بريطانيا تدخل حقبة المظاهرات.. والشرطة أمام تحديات جديدة

لندن ما بعد المظاهرات: قصص عن تعدي الطلاب على الأملاك العامة وتعدي الشرطة على الطلاب

TT

صورة واحدة من بين عشرات الصور التي التقطت يوم مظاهرات الطلاب في بريطانيا قبل يومين، أثارت غضبا كبيرا لدى كل فئات المجتمع تقريبا. هذه الصورة ليست تلك التي تبدو فيها زوجة الأمير تشارلز، كاميلا، مذعورة أمام اعتداء المتظاهرين على موكبها. بل كانت تلك التي بدا فيها شاب ذو شعر أسود طويل، يتدلى على علم رفع على نصب تذكاري في وسط لندن. النصب هو لتكريم ذكرى الجنود البريطانيين الذين قتلوا في الحربين العالميتين، وحفر عليه: «القتلى الممجدون».

كانت صورة «تدنيس» النصب الذي يكرم ذكرى مئات آلاف الأبطال الذين قتلوا في سبيل الدفاع عن بلادهم، كافية لكي تشعل حملة غضب ضد الشاب، تقودها الصحف اليمينية. ولكن هويته هي التي كانت السبب في إثارة استياء أكبر. فقد تبين أنه شاب ينتمي إلى الطبقة العليا في المجتمع. فهو ابن الموسيقار الشهير ديفيد غيلمور الذي يعزف مع بينك فلويد، ويعتبر من أثرياء البلاد. كما أن الشاب الذي يدعى تشارلي، هو خريج جامعة كامبريدج، إحدى أرقى الجامعات البريطانية، مما يعني أنه يُتوقع منه أن يعرف قيمة النصب لدى البريطانيين.

ورغم اعتذار تشارلي «العميق» على فعلته، فإن الصحف اليمينية خصوصا، لم تبد أي تعاطف معه، بل إن اعترافه بأنه «لم يعرف أن النصب كان لقتلى الحرب»، زاد من النقمة عليه. وقال ابن الموسيقار الشهير إنه «يأسف للإهانة الهائلة التي تسبب بها لآلاف الأشخاص الذين قتلوا بشجاعة لأجل بلادنا». وأضاف: «لو علمت ما هو النصب، لما كنت فعلت ما فعلت، لا أشعر بشيء إلا الخجل..». وكتبت صحيفة الـ«ديلي تيلغراف» قصة كاملة عن غيلمور تحت عنوان «ليس بحاجة إلى تعليم، وإنما فقط لدرس في الاحترام». وذكرت الصحيفة في القصة أن غيلمور انضم إلى المتظاهرين الذين يعترضون على رفع أقساط الجامعات، رغم أنه لن يتأثر بهذا التعديل بسبب ثراء والده.

ولكن قصة غيلمور، ليست إلا مثالا على كيفية تحول قصة رفع أقساط الجامعات إلى قصص أخرى تفرعت عن هذا اليوم، تتعلق بالعنف وإلحاق الأضرار بالأملاك العامة، وتدنيس ما يعتبر من المحرمات. ولكن إذا كانت الصحف اليمينية قد ركزت على «شغب» الطلاب والمتظاهرين، فقد بدا أن الصحف اليسارية، خصوصا الـ«غارديان» والـ«إندبندنت» قد ركزت تغطيتها على «عنف» رجال الشرطة في التعاطي مع الطلاب.

فكتبت الـ«غارديان» مثلا قصة عن شاب في العشرين من عمره، تعرض لضربة على رأسه بعصا من شرطي خلال المظاهرة، تسببت له بنزيف على دماغه. وأدخل الشاب الذي يدعى ألفي ميدو، المستشفى حيث خضع لعملية في دماغه أمس استمرت 3 ساعات. وأحالت الشرطة الحادث إلى التحقيق لدى لجنة مستقلة تبحث في شكاوى ضد الشرطة. وكان ميدو واحدا من 43 متظاهرا، و6 رجال شرطة، نقلوا إلى المستشفيات نتيجة مظاهرات يوم الخميس الماضي.

وروت والدة ألفي التي كانت تشارك في المظاهرة إلى جانب ابنها، ولكن كانت في مكان آخر لدى وقوع الحادث، كيف اتصل بها ابنها يشكو من تعرضه لضربة قوية على رأسه وأنه كان ينزف. قال لها إن شرطيا ضربه بعصا على رأسه عندما كان يحاول مغادرة البقعة التي احتجز فيها مع المتظاهرين الآخرين، لساعات في البرد القارس. وروت والدته أن لدى نقله إلى المستشفى بعد نحو 3 ساعات، أغمي عليه، ولكنه الآن بعد خضوعه للعملية بدأ يتعافى.

وفتحت هذه الأحداث التي وقعت في مظاهرة الطلاب قبل يومين، باب الأسئلة حول الطريقة التي تعتمدها الشرطة للجم المتظاهرين. وفي وقت يتوعد فيه الطلاب بالمزيد من المظاهرات بدءا من الغد، في محاولة أخرى لوقف قانون رفع الأقساط الذي جرى تمريره في مجلس العموم وسيصوت عليه مجلس اللوردات بعد غد، يبدو أن مشاهد العنف وغيرها قد تتكرر. وأمام هذا التحدي الذي يفرضه الطلاب المدعومون من أساتذتهم وأهاليهم، يبدو أن الشرطة هي أيضا أمام تحد لبذل جهد أكبر في حماية الممتلكات العامة، من دون ممارسة القوة القصوى، تحاشيا لوقوع الأسوأ.