عضو في «القاعدة» يشرح كيف ينقلب أعضاء التنظيم على علماء المسلمين

أكد أن القادة يحرصون على اصطياد صغار السن «السذج السطحيين»

الملا تتحفظ عليه السلطات الأمنية السعودية ضمن مجموعات ألقي القبض عليها لانتمائها إلى تنظيم القاعدة («الشرق الأوسط»)
TT

عدد أحد الموقوفين أمنيا في السعودية، ممن تصنفهم الداخلية السعودية ضمن أعضاء تنظيم القاعدة، الذي واجهته قوات الأمن السعودي بحزم، وتمكنت من تفكيك تكتلاته، بعضا من السمات التي يحرص تنظيم القاعدة أن تكون في أعضائه، خصوصا الأعضاء الجدد، الذين يحرص التنظيم على ألا يتجاوز سنهم 25 عاما، ويسعى في الوقت ذاته إلى أن يكون الأعضاء المستقطبون ممن يتصفون بالسطحية والسذاجة في آن واحد.

واستعاد هاني الملا، أحد الموقوفين أمنيا على خلفية ارتباطه بشكل أو بآخر بتنظيم القاعدة في السعودية، ذاكرته الجهادية، بالحديث عن عدد من الذين خرجوا مؤخرا إلى ساحات الصراع، وانتقل الأمر من قضية دعم جهادي - إن صح التعبير - إلى قضية تطرف وفكر ملوث وتشوه فكري، فالبعض منهم صاحب تجارب قديمة قد يكون خاضها في أفغانستان إبان الحرب السوفياتية، أو في البوسنة والهرسك أو في الشيشان، فتلك الفترة كانت شاهدة على أجواء فكرية ملوثة.

وعندما بدأ التحول الفكري يخرج عن المنظومة القديمة إلى التشكيل الجديد، الرامي للارتباط بالتكفير وبالآفات الفكرية المصاحبة للتكفير، من إقصاء المجتمع وصفات كثيرة، يمكن أن نتطرق إلى هذه الشريحة التي اتصلت مباشرة بهذا الشكل وبهذا التشكل الفكري، ففي حقيقة الأمر لم يكن لهم الخيار في وقت من الأوقات، قد يكونون في هذا الظرف يتبعون كل من نادى باسم الجهاد، فالجهاد كان يتجه للعراق؛ حيث كانت هناك فتاوى كثيرة دعمت الكثير للخروج للعراق، وهناك بعض من رجال الدين الذين أجازوا الخروج للجهاد في العراق تراجعوا عن هذه الفتاوى.

هاني الملا، الذي خرج للمرة الأولى مصارحا ذاته، وكاشفا عن بعض الأساليب التي كان يعمل وفقها تنظيم القاعدة لتجنيد صغار السن، يعتقد أن ليس من رأى كمن سمع، ومن يتحدث من العمق ليس كمن ينظر ثم يقوم، في مسارات فكر التطرف وجماعته وتنظيماته، هناك الكثير من الأسئلة الحائرة: كيف يفكرون، يصنفون ويتعاملون مع الآخرين في محيطهم أو من خارجه؟ وما مدى قدرتهم على التراجع وإعلانه أمام الملأ؟ فما حدث، من وجهة نظر هاني، عبارة عن تشوه فكري طرأ على التيار - إن صح التعبير - على التيار الجهادي، هو تشوه فكري وله أسباب كثيرة.

وضرب الملا مثلا لحادثة في وقت من الأوقات، كما جاء على لسانه، وقال: «على سبيل المثال، في وقت من الأوقات، كان هناك عدد من العلماء مقبولين لدى هذا التيار، ولهم صدى في أروقة هذا التيار، فعندما كان يراوح بين قضايا الجهاد ودعم قضايا الأمة، فهؤلاء الطائفة من العلماء كانت لهم مصداقية عند هؤلاء الأشخاص، وبمجرد مخالفتهم لهم وتصادمهم معهم في عدة مواقع إعلامية وحوارية أسقطوا بل وأصبحت تسدد لهم ألقاب مقيتة لا يرضاها الدين ولا يقبلها، ولا تقبلها الأخلاق، فهذا موقفهم مع هؤلاء».

واسترسل الملا وقال: «هناك نقطة متصلة اتصالا جوهريا بهذا الموضوع، بعد تسديد الضربات الأخيرة إلى مفاصل التنظيم في داخل المملكة، وبعد أن سددت الأجهزة الأمنية عددا من الضربات واستهدفت عددا من المنظرين لهم، أصبح التنظيم في حالة أشبه بالضياع، ضياع المصدر والمرجعية، مرجع الفتيا كان يعاني ضياعا وتشتتا في الأهداف، بل إن هناك تضييقا عليهم في وسائل الاتصال أيضا، فهذا سبَّب للفرد منهم عزلة، فكان على الفرد في هذه العزلة أن يجد البدائل، وقد توافر لهم في فترة من الفترات شيء من البدائل، سموها قواعد، بنوا لهم قواعد وأصولا معينة، تمكن أصغر فرد من أفراد التنظيم أن يتخذ قرارات».

وقال هاني في حديثه: «أنا سأعطيك كتابا شهيرا يتداول في أروقة هذا التنظيم، ومع الأسف تجد أصغر عضو في التنظيم عندما يقرأ هذا الكتاب يشعر أنه قادر على إصدار الأحكام: التكفير، التبديع، التفسيق.. أيضا قد يتجاوز هذا إلى قضية استباحة الدم، استباحة المال، الهجران، هذا الكتاب هو كتاب صغير - مع الأسف - اسمه كتاب (التبيان)، هذا الكتاب الصغير الذي شرح نواقض الإسلام لمؤلفه سليمان العلوان، هذا الكتاب اجتمعت مع أشخاص كثيرين ورأيتهم في ساحة الصراع وفي بعض الأوقات الأخرى، تجد أنهم يتكلمون بجرأة عظيمة على مسائل التكفير، يذكرون أسماء: هذا كافر، وهذا مبتدع، وهذا الشخص مميع للدين، وهذا الشخص إذا لم يتدارك نفسه فهو على بوابة عظيمة من بوابات الشرك، الله أكبر، لما تسأل: ما مقدار اتصاله بالعلماء؟ ستجد بعضهم لا يتجاوز الـ3 شهور، ومع سوء حظه فإنه لما أراد أن يتوجه احتضنته ثلة معينة أو طائفة معينة وأقنعته بهذه الأفكار».

واسترسل الملا مصارحا ذاته وقال: «ركزت على هذا الكتاب، الكتاب مختصر وصغير وسهل التناول يذكر القاعدة ثم يذكر الأدلة، ففي الحقيقة هذا كله مستنبط من الكتاب والسنة، ولكن نتكلم عن قضية الإسقاط، إسقاط الأحكام، يكون مؤلفه ليس له علاقة بهذا الموضوع كله، أنا لا أعرف مؤلفه معرفة شخصية، ولكن أرى أن هذا الكتاب له قبول في هذه الأوساط، هذا الكتاب - كتاب التبيان - فيه شرح لنواقض الإسلام يتكلم ويذكر الناقض، ثم يتسلسل في الدليل، في الحقيقة إن أي شخص يريد أن يمرر أهدافا معينة، أو يمرر آيديولوجيات معينة، يستطيع أن يمررها من هذا الكتيب الصغير؛ لأن هذا الكتاب سهل ولا يتطلب صعوبة ككتب شيخ الإسلام ابن تيمية وكتب ابن القيم أو التي تختلط بشيء من الفلسفة، هذا الكتاب الصغير مبسط وسهل الفهم، فالمشكلة أنه عندما يشرح هذا الكتاب من قبل شخص عنده هذه اللوثة التكفيرية والغلو، سوف يستطيع أن يظهر هذه القواعد في مظهر ويلبسها ثوب الواقع ويسقطها على الواقع، فعندما يسقطها على الواقع بناء على هذه القواعد ويقول هذا من الكتاب وهذه من السنة، هذا الكلام مردود عليه عند أهل العلم الراسخين».

فكان تسديد الضربات المباشرة والمباركة إلى مفاصل التنظيم في المملكة سببا في أن ضيق عليهم الشيء الكثير، هذا التضييق جعلهم يتخلون عن كثير وكثير من الأدبيات المزعومة التي يزعمونها، فهنا، كما ذكرت، تطرقت إلى قضية لبس الملابس النسائية، والله ما سمعنا عبر العصور الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين ولا الدولة الأموية ولا العباسية أن مجاهدي المسلمين لجأوا إلى هذه التطورات وهذه التشكلات، أو لبسوا ملابس نسائية لكي يذهبوا ويقوموا ببعض العمليات في العمق الرومي أو الفارسي، أيضا قضية أخذ الأموال وصرفها في غير مصارفها، فهذه قضية جوهرية موجودة في أصل التنظيم، فقد اجتمعت مع بعض الأشخاص في بعض ساحات الصراع، وكنا نتداول قضايا معينة، ونتناقش في قضايا معينة، فطرحت مسألة التمويل، فالمال عصب الحياة وعصب كل مشروع قائم فذكروا - ومع الأسف - هذه الصفة، وهذا الموضوع وجدته من بعض الأشخاص الذين لا يحملون خلفيات تكفيرية، كانوا في الأوساط الجهادية، ولكن كانوا لا يحملون خلفيات تكفيرية».

وجاء الملا على ذكر بعض التصنيفات والتشكلات؛ فالتيار بعد التحولات الفكرية التي طرأت عليه أظهر من هو جهادي، ولكنه ليس ملوثا فكريا لا يعتنق الفكر التكفيري، ويسقط قيادات الفكر التكفيري، والنوع الآخر جهادي تكفيري، فالشخص الذي يقتنع بهذا الفكر يقول عن نفسه إنه جهادي، فعندما تنتهي الحرب في بلاد ما، يبدأ أرباب الحرب من المنظرين، يحدثون حروبا جديدة ومعارك جديدة، قد تكون مع دول من دول الجوار، خصوصا إن كان العدو واضحا، فسوف تتوسع دائرة نطاق الحرب أو المعركة.

وتوقع أن يكون التيار الجهادي التكفيري هو الذي يسود الساحة، فساحات مناطق الصراع على جميع الأصعدة هي ساحات موبوءة الآن، ولم تعد ساحات جهاد في الحقيقة، هي الآن ساحات لتفريخ تشكيلات جديدة من هذا الفكر، فيذهب شخص بسيط وشباب بسطاء جدا يذهبون لتلك المواقع، نظرا لتأثرهم بما شاهدوا في شريط فيديو، ثم يذهب الشاب إلى هناك ويعود كوحش كاسر، قد يفجر بحزام ناسف في سوبر ماركت، أو في بقالة، فقط إن وجهوه واقتنع أن هذا هدف سام ينصر الإسلام والمسلمين، لا ينظر ولا يأبه بعدد الخسائر، ولا ينظر لأرواح المسلمين التي سوف تزهق؛ لأن هذا كما يسمونه جسر للوصول للأهداف السامية.

وجاء الملا على ذكر نقطة مهمة في قضية التصنيف، فهناك طائفة تأخذ بالعزيمة وبالتصريح علانية بالتكفير، فيقول قائل: إن هذه الشخصية كافرة، ويسقط عليها إسقاطاته التي يعتقدها، وهناك طائفة لا تأخذ بالرخصة، ولا تظهر معتقداتها إلا لمصالح معينة ترتئيها.