرض.

وقال عريقات لـ«الشرق الأوسط»: «تقرر دعوة لجنة المتابعة العربية للاجتماع، ولدى عودة الرئيس (إلى الضفة) سيتم عقد اجتماعات أخرى للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومركزية فتح من أجل اتخاذ موقف». وأوضح عريقات أن أحد أهم الخيارات المطروحة بقوة الآن هو التوجه إلى مجلس الأمن، لكن مصادر فلسطينية أخرى أكدت لـ«الشرق الأوسط»، أن ذلك منوط بمدى استعداد الدول العربية لدفع هذا الخيار. واتهم عريقات نتنياهو بإفشال المساعي الأميركية، وقال إنه نجح في ذلك دون شك. وطالب عريقات واشنطن بتحميل إسرائيل المسؤولية بشكل صريح عن إفشال عملية السلام وإطلاق المفاوضات. كما طالب عريقات جميع «أولئك الذين ينادون بحماية خيار الدولتين، للاعتراف بالدولة الفلسطينية». أما بشأن زيارته لواشنطن فقال إن قرارا نهائيا لم يتخذ بهذا. ويعكس حديث عريقات غضب الفلسطينيين من فشل مساعي الولايات المتحدة وخيبة أملهم من امتناعها عن تحميل إسرائيل مسؤولية إفشال جهودها. وردا على سؤال حول إذا ما كانت السلطة مستعدة للدخول في مفاوضات حول قضايا الوضع النهائي فورا، وفق الخطة الأميركية الجديدة، قال عريقات: «إسرائيل اختارت الاستيطان على السلام». وأوضحت مصادر فلسطينية لـ«الشرق الأوسط» أن السلطة لن توافق على الدخول في أي مفاوضات دون وقف الاستيطان، باعتبار أنها لا تريد مزيدا من التجارب الفاشلة. ويشكك الفلسطينيون في قدرة الولايات المتحدة على تحقيق السلام، وتزايدت هذه الشكوك بعد فشل جهودها بإلزام إسرائيل بتجميد مؤقت للاستيطان.

وقال ياسر عبد ربه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية لإذاعة «صوت فلسطين»، أمس: «من لا يستطيع أن يقنع أو يجعل إسرائيل تتوقف عن الاستيطان لفترة محدودة من أجل إجراء مفاوضات جادة، كيف سيكون بمقدوره جعل إسرائيل تقبل بحل متوازن على أساس الشرعية الدولية.. حل الدولتين على قاعدة، أو انطلاقا من، حدود 67؟». ومن جهتها، اعتبرت حماس أن «قرار واشنطن إقرار بفشل عملية التسوية وشرعنة غير مباشرة لاستمرار الاستيطان».

من جهته، حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمس، التنصل من مسؤولية القرار الأميركي بإلغاء المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية المباشرة عن كاهله، وإلقائها على الجانب الفلسطيني. وحرص نتنياهو على تأكيد أن إسرائيل مصممة على «مواصلة الجهود للتوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين ينهي الصراع بين الشعبين». وقال في بيان لحكومته، أمس: «نؤمن بأننا نستطيع أن نصل إلى مرحلة ينعم فيها الفلسطينيون بسيادة وبنفس الوقت نحافظ على مصالحنا السياسية والأمنية».

لكن مسؤولين سياسيين في واشنطن تحدثوا مؤخرا مع شخصيات إسرائيلية، فقالوا إن الإدارة الأميركية مصابة بخيبة أمل من الطرفين. ونتيجة لنشاط الفلسطينيين الدولي الناجح لتجنيد اعتراف دولي بدولة فلسطينية في حدود 1967، على طريقة البرازيل والأرجنتين وألبيرو. فالأميركيون يخشون من رد فعل إسرائيلي أحادي الجانب ينسف عملية السلام في هذه المرحلة.