تساؤلات في باريس عن «عدوى» ما يحصل في تونس على دول الجوار

وزيرة الخارجية تدافع عن نفسها.. ووزير الدفاع لا يرى حاجة للنقد الذاتي

TT

خطوة إلى الأمام، خطوتان إلى الوراء.. هكذا يمكن تلخيص موقف باريس للدفاع عن السياسة التي انتهجتها الحكومة الفرنسية إزاء الأحداث في تونس، والتي انتهت برحيل الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ليل الجمعة (صباح السبت) الماضي. وبينما مثلت وزيرة الخارجية ميشيل أليو ماري، أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، لشرح مواقفها والدفاع عنها، تستمر الأصوات التي تطالبها إما باستخلاص العبر من «الخطأ الكبير» الذي ارتكبته بتصريحاتها الأسبوع الماضي أو التي تحثها على الاستقالة.

وفي جلسة مطولة للجنة الشؤون الخارجية، صباح أمس، استخدمت أليو ماري عدة حجج لدحض الاتهامات التي ساقها اليسار والمعارضة التونسية وعدد من المنظمات والجمعيات الداعمة لحقوق الإنسان، لتوضيح مواقفها، خصوصا تصريحها أمام الجمعية الوطنية في 11 من الشهر الحالي، حيث عرضت مساعدة فرنسا في ميدان المحافظة على الأمن، والسيطرة على تحركات المتظاهرين. وبما أن الهجوم أفضل وسائل الدفاع، فقد هاجمت الوزيرة الفرنسية من غير أن تسميها، الأطراف التي «حورت» أقوالها وأخرجتها من «سياقها». غير أنها اعترفت بأنها كانت «تعبة» بعد ليلة أمضتها في الطائرة، مضيفة أنها ربما لم تعبر بشكل «واضح» عن فكرها.

وكان أحد النواب قد اتهم منددا بـ«الدعم الذي لا يلين»، الذي وفرته فرنسا لنظام الرئيس بن علي. وقال النائب عن الحزب الشيوعي جان بول لوكوك: إن باريس «تضامنت مع بن علي حتى اللحظات الأخيرة». وفي انتقاد مبطن لأهل السلطة في فرنسا ولعلاقاتهم مع النظام السابق في تونس، أضاف النائب الفرنسي أنه «سيكون من المفيد أن نعرف من يأخذ الفرص وأين يمضيها؟». أما أمينة عام الحزب الاشتراكي مارتين أوبري فقد رأت أن تصريحات أليو ماري «خطأ كبير» وأنها «تفقد فرنسا المصداقية وليس في تونس وحدها».

واستخدمت وزيرة الخارجية عددا من الحجج، أولاها أنه «لا أحد توقع حصول هذه الأحداث» لا فرنسا ولا في غيرها من البلدان. وقالت أليو ماري: «لنتحل بالنزاهة (ولنتقبل) أننا جميعا، رجال سياسة ودبلوماسيين وباحثين وصحافيين، فوجئنا بثورة الياسمين». وعبرت الوزيرة الفرنسية عن غضبها لتحوير أقوالها وتسخيرها لإثارة جدل سياسي في الداخل.

ومن جانبه، بدا وزير الدفاع وكأنه يمثل خط الدفاع الأول عن السياسة الفرنسية، باعتبار أن صورته «لم تصب»، وأنه لا مآخذ عليه وكان أول من انبرى لشرح مواقف باريس وتبريرها. وفي حديث إذاعي أمس، رأى جوبيه أن بلاده «لم تسقط في التجربة» التونسية، وأنه «ليس من عمل الحكومة التظاهر في الشوارع، بل عليها التفكير بما يحصل وبدم بارد»، مضيفا أن باريس «حددت موقفها بسرعة» وقوامه أنه «يعود للشعب التونسي أن يقرر مصيره بنفسه في إطار انتخابات حرة ونزيهة».

ونوه جوبيه برفض باريس استقبال الرئيس زين العابدين بن علي وبفرض تجميد أموال عائلته في المصارف الفرنسية، حيث وضعت فرنسا نفسها بتصرف السلطات التونسية للتعامل مع هذا الموضوع، فضلا عن أنها أعلمت أفرادا من عائلة بن علي أنهم غير مرغوب فيهم، على المدى الطويل، على الأراضي الفرنسية.

وأوحى جوبيه لصحيفة «لوموند» الصادرة بعد ظهر أمس بأن الجميع أخطأوا في تقدير ما يحصل في تونس وأن «الجميع»، أوروبيين وأميركيين، رأوا أن تونس تعرف نسبة نمو اقتصادي مهمة وتتمتع بكل مظاهر الاستقرار السياسي، وتتمتع بوجود طبقة متوسطة، بينما وضع المرأة يتحسن وميزانية التعليم تتطور». وبحسب وزير الدفاع، فمما لا شك فيه أن فرنسا «لم تقدر شعور النقمة حق قدره» الذي يعتمل الشعب التونسي إزاء «النظام البوليسي والديكتاتوري» التونسي السابق. وجوبيه أول مسؤول فرنسي يطلق هذا الوصف على نظام بن علي. وعلى الرغم من ذلك، لا يعتبر الوزير الفرنسي أنه يتعين على فرنسا أن تقوم بعملية «نقد ذاتي»، وهو ما يشدد عليه مستشار الرئيس ساركوزي الخاص هنري غينو.

وما زالت الأسئلة الكبرى التي تثيرها الصحافة الفرنسية وأهل السياسة تتناول «العدوى» التونسية على بلدان المنطقة. وأفادت مصادر فرنسية رسمية أن هذا السؤال يطرح نفسه بقوة على الدوائر الفرنسية المعنية التي تعترف بأن أيا من المعنيين لم يكن يتوقع سقوط نظام بن علي بهذه السرعة. وتتفادى هذه الدوائر الحديث علنا عن موضوع «العدوى»، بالنظر لحساسيته وللمصالح الكبرى لفرنسا في منطقة المغرب العربي، حيث المسائل المغربية هي، وفق تعبير جوبيه، مسائل داخلية فرنسية لحد ما. وما يهم باريس في الوقت الحاضر هو «تثبيت واستقرار الوضع في تونس»، بحيث «لا يحيد المسار الديمقراطي عن طريقه» وتتفادى تونس الفوضى التي يمكن أن تحصل مع أو بعد كل تغيير من النوع الذي عاشته تونس.