المالكي لـ «الشرق الأوسط»: نتنياهو استعان بكلينتون لمنع اعتراف تشيلي.. فحاولت مع بينيرا وفشلت

وزير الخارجية الفلسطيني: الأوروغواي والباراغواي والمكسيك وسورينام ستحذو قريبا حذوها

TT

حذت تشيلي الليلة قبل الماضية، حذو عدد من دول أميركا الجنوبية تتقدمها البرازيل، بالاعتراف بدولة فلسطينية حرة مستقلة في حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وقال وزير الخارجية التشيلي الفريدو مورينو في بيان «إن حكومة التشيلي تبنت اليوم (الليلة قبل الماضية) قرارا يعترف بوجود الدولة الفلسطينية حرة مستقلة ذات سيادة».

ويشكل هذا الاعتراف، كما قال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي لـ«الشرق الأوسط»، ضربة قوية بل لطمة في وجه وزارة الخارجية الإسرائيلية التي لم تكن تتوقع هذه الخطوة من حكومة اليمين في تشيلي فحسب، بل كانت تعتبر هذه الدولة، لاعبا رئيسيا في الجهود التي تبذلها الوزارة برئاسة أفيغدور ليبرمان، لصد موجة الاعترافات الدولية الأخيرة بالدولة الفلسطينية، التي بدأتها البرازيل لتلحق بها الأرجنتين فبوليفيا والأكوادور وأخيرا تشيلي.

ويتوقع أيضا أن تعلن الأوروغواي والباراغواي والمكسيك وسورينام اعترافاتها في غضون أسابيع، كما قال المالكي في مقابلة هاتفية أجرتها معه «الشرق الأوسط».

وسبق هذه الدول للاعتراف بدولة فلسطين، كل من كوبا ونيكاراغوا التي مر على اعترافها 30 عاما، وانضم أيضا إليهما فنزويلا وجمهورية الدومنيكان وكذلك كوستاريكا.

وحسب المالكي، فإن «رئيس الباراغواي فيرناندو لوغو وعد الرئيس محمود عباس (أبو مازن) بالاعتراف بالدول في غضون أسابيع. وأما رئيس الأوروغواي خوسيه موهيكا فقد وعد أبو مازن بإعلان الاعتراف في الأول من مارس (آذار) المقبل. ونتوقع أيضا اعترافا من دولة سورينام إذ أبلغنا وزير خارجيتها بأن وزارته تعد بيان الاعتراف».

وقال المالكي، مفسرا هذا النجاح بل الاختراق الفلسطيني المتواصل في أميركا اللاتينية التي لم تكن يوما مسرحا للتنافس «لدى وزارة الخارجية ومنذ نحو السنوات الأربع استراتيجية متكاملة إزاء أميركا الجنوبية تتضمن ليس خطوة فحسب بل خطوات كثيرة». وتابع القول إنه في ما يتعلق باعتراف تشيلي المهم بالدولة الفلسطينية، الذي أكد أنه مثال قوي على فشل الدبلوماسية الإسرائيلية في أميركا اللاتينية التي كانت تعتبر نفسها اللاعب الوحيد على ملعبها، فإنه يمثل نجاحا غير عادي للدبلوماسية الفلسطينية وانتكاسة جديدة للدبلوماسية الإسرائيلية ويثير المخاوف في أروقة وزارة الخارجية الإسرائيلية. وهناك كما يقول المالكي أكثر من سبب يؤكد أهمية الخطوة التشيلية وخطورتها على الاستراتيجية الدبلوماسية الإسرائيلية. وأول هذه الأسباب، حسب المالكي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتصل بالرئيس التشيلي سبستيان بينيرا، في محاولة لثنيه عن الإقدام على خطوة الاعتراف. وعندما فشل نتنياهو في محاولاته طلب من وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التدخل الشخصي لدى تشيلي، فاتصلت بالفعل بينيرا ولكن محاولتها لم تنجح. وثالث هذه الأسباب أن خوسيه ماريا أثنار رئيس الوزراء الإسباني اليميني السابق (الذي يتزعم مجموعة لأصدقاء إسرائيل)، تدخل أيضا لمنع الاعتراف واتصل بالرئيس التشيلي. ورابعا الجالية اليهودية وسفارة إسرائيل التي لم تدخر جهدا لمنع الاعتراف. يضاف إلى ذلك وزراء يهود في الحكومة لهم إقناعات صهيونية حاولوا أيضا وفشلوا.

وأضاف المالكي متفاخرا أن «كل هؤلاء تحركوا من أجل وقف أي توجه لدى الرئاسة التشيلية للاعتراف بدولة فلسطين، لكننا كنا جاهزين ومستعدين واستكملنا جميع الخطوات اللازمة وأهمها: ترتيب لقاء بين الرئيس محمود عباس (أبو مازن) والرئيس بينيرا على هامش مراسم تنصيب الرئيسة البرازيلية مطلع العام الجديد ديلما روسيف. وكان اللقاء في غاية الحميمية والودية، وتحدث الرئيس بينيرا عن نيته الاعتراف بالدولة الفلسطينية».

وتابع القول «وتحركنا أيضا على مستوى الجالية الفلسطينية في تشيلي وهي جالية كبيرة لا يقل عددها عن 350 ألف نسمة، ولها ثقل كبير وممثلة في مجلسي الشيوخ والنواب بـ12 نائبا وشيخا. وتضم الجالية أيضا رجال أعمال ساهموا في دعم حملة الرئيس بينيرا. وتحركوا بقوة لإقناع الرئيس باتخاذ هذه الخطوة. وتحركنا أيضا على مستوى البرلمان التشيلي بحجرتيه.. مجلسي الشيوخ والنواب. ونجحنا في مجلس الشيوخ في استصدار قرار أيده 20 عضوا من أصل 35 يمثلون مجمل الكتل البرلمانية الخمس، يدعو للاعتراف بالدولة الفلسطينية.. صحيح أن هذا لم يكن أكثر من توصية لكنها توصية للرئيس في غاية الأهمية. وبعد ذلك صدر قرار عن مجلس النواب أيده أكثر من نصف النواب الـ120 الذي يضم لجنة صداقة فلسطينية - تشيلية تضم 40 عضوا، يطالب بالاعتراف». يشار هنا إلى أن استطلاعا أجرته صحيفة «لا تيرسيرا» وهي من أهم الصحف في تشيلي حول موضوع الاعتراف، بين أن غالبية المستطلعين يؤيدون الاعتراف بدولة فلسطينية. كل ذلك كان محفزا للرئاسة التشيلية للإقدام على هذه الخطوة وأن تقرر في غضون 24 ساعة الاعتراف. ومن هنا جاء تصريح وزير الخارجية التشيلي الفريدو مورينو، بالاعتراف بدولة فلسطين الحرة المستقلة وذات سيادة بناء على قرارات الأمم المتحدة بما فيها قرار التقسيم.

ومدلولات ذلك كما قال المالكي هي «أن تشيلي بموقعها الرئيسي والمهم في أميركا الجنوبية والوسطى وفي مواقفها السياسية كونها تمثل التيار اليميني، من شأن قرارها أن يؤثر على دول المنطقة، ذات الأنظمة السياسية المشابهة وتحديدا البيرو وكولومبيا وبنما».

وأضاف المالكي أن هذه التحركات هي جزء من استراتيجية وزارة الخارجية. فنحن طلبنا مساعدة كوبا وفنزويلا لمساعدتنا في تحركنا للحصول على مزيد من الاعترافات، لا سيما في أميركا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي، إذ لا يزال هناك نحو 20 دولة لم تعترف بدولة فلسطين، ونأمل أن نحصد المزيد من الاعترافات بمساعدة الأصدقاء.

وقال إن الغرور حال دون توقع وزارة الخارجية الإسرائيلية أن تنجح الدبلوماسية الفلسطينية في تحقيق الاختراق غير المتوقع في أميركا اللاتينية. وبالتالي فإن هذه النجاحات أخذت الإسرائيليين على حين غزة، ولكن هذه الصدمة لم تسعف إسرائيل بالتحرك من أجل وقف التقدم الفلسطيني. فأي تحرك إسرائيلي مهما كان سيأتي متأخرا جدا، وعلى الدبلوماسية الإسرائيلية أن تعترف بفشلها أمام الدبلوماسية الفلسطينية التي ستستمر نجاحاتها حتى الأول من سبتمبر (أيلول) المقبل، (التاريخ الذي حدده رئيس الوزراء سلام فياض موعدا لإنجاز الجاهزية الفلسطينية لإعلان الدولة الفلسطينية).

ويرى المالكي، إضافة إلى ما تقدم، أن إتقانه للغة الإسبانية وهي اللغة الرئيسية في أميركا اللاتينية ربما يكون عاملا مساعدا.. «أنا أتحدث الإسبانية بطلاقة، وعندما ألتقي زملائي وزراء الخارجية في أميركا اللاتينية فإننا نتحادث باللغة الإسبانية وهذا من شأنه أن يكسر الحواجز بيننا.. نحن كنا بحاجة إلى اختراق في أميركا اللاتينية لأنه كما تعلم فإن إعلان الدولة الفلسطينية في الجزائر عام 1988، استقبل باعتراف آسيوي وأفريقي ولم تدخل أميركا اللاتينية على خط الاعتراف باستثناء كوبا ونيكاراغوا».

وتثير موجة الاعترافات الأميركية اللاتينية ليس القلق بل الرعب في صفوف الخارجية الإسرائيلية. ونقل عن دبلوماسي إسرائيلي القول قبل اعتراف تشيلي حسب صحيفة «يديعوت أحرونوت» القول «إذا حذت تشيلي والمكسيك حذو البرازيل والأرجنتين فإنهما سيدفعان جميع دول أميركا اللاتينية نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية، لأنها لا تريد أن تبقى متفرجة».

وتتخوف وزارة الخارجية الإسرائيلية من أن موجة الاعترافات قد تصل ذروتها في القمة العربية، والأميركية الجنوبية المزمع عقدها في البيرو في الأسبوع المقبل، وهي القمم التي بدأها الرئيس البرازيلي السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا عام 2005، وتضم 22 دولة عربية و12 دولة من أميركا الجنوبية. وتعتقد الخارجية الإسرائيلية أن الدول الأميركية الجنوبية المشاركة قد توقع على إعلان مشترك للاعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود عام 1967.