إجماع كردي على تأييد حق تقرير المصير وأوساط تركمانية ومسيحية أيضا تدعمه

قيادي صدري يرى أن إعلان بارزاني «يشنج الأوضاع»

مندوبون يحضرون الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام الـ13 للحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل أول من أمس (رويترز)
TT

أكد برهم صالح، رئيس وزراء حكومة إقليم كردستان العراق، أمس، حق أكراد العراق في تقرير مصيرهم، وذلك غداة إعلان رئيس الإقليم مسعود بارزاني أن «المرحلة تنسجم» مع ذلك.

وقال صالح للصحافيين، أثناء مشاركته في المؤتمر العربي العاشر للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية الذي بدأ أعماله أمس في أربيل: «أعتقد أن هناك إجماعا من النواحي القانونية والشرعية على أن يكون للشعب الكردي حق تقرير المصير، حتى عندما رفعنا شعار الفيدرالية ذكرنا وقتها أنه نوع من أنواع التعبير عن حق تقرير المصير». ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن صالح، وهو قيادي بارز في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي جلال طالباني، قوله: «نحن (الأكراد) لم نهمل في أي وقت من الأوقات حق تقرير المصير لشعبنا، وهذا حق طبيعي ودستوري وقانوني لشعب كردستان». كان بارزاني قد طالب، أول من أمس، خلال مؤتمر للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه وبحضور رئيس الجمهورية جلال طالباني ورئيسي مجلس الوزراء نوري المالكي والنواب أسامة النجيفي، بمنح الأكراد حق تقرير المصير.

ورأى صالح أن الدستور العراقي يكفل ذلك، وقال: «في ديباجة الدستور العراقي هناك إشارة إلى رغبات مكونات الشعب العراقي وإن (كانت) وحدة العراق مرتبطة بالالتزام بالدستور العراقي».

وعلى الرغم مما أثاره إعلان بارزاني من ردود فعل متباينة في الأوساط العراقية، فإن الأوساط الكردستانية أجمعت قاطبة على الترحيب وتأييد هذا الإعلان، واشتركت فيه الأحزاب والقوى الكردية والتركمانية والمسيحية والشخصيات السياسية والثقافية والبرلمانية من مختلف الاتجاهات. ففي استطلاع لـ«الشرق الأوسط» لرصد مواقف هذه الأحزاب والشخصيات خلصت إلى وجود دعم شعبي كامل لهذه الخطوة التي اعتبرها البعض خطوة متأخرة نسبيا، بينما يرى الآخرون أن الوقت بات مناسبا لإقرار هذا الحق للشعب الكردي. ورحب القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، حليف حزب بارزاني، سعدي أحمد بيرة، بهذا الإعلان، مؤكدا لـ«الشرق الأوسط» أن الاتحاد الوطني الكردستاني سبق أن رفع هذا الشعار منذ تأسيسه، وقد تم تثبيته كشعار مركزي للحزب إلى جانب شعارات السلام والديمقراطية وحقوق الإنسان، وقد أقرت قيادة الحزب هذا الشعار منذ عام 1985 عندما كان يخوض نضاله الثوري في جبال كردستان، وتم تبنيه كشعار مركزي للحزب في المؤتمر الأول المنعقد في أربيل عام 1992، وعليه فإن الاتحاد الوطني يعتبر هذا الإعلان متسقا مع شعاره وأهدافه؛ لذلك يؤيد بكل قوة إعلان بارزاني بهذا الحق الذي يجمع المجتمع الدولي من خلال مواثيقه وقوانينه على أنه حق شرعي لكل شعوب العالم.

ويقول محمد فرج، عضو قيادة الاتحاد الإسلامي الكردستاني: «نحن كاتحاد إسلامي ثبتنا هذا الحق المشروع للشعب الكردي في منهاج حزبنا منذ المؤتمر الثالث الذي عقد عام 1996، واعتبرناه حقا شرعيا ووطنيا، ونعتقد أن من حق جميع شعوب العالم أن تتمتع بهذا الحق الشرعي».

