الجنود الأميركيون الباقون في العراق يشكون الملل.. لكن الأخطار تبقى

منهم من يتمنون الذهاب إلى أفغانستان ليشاركوا في بعض العمليات قبل انتهاء خدمتهم

TT

رسميا، تتمثل مهمة الـ48.000 جندي أميركي تقريبا الباقين في العراق لمدة عام في «تقديم النصح ومساعدة» القوات الأمنية العراقية. أما على الصعيد غير الرسمي، فإن الهدف هو محاربة الملل والبقاء متيقظين ومحافظين على سلامتهم طوال الساعات الطويلة الخاوية المهيمنة على أيامهم. المعروف أن الاغتيالات والتفجيرات والهجمات المسلحة قد خلفت عشرات القتلى في صفوف أفراد الشرطة والمدنيين ومسؤولين حكوميين في العراق منذ بداية العام. ولم يطلب من القوات الأميركية التدخل للمساعدة في أي من هذه المواقف. بدلا من ذلك، مكث الجنود الأميركيون خلف جدران خراسانية مضادة للتفجيرات داخل فقاعات أمنية قد تبدو آمنة على نحو خادع، مما جعل نهاية حرب العراق تبدو لهم مهمة وداع مملة ورتيبة وفرصة لتصحيح الأوضاع. وتدور الحركة في الخطوط الأمامية في معظمها حول زيارات داخل مكاتب شديدة التحصين لقيادات أمنية وزعامات محلية تستمر لساعات يجري خلالها احتساء قهوة تركية وشاي، أو تدريب أفراد من الشرطة أو الجيش العراقيين تكتيكات بسيطة، مثل بعض حركات الكاراتيه أو تصميم المجلات. وحتى عندما تنجز هذه المهام بسلام، فإن نجاحها يجري تقييمه بناء على معايير دقيقة تخضع للرؤية الشخصية. مثلا، قد يجد الجنود الأميركيون الذين كانوا هنا خلال الأيام الأشد سوادا من الفترة التي كادت تتحول لحرب أهلية - شعورا بالنجاح في اجتماع مصالحة برعاية أميركية يتبادل خلاله رئيس شرطة سني وقائد شيعي بالجيش أرقام الهواتف النقالة. إلا أن الوضع ربما يختلف بالنسبة للباقين، بمن فيهم الجنود الأصغر سنا الذين لم تتجاوز أعمارهم 11 عاما خلال حملة «الرهبة والترويع» التي أطلقت شرارة الغزو الأميركي للعراق عام 2003، حيث تحول وجودهم بالعراق إلى نضال من أجل التوفيق بين الكدح اليومي وتوقعاتهم لجولة خدمتهم بالعراق. في هذا الصدد، قال الