وزيرة العمل في حكومة إقليم كردستان: معايير حقوق الإنسان تتحسن في سجوننا

آسوس نجيب عبد الله لـ«الشرق الأوسط»: مشكلة العنف ضد المرأة تؤرقنا

آسوس نجيب عبد الله وزيرة العمل في حكومة إقليم كردستان
TT

هي المرأة الوحيدة في التشكيلة السادسة لحكومة إقليم كردستان، ولكن نشاطها يوازي عمل عدة وزارات بالحكومة على الرغم من أن وزارة العمل في الحكومات العراقية المتعاقبة، وكذلك حكومة الإقليم كانت وزارة هامشية، لكنها تحولت على يد آسوس نجيب عبد الله إلى خلية نحل، تمسك وزيرتها بالكثير من أهم الملفات المتعلقة بحياة المواطنين في كردستان، ملف العمال وقانونهم، والضمان الاجتماعي وتعديلاته، ومشكلة البطالة وتداعياتها، حقوق الإنسان في السجون ومعاييرها، ورعاية الأطفال والمسنين والأرامل واحتياجاتهم، وأخيرا المشكلة التي تؤكد أنها تؤرقها دائما، وهي العنف ضد المرأة.

وقدمت الوزيرة آسوس الحاصلة على شهادة الماجستير في القانون العام عرضا مسهبا عن نشاطات وزارتها خلال السنة الأولى من عمرها، حددت أولوياتها بالتركيز على رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، وتقول في هذا الصدد في حوار مع «الشرق الأوسط»: «إن وضع ذوي الاحتياجات الخاصة يحتل أولوية اهتماماتنا، وعملنا خلال الفترة الأخيرة على رفع منحهم الشهرية إلى حدود 150 ألف دينار، ولدينا مشروع قانون قدمناه إلى الحكومة، يتعلق بضمان حقوقهم ومنحهم امتيازات كثيرة، مثل تخصيص مقاعد دراسية لهم في الجامعات والمعاهد، وتخصيص جزء من مشاريع الإسكان لهم، فهذه الشريحة تستحق منا كل الدعم والمساعدة لضمان ممارسة حياتهم بصورة طبيعية، ونعتقد أن بينهم من يتملك قدرات وكفاءات عالية على الرغم من الإعاقة، ومنهم المكفوفون الذين نعمل حاليا على استيراد مطبعة خاصة بطريقة (برايل)، لهم لتمكينهم من التواصل مع تطورات العصر وحصولهم على المعلومات الضرورية لتنمية مواهبهم وقدراتهم».

وحول اهتمام الوزارة بوضع المرأة وما تواجهه من مظاهر العنف الأسري، أشارت وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية إلى «أن أوضاع المرأة تحتل جانبا مهما من اهتمامات الوزارة، ومشكلتها مع العنف مشكلة تؤرقني دائما، لذلك أسعى إلى تخصيص جزء كبير من أوقاتي لمعالجة هذه المشكلة، التي أعتبرها مشكلة المجتمع ككل، ولكن ينبغي أن نعترف بأن المشكلة ليست بهذا الحجم الكبير الذي يوصف من قبل وسائل الإعلام المختلفة، فعندما ذهبت إلى فنلندا وأردت الاطلاع على النظام المعتمد لديهم لإدارة مراكز إيواء النساء، ذهلت عندما أبلغت من قبل مسؤولي الحكومة هناك بعدم وجود مثل هذا النظام، وطلبوا مني تزويدهم بنسخة من النظام الإداري في حال اعتماده من وزارتنا لإدارة تلك المراكز، كما فوجئت بأن عدد حالات العنف المسجلة، سواء في فنلندا أو في فرنسا، تفوق بكثير الحالات الموثقة لدينا رسميا، طبعا مع الفارق في الدوافع، فهنا ترتكب الجرائم ويمارس العنف على خلفية مسائل الشرف والعادات الاجتماعية، وهناك ترتكب بفعل الإدمان على المخدرات وغيرها من الأمراض النفسية، ولكن في الحالتين فإن العنف هو العنف، والقتل هو القتل، وبناء على ذلك فإن الأرقام التي توردها بعض المنظمات ووسائل الإعلام الدولية حول وضع المرأة وتعرضها للعنف في كردستان مبالغ فيها كثيرا، لقد كانت أطروحتي لشهادة الماجستير تتعلق بجرائم القتل والتحقيقات الجارية بشأنها، وبحكم انكبابي على تلك الدراسة حصلت على الكثير من الإحصاءات الميدانية المعتمدة، ووجدت أن النسبة في تراجع مستمر منذ عدة سنوات، اليوم هناك مجلس أعلى للمرأة يترأسه رئيس الحكومة، ويضم الكثير من الوزراء، وهذا في حد ذاته يعتبر مؤشرا على مدى اهتمام حكومة الإقليم بوضع المرأة ومكافحة العنف الممارس ضدها، كما أن هناك مشروع قانون معروضا على البرلمان الكردستاني لحماية الأسرة، على كل حال نشعر بأن المرأة بدورها بدأت تتحرك في هذا الاتجاه، ففي السابق كان هناك خوف من الإبلاغ عن ممارسات العنف الأسري، ولكن اليوم نجد كما هائلا من الشكاوى في مراكز الشرطة والدوائر المعنية بمكافحة العنف، وهذا دليل على نشوء وعي لدى النساء بحقوقهن الإنسانية وثقتهن في إجراءات الحكومة للدفاع عنهن».

وتربط الوزيرة آسوس أسباب العنف بعدة عوامل تحددها بالقول: «نحن نعيش في مجتمع ذكوري، ولا ننكر وجود العنف الأسري والاجتماعي في مثل هذا المجتمع، ويعزو البعض أسباب العنف وجرائم القتل ضد المرأة إلى عادات وتقاليد اجتماعية، وهذا صحيح، ولكن ليست كل الحالات ناشئة لهذا السبب، فهناك أسباب وعوامل اقتصادية أخرى، إلى جانب التخلف الثقافي في بعض المناطق الريفية، مع ذلك فالحالات في انخفاض مستمر، وقبل أيام جاءنا وفد من منظمة الصحة العالمية، وتحدث إلينا حول وضع المرأة في مصر، وأورد أرقاما كبيرة لممارسات العنف ضد المرأة هناك، لو قارناها مع الأرقام المسجلة هنا سنلحظ فارقا كبيرا جدا، وكما أشرت فهناك انخفاض مستمر في تسجيل الحالات، وهذا يبشر بالخير، ولكننا نحتاج إلى المزيد من الوقت والجهد للقضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة في المجتمع الكردستاني».

وفي إطار الأسرة أيضا تشير الوزيرة إلى «أن هناك مشروعا لتقديم المساعدات للعوانس، ومشروعا آخر لتوفير فرص العمل للخارجات من مراكز الإيواء ومن السجون، وأنشأنا الكثير من معامل الخياطة الصغيرة داخل السجون لتعليم النزيلات الخياطة والحياكة، وتشجيع الأعمال اليدوية، وأنا عن نفسي أشتري جميع هداياي واكسسوارات مكتبي من عمل أيدي هؤلاء النسوة، وأشعر بأنهن اكتسبن خبرة كبيرة وممتازة في بعض الأعمال اليدوية، ولذلك نسعى في الوزارة إلى البحث عن فرص العمل لهن، خاصة بالنسبة للاتي لا تقبل أسرهن استيعابهن بعد خروجهن من السجن، وكذلك نهتم حاليا بوضع المتخرجين من مراكز الرعاية الاجتماعية، فبحسب القانون لا يجوز إبقاء الطفل في تلك المراكز بعد بلوغه سن الرشد، ولذلك نسعى لإيجاد فرص العمل لهم بعد تركهم مراكز الإيواء لكي يتمكنوا من ممارسة حياتهم الطبيعية، ولدينا مشروع واعد في هذا الصدد، وهو تقديم قروض مالية للشباب لكي يؤسسوا لأنفسهم مهنة أو تجارة يتكسبون منها لبناء مستقبلهم».

وتتحدث الوزيرة آسوس عن اهتمامات الوزارة بالأطفال، وتقول: «في البداية أنشأنا خطا ساخنا بإمكان الأطفال أن يتصلوا مباشرة بالوزارة في حال تعرضهم للعنف أو طلبهم حاجة معينة، وفي جانب آخر نعمل على تشريع قانون نسميه قانون (العائلة البديلة)، وهذا القانون يهدف إلى إيجاد أسر بديلة للطفل اليتيم، فالشرع الإسلامي لا يجيز التبني، ولتعويض ذلك نعمل على تشريع قانون يضمن لهؤلاء الأطفال الانتقال إلى وسط أسرة ترعاهم وتوفر لهم البيئة المناسبة للنمو الطبيعي وتكوين الشخصية، وسنقدم، بموجب هذا القانون، مزايا مادية ومعنوية للأسر التي تأوي أحد الأطفال وتتولى رعايته، فنحن نريد أن ينمو الطفل داخل الأسرة بشكل طبيعي، وهنا نحقق هدفا آخر، وهو محاربة عمل الأطفال وتسربهم من المدارس، وهذه مشكلة كبيرة في مجتمعنا العراقي عموما، وفي كردستان خصوصا، ونشعر حاليا بأن الظاهرة آخذة في الانحسار داخل المجتمع الكردي، وأن الأعداد المتبقية من أطفال الشوارع أو العاملين في المهن الحرة هم في أغلبهم أطفال الأسر العراقية الهاربة من العنف في بقية مناطق العراق».

وبسؤالها عن قانون العمل والضمان الاجتماعي للعمال، قالت وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية بحكومة إقليم كردستان: «قانون العمل شرع عام 1987، وهو قانون قديم لم يعد يواكب تطورات العصر، لذلك لدينا مشروع لإصدار قانون عمل جديد يضمن حقوق العمال، خاصة أن تركز العمال اليوم أصبح بشكل أساسي في القطاع الخاص، مما يتطلب وجود قانون عصري يضمن حقوقهم مع أرباب العمل، أما ما يتعلق بقانون الضمان الاجتماعي، فقد أجرينا بعض التعديلات عليه، وبموجب تلك التعديلات أصبح من الممكن للعامل في القطاع الخاص أن تحتسب له الخدمة التي يقضيها في هذا القطاع عند تعيينه في وظيفة حكومية، كما أجرينا تعديلا آخر باعتماد سنوات الخدمة في احتساب الرواتب التقاعدية، حيث إن النظام الحالي يخصص رواتب مقطوعة وموحدة وهذا غبن بالنسبة للكثيرين الذين أمضوا سنوات طويلة في الخدمة، في حين أنهم يتساوون مع الآخرين، ممن لم يخدموا بقدرهم، لذلك حاولنا أن نعتمد سنوات الخدمة في احتساب الرواتب التقاعدية لتحقيق العدالة وإنصاف الذين خدموا أكثر من غيرهم».

وعن إجراءات الوزارة لمكافحة البطالة، قالت: «قدمنا مشروعا إلى رئاسة الحكومة يتضمن تقديم دعم مادي لأصحاب العمل في القطاع الخاص الذين يوظفون العاطلين الشباب وخريجي الجامعات، وستتحمل الحكومة مبلغا قدره 150 ألف دينار من الأجر الشهري للمعين في القطاع الخاص، على أن يتحمل صاحب العمل بقية الراتب، ونخطط حاليا لإيجاد 1800 فرصة عمل للعاطلين، وطلبنا من رئاسة الحكومة زيادة ميزانية هذا المشروع، بإضافة مليون دولار لتوفير المزيد من فرص العمل أمام الشباب».

وحول وضع السجون قالت الوزيرة: «السجون كانت في السابق تعاني الكثير من المشكلات، ونحن في الوزارة حاولنا اعتماد المعايير الدولية لحقوق الإنسان داخل إدارات السجون، باعتبارها مراكز للإصلاح، وليست فقط لتنفيذ العقوبات، والحمد لله هناك تقدم كبير في هذا المجال، ونشعر بذلك من خلال صندوق الشكاوي التي وضعناها داخل السجون، وأحتفظ أنا بمفاتيحها داخل سيارتي، في السابق كنت أتلقى مئات الشكاوى من السجناء، ولكن بعد اتخاذ الكثير من الإجراءات وإشراك المئات من المشرفين على السجون في دورات تثقيفية لحقوق الإنسان، صدقني بالكاد أتلقى شكوى من سجين، حتى إن السجانين وموظفي السجون يتناولون نفس طعام السجناء، وهذا دليل على تحسن نوعية الطعام المقدم إليهم، المشكلة الوحيدة التي نعاني منها حاليا هي عدم وجود سجون بمواصفات عالمية، حيث إن معظمها شيد في العقود السابقة، وعلى الرغم من أننا أجرينا ترميمات وإصلاحات كثيرة في المباني، فإننا نحتاج إلى سجون جديدة وبمواصفات عالمية، ولذلك خصصنا في الميزانية مبلغ 48 مليون دولار، لبناء سجن كبير ونموذجي في أربيل تتحقق فيه جميع المواصفات المعتمدة في الدول الأخرى، ووضعنا حجر الأساس لسجن مماثل في السليمانية أيضا، وعلى العموم فأنا راضية عن المشرفين على سجوننا، وأؤكد أنه لم تعد هناك أي أساليب للتعذيب أو الضغط على السجناء، وأن سجوننا أصبحت تعتمد المعايير الإنسانية كمراكز لإعادة التأهيل وإصلاح الفرد، وهذا هو المبدأ والهدف الأساسي لوزارتنا».