من جهته، قال السكرتير العام للاتحاد القومي الديمقراطي الكردستاني، غفور مخموري: «قبل سنوات أجري استفتاء شعبي حول هذا الموضوع فصوت 98,5% من المشاركين في الاستفتاء لصالح حق تقرير المصير؛ لذلك فإن خطوة الرئيس بارزاني جاءت في محلها لتثبيت هذا الحق المشروع، فنحن كشعب كردي ألحقنا قسرا بالدولة العراقية أثناء تأسيسها، والآن حان الوقت لنشكل دولتنا المستقلة على أساس هذا الحق مثل سائر شعوب المنطقة».

وأكد قيادي في كتلة التغيير الكردية المعارضة التي يرأسها نوشيروان مصطفى أن «هناك نصا في الدستور العراقي يشير إلى أن العراق يتكون من اتحاد اختياري بين مكوناته، وفي حال تنصلت بقية المكونات عن هذا الدستور فمن حق شعبنا أن يختار مصيره؛ لذلك نعتبر إقرار هذا الحق أمرا طبيعيا ومرحبا به».

أما عضو المكتب السياسي للجماعة الإسلامية في كردستان محمد حكيم، فاعتبر أن «قرار الرئيس بارزاني يستند إلى حق مشروع ومكفول بالقوانين الدولية، وفي مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة؛ لذلك نحن نؤيد هذا القرار على الرغم من أننا نتوقع أن يثير ردود فعل عنيفة لدى الأوساط العربية».

بدوره، قال سكرتير حزب كادحي كردستان بلين عبد الله: «نحن كحزب كادحي كردستان رفعنا هذا الشعار منذ تأسيس حزبنا عام 1985، بل إننا نطالب بدولتنا المستقلة باعتبارها حقا من الحقوق المشروعة التي تقرها المواثيق؛ لذلك من الطبيعي أن نؤيد خطوة الرئيس بارزاني، وندعو إلى تنظيم استفتاء شعبي عام لإقرار هذا الحق كما يجري الآن في جنوب السودان؛ لأن هذا حق طبيعي لنا مثل سائر الشعوب الأخرى».

وانضمت أوساط تركمانية إلى الأحزاب والقوى الكردية في تأييد خطوة بارزاني، ويقول عرفان كركوكي، أمين عام حزب الشعب التركماني الذي يمثل تركمان كركوك: «نحن التركمان جزء من شعب كردستان؛ لذلك نؤيد بكل قوة إعلان رئيس الإقليم مسعود بارزاني بإقرار هذا الحق، فالكرد في كردستان يمتلكون كل المقومات؛ كونهم شعبا متميزا له خصوصياته القومية والتاريخية والجغرافية، ومن حقه أن يتمتع بهذا الحق مثل بقية شعوب الأرض، ونحن من مصلحتنا أن يقر هذا الحق للشعب الكردي لكي نعيش معه في إطار كردستان كما عشنا معه طوال مئات السنين». وعن تركمان أربيل يتحدث البرلماني شيردل تحسين بالقول: «لقد أقر البرلمان الكردستاني النظام الفيدرالي لكردستان العراق، وإعلان السيد الرئيس بارزاني بتثبيت حق تقرير المصير كشعار لحزبه يتوافق مع قرار البرلمان الكردستاني؛ لذلك نحن نؤيده».

إلى ذلك، قال سالم توما، النائب البرلماني عن الحركة الآشورية: «إن الشعب الكردي له الحق كشعب مثل سائر الشعوب الأخرى في المطالبة بهذا الحق المشروع، ومن حقه أن يرسم مستقبله كما يريد، ونحن نعتبر هذا الحق المكفول بالقوانين والمواثيق الدولية حقا مشروعا لجميع شعوب المنطقة، وعليه نؤيد خطوة الرئيس بارزاني ونباركها، ونأمل الخير، كل الخير، للشعب الكردي في اختياراته وتحديد مستقبله». ويعتقد الملا جعفر كواني، المتحدث الرسمي باسم اتحاد علماء مسلمي كردستان، أن «خطوة الرئيس بارزاني خطوة إيجابية ومهمة جدا، على الرغم من أنها جاءت متأخرة بعض الشيء». ويقول: «من حق الشعب الكردي أن يختار مصيره بيده، وعلى الرغم من أننا كمسلمين نتطلع ونتمنى أن تتوحد الأمة الإسلامية وحدة متكاملة، ولكن الواقع الحالي لا يساعد على تأسيس هذه الوحدة، وهناك الكثير من الدول العربية التي تجمعها لغة واحدة ودين واحد وثقافة واحدة، لكنها منقسمة على دول وكيانات مستقلة؛ لذلك من حق الشعب الكردي في ظل هذا الواقع أن يكون له كيانه المستقل أيضا، بل إننا نعترف بهذا الحق لبقية الشعوب الأخرى مثل الترك والفرس وغيرهم؛ لذلك نحن نؤيد، قلبا وقالبا، خطوة الرئيس بارزاني بإعلانه حق تقرير المصير بالنسبة للشعب الكردي، ونعتبره حقا شرعيا لا غبار عليه».

يُذكر أن رئيس المؤتمر الوطني العراقي وعضو التحالف الوطني العراقي أحمد الجلبي قد أدلى بتصريحات صحافية أكد خلالها أن «حق تقرير المصير أقرته قوى المعارضة العراقية منذ مؤتمر فيينا». وقال: «إن مؤتمر المعارضة العراقية المنعقد في العاصمة النمساوية فيينا خلال عام 1992 أقر حق تقرير المصير للشعب الكردي، وإن مطالبة الزعيم الكردي مسعود بارزاني بهذا الحق ليست جديدة، بل أقرته المعارضة العراقية في مؤتمر فيينا». وأضاف: «إن البرلمان الكردستاني أقر أيضا هذا الحق للشعب الكردي».

غير أن إعلان بارزاني قوبل بتحفظ بالغ من جانب شخصيات سياسية عراقية. فقد اعتبر جواد الحسناوي القيادي في التيار الصدري أن تصريحات بارزاني «لا تصب في مصلحة العراق ولا تؤدي إلا إلى تشنج الأوضاع». وأضاف الحسناوي لوكالة الصحافة الفرنسية «عودنا مسعود بارزاني على مثل هذه التصريحات التي لا تصب في مصلحة العراق ولا تؤدي إلا إلى تشنج الأوضاع». وأضاف «أعتقد أن عراقا موحدا (...) هو أفضل بكثير من عراق مجزأ»، مؤكدا أن «المرحلة الحالية لا تتحمل مثل هكذا تصريحات». وأوضح الحسناوي أن «كلمات القادة السياسيين التي أعقبت كلمة بارزاني كانت تدعو إلى الحوار وتسوية الأمور بالطرق التي تخدم العراق». بدورها، قالت النائبة عالية نصيف العضو في ائتلاف العراقية بزعامة إياد علاوي «أعتقد أن حق تقرير المصير يكون للشعوب المحتلة، أما إقليم كردستان فإنه يتمتع بوضع خاص وخصوصية في العراق». وأضافت «نعيب على كل السياسيين الذين كانوا في المؤتمر» عدم الرد على تصريحات بارزاني. وإذ كررت رفضها لمطلب بارزاني تساءلت «هل الفيدرالية التي طالبوا (الأكراد) بها تطبق بتشكيل إقليم ثم المطالبة بالانفصال؟».

من جانبه، قال خالد الأسدي القيادي في ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء المكلف نوري المالكي «بكل تأكيد عملية تقرير المصير جزء من طموح كردي يتحدث الإخوة الأكراد بين فترة وأخرى (عنه) ولكن أعتقد أن الأكراد أكثر حكمة من أن يفرطوا بانجماعهم مع العراق». وأعرب عن عدم قلقه حيال تلك المطالبة قائلا: «أنا غير قلق من التصريحات وأعتبرها جزءا من خطاب إعلامي كردي أعتقد أنه للاستهلاك الداخلي».