الحذر سيد الموقف في تعامل فرنسا مع أزمة تونس

جاك لانكساد: باريس أساءت قراءة البلد لسنوات وليس فقط خلال الأسابيع الأخيرة الماضية

تونسيون مقيمون في مدينة مارسيليا الفرنسية يتظاهرون ضد مؤيدي الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي قرب قنصلية بلادهم أمس (أ.ف.ب)
TT

تحاول فرنسا التي تباطأت في دعم المتظاهرين التونسيين، الذين أطاحوا بزين العابدين بن علي، الذي ظل حليفها لمدة طويلة، إصلاح العلاقة مع بلد تربطها به علاقات اقتصادية وشخصية وتاريخية عميقة. لقد أساءت فرنسا قراءة تونس لسنوات وليس فقط خلال الأسابيع الأخيرة الماضية على حد قول جاك لانكساد، الأميرال المتقاعد، ورئيس الأركان السابق والسفير الفرنسي الأسبق لدى تونس في أواخر عقد التسعينات من القرن الماضي . وقال لانكساد: «منذ عام 2000، بدأ الناس يلاحظون اتجاه النظام التونسي لما يشبه الديكتاتورية، لكننا لم نفعل شيئا واستمررنا في تقديم الدعم لهذا النظام من أجل المصالح الاقتصادية لأننا اعتقدنا أن بن علي اضطلع بدور في محاربة الإسلاميين». وأوضح أن فرنسا لم تفهم مدى عمق التغيير الذي كانت تحدثه الأزمة الاقتصادية، وتجاهلت القيود المفروضة على الصحافة. وأضاف لانكساد قائلا: «لم نأخذ الرأي العام التونسي في الاعتبار واعتقدنا أن بن علي سيعيد تموضعه». وتسببت فرنسا، باعتبارها قوى استعمارية سابقة للبلد، في تعقيد العلاقات مع تونس والمغرب والجزائر وساحل العاج وغينيا والكثير من الدول الأفريقية الأخرى. ودعمت الحكومة الفرنسية بوجه عام الاستقرار السياسي من أجل حماية المواطنين الفرنسيين والشركات والمصالح الاقتصادية الفرنسية، من خلال عدم توجيه انتقاد يذكر للحكام المستبدين. إنه توازن دقيق لبلد يعتبر نفسه مهد المساواة والحرية وحقوق الإنسان والثورة، في حين يحاول تعزيز قوته الاقتصادية في العالم.

وعلى الرغم من أن فرنسا كانت يوما تدعم أصدقاءها في أفريقيا، فإن هذه الحقبة انتهت، حيث تؤكد باريس الآن أنها لا تستطيع أن تتخذ مواقف مبادرة في الخلافات الأفريقية. وحتى في ساحل العاج، التي منع فيها الرئيس المهزوم السابق الرئيس المنتخب من تولي السلطة، طالبت فرنسا باحترام الديمقراطية، لكن كانت الدول الأفريقية والأمم المتحدة هي من عليها حل المشكلة. وقال برنارد فاليرو، المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية: «مبدأنا الأساسي هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية. أولويتنا في تونس كانت وضع حد لإراقة الدماء. والآن بعد التغيير، سنساعدهم في تأسيس الديمقراطية وكذلك في تحقيق التنمية الاقتصادية التي كانت السبب وراء هذه المشكلة منذ البداية». وزار الرئيس الفرنسي، نيكولا ساركوزي، تونس مع زوجته كارلا بروني في أبريل (نيسان) 2008، مصطحبا معه سبعة وزراء كان من ضمنهم راما ياد، وزيرة دولة لشؤون حقوق الإنسان. وأثنى ساركوزي خلال الزيارة على القيادة السياسية وقال إن «هامش الحرية يزداد اتساعا». ولم تبرح راما، التي قالت إنها ستزور الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، غرفتها بالفندق بعد أن أخبرتها الجهات الأمنية أن زيارتها غير مرحب بها. ولم تفعل فرنسا خلال شهر من المظاهرات والاحتجاجات التي أدت إلى سقوط بن علي يوم الجمعة الماضي سوى الدعوة إلى «الهدوء» وإنهاء العنف. وانتقد فرانسوا فيون، رئيس الوزراء الفرنسي، فقط «الاستخدام غير المتكافئ للقوة» من قبل قوات الأمن الخميس الماضي. وأثارت تعليقات عدد من الوزراء الفرنسيين حفيظة مواطنين تونسيين مقيمين بفرنسا. فقد صرح برونو لومير، وزير الزراعة الفرنسي، يوم الثلاثاء الماضي قائلا إن الحكم على بن علي كان غير عادل وإنه قدم الكثير للتونسيين. أما وزيرة الخارجية الجديدة، ميشيل إليو ماري، فقالت للمشرعين الفرنسيين يوم الثلاثاء الماضي إن الشرطة الفرنسية يمكنها أن تقدم تدريبا أفضل للشرطة التونسية حتى تساعدها على تهدئة الأوضاع، نظرا للمهارة التي يتمتع بها الفرنسيون في «المواقف الأمنية من هذا النوع». ودافعت إليو ماري عن نفسها في مقابلة نشرت يوم الأحد قائلة: «من المبادئ الراسخة لسياستنا الخارجية عدم التدخل ودعم الديمقراطية والحرية وتطبيق حكم القانون». وأضافت أن فرنسا، بصفتها قوى كانت تستعمر تونس في الماضي، «أكثر التزاما إلى درجة تصل إلى التحفظ الشديد. فنحن لا نريد أن نصب الماء على الزيت، بل علينا تقديم مساعدة قدر الإمكان لشعب ودود،لكن دون أدنى تدخل». وقال فرانسوا هولاند، أحد قيادات الحزب الاشتراكي المعارض، إن «الموقف الفرنسي بدا على مدار أسابيع محرجا وحذرا وحريصا في الوقت الذي انتظر فيه الناس في تونس ودول شمال أفريقيا منا الإفصاح عن موقفنا».

* شارك كل من مايا دو لا بوم وسكوت سيار في إعداد هذا التقرير خدمة (نيويورك تايمز)