تساؤلات وقلق في أميركا حول «فوضى السلطات» داخل النظام الصيني

الرئيس هو يستعد لزيارة أميركا وأجندة المباحثات تتوسع من العملة إلى أمن الباسيفيك

هو وأوباما خلال لقائهما في قمة الأمن النووي بواشنطن في 12 أبريل الماضي (أ.ب)
TT

خلال رئاسة هو جينتاو، أصبحت الصين كيانا صناعيا ضخما قيمته 5 تريليونات دولار، وباتت لها قوة عسكرية متنامية، وفي بعض الأحيان تبدو الصين، قادرة على التعامل مع الأزمة المالية العالمية وتؤكد مكانتها كأسرع دولة ناهضة داخل العالم.

ولكن في الوقت الذي يستعد فيه الرئيس الصيني لزيارة واشنطن هذا الأسبوع في سعي يهدف لوأد توترات مع الولايات المتحدة، يواجه مسؤولو إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ما يصفونه بأنه واقع أكثر تعقيدا. وتعد الصين أكثر ثراء وتأثيرا، ولكن ربما يعد الرئيس هو أضعف رئيس في الحقبة الشيوعية. كما أنه أقل قدرة على ممارسة نفوذه مقارنة مع سلفيه، وربما يكون أقل قدرة على الحفاظ على العلاقات بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر داخل العالم ومنعها من الدخول في منعطف أكثر عدائية.

وقد كان اللقاء الغريب للرئيس الصيني مع وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في بكين الأسبوع الماضي - الذي بدا فيه غير مدرك أن قوته الجوية كانت قد اختبرت للتو أول مقاتلة صينية تستخدم تقنية التخفي - مثالا آخر يظهر أنه محاصر أو تحيط به مراكز قوى منافسة.

وقد قضى مسؤولون أميركيون أعواما يحثون خلالها الرئيس هو على إعادة تقييم العملة الصينية والضغط على كوريا الشمالية وتخفيف القبضة على المعارضين واتخاذ إجراءات صارمة ضد عمليات تزييف التقنيات الأميركية، وأحسوا في بعض الوقت أن هو وافق على معالجة مخاوفهم. ولكن تفاقمت هذه المشكلات، وبعد أن كانوا يتساءلون ما إذا كان الزعيم الصيني يتهرب منهم أو يخدعهم، يرى كبار مستشاري الرئيس أوباما أن الرئيس هو يكون عادة تحت رحمة حزب حاكم واسع يحظى داخله الجنرالات والوزراء والشركات الكبرى بقدر كبير من النفوذ، كما أنهم أقل احتراما له بالمقارنة مع تصرفاتهم أيام ماو أو دنغ شياو بينغ، اللذين كانت لديهما سلطة مطلقة.

وسعى الجيش الصيني في بعض الأحيان إلى تبني منحى مستقل فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. وكذا فعلت الكثير من الشركات الصينية الكبرى المملوكة للدولة، وفي بعض الأحيان أضر ذلك الولايات المتحدة. والنتيجة هي أن العلاقات بين القوى الكبرى في العالم والقوة الأسرع نهوضا وصلت إلى أقل مستوى لها خلال أعوام، وقوضتها مواجهات فاجأت أوباما، وفي بعض الأحيان فاجأت الرئيس الصيني نفسه.

وخلال كلمة له يوم الأربعاء الماضي أمام حشد من الطلاب بكلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة، أشار وزير الخزانة الأميركي تيموثي غيتنر إلى أن التنافس على السلطة والانتقال الوشيك في القيادة أثرا على قدرة الصين على تحديد سياسات متناسقة.

وبدا واضحا أن وزير الخزانة حريص على انتقاء الكلمات حين قال: «في الوقت الذي تشرف فيه الصين إلى هذا الانتقال السياسي خلال العام المقبل أو نحو ذلك، فإن ذلك، في بعض الجوانب، يجعل وتيرة الإصلاح بطيئة لأنه يضفي نوعا من الحذر».

وتوجد أمور أخرى أكثر وضوحا. وقال برينت سكوكروفت، مستشار الأمن القومي السابق وأستاذ غيتس: «هناك فوضى كبيرة داخل النظام، أكثر مما شاهده أحد يتعامل مع الصينيين على مدار 20 عاما». وأضاف: «لا يشارك الجيش في النظام بالصورة التي كان يفعل من قبل، فهم أكثر استقلالية، وكذا الحال مع أطراف أخرى كثيرة».

وزادت صعوبة حل الخلافات مع الصين بسبب القيادة المنقسمة، ناهيك عن الوصول إلى اتفاقات واسعة على غرار استعادة العلاقات بين الدولتين إبان حقبة ماو.

وخلال اجتماعات سابقة، أشار الرئيس هو ورئيس وزرائه إلى أنهما سيسمحان بأن ترتفع العملة الصينية بصورة تدريجية. ولكن سرعان ما وصفت وزارة التجارة الصينية هذه الخطوة بأنها ستكون «كارثية» بالنسبة للاقتصاد الصيني. وليس مفاجئا أن بعض الخلافات الكبرى تركز على طريقة التعامل مع الولايات المتحدة وقوتها في الباسيفيك. وقد أكد الرئيس هو أكثر من مرة عدم رغبة الصين في تحدي القوة الأميركية، وكتب منسق سياساته الخارجية البارز عضو مجلس الدولة داي بينغو مؤخرا مقالا يؤكد فيه تحذير دنغ، الذي ذكره عندما بدأت عملية التحديث داخل الصين، حيث قال إنه يجب على الدولة اختيار الوقت المناسب قبل أن تسعى للحصول على دور عالمي.

ويوم الجمعة، استشهد مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي توماس دونيلون بهذا المقال، ووصفه بأنه «بيان حاسم في هذه المرحلة يظهر النهج الذي تتبناه القيادة تجاه السياسة الخارجية، بصورة عامة، والولايات المتحدة، على وجه التحديد».

ويأتي التغيير المتوقع في القيادة خلال 2012 ليضفي مقدارا أكبر من الغموض بشأن سلطة الرئيس هو، إذ يعد ذلك بمثابة انتقال مخطط له لجيل جديد من القادة وحقل ألغام متقلب بالنسبة لكافة المتنافسين حيث لا يرغب أي منهم في الظهور كشخصية مجازفة أو تابع للولايات المتحدة.

ومن المؤكد، فإن الآمال بأن تتمكن الصين والولايات المتحدة من الوصول إلى توافق في المصالح كانت متفائلة بدرجة كبيرة. ويشار إلى أن الدولتين وصفتا لفترة قصيرة بـ«مجموعة 2» عندما بدأتا عملا مشتركا من أجل مواجهة الأزمة الاقتصادية في مطلع 2009. وحتى عندما تتفقان، يقول مسؤولون أميركيون إن الانتقال من الكلام إلى الأفعال يتسم ببطء شديد بصورة تبعث على الإحباط.

وطبقا لأي مقياس، يعد هو الزعيم الصيني الأكثر تقييدا في الوقت المعاصر. وليس هناك من يفكر في أنه قد يستطيع صياغة تغيير شامل في السياسات مثلما غير دنغ الاقتصاد الصيني قبل ثلاثة عقود. ويبدو هو في الأغلب كمفاوض ويقوم بعقد صفقات في ظل قيادة جماعية لم يبد يوما أنه تمكن من تعزيز نفوذه داخلها بشكل كامل. ويرتبط جزء من مشكلته بالمنهج. وكما اكتشف وزير الدفاع الأميركي غيتس خلال اجتماعه الأسبوع الماضي، فإن غياب كيان مكافئ لمجلس الأمن القومي الأميركي في الصين جعل الجيش يعمل وفقا لقواعده الخاصة.

وبالطبع، لدى الرئيس هو النفوذ، نظريا على الأقل، الذي يمكنه من التوسع داخل هيئات حكومية مختلفة. لكنه لم يستطع القيام بذلك، أو لم يرغب فيه. ولم يشهد النقاش بشأن إعادة تقييم العملة الصينية، وهي شوكة دائمة في العلاقات مع الولايات المتحدة، تقدما ويرجع ذلك بصورة جزئية إلى خلاف بين مسؤولين في البنك المركزي يرغبون في ارتفاع قيمة العملة ووزراء ومسؤولين حزبيين يريدون حماية المنظومة الصناعية الواسعة التي تعتمد على الصادرات الرخيصة.

وجعلت المعركة من المستحيل بالنسبة للصين أن تتخذ قرارا حاسما، ونتيجة لذا نجدها تعاني في مواجهة التضخم. ويرغب مساعدو أوباما حاليا تجربة مسار مختلف: بدلا من اللعب على وتر العملة، يحاولون إثارة قضايا اقتصادية أخرى ويتابعون ما إذا كانت معدلات التضخم المرتفعة، والخوف من أن تؤدي إلى اضطرابات مجتمعية، ستجبر الصينيين على رفع قيمة عملتهم.

وقد غير ظهور كيانات كبرى مملوكة للدولة، وهي مراكز قوى مستقلة، من الساحة السياسية في الصين، وزاد صعوبة معالجة خلافات مع الولايات المتحدة وشركاء تجاريين كبار آخرين.

ويذكر آخر تقرير للإدارة الأميركية عن الممارسات التجارية الصينية، صدر الشهر الماضي، أن النفوذ المتزايد لهذه الكيانات الضخمة في قطاع الأعمال يطرح تساؤلات مهمة بشأن الدعم الصيني لـ«التزامات حالية مرتبطة بمنظمة التجارة العالمية، ومن بينها مبادئ أساسية للمنظمة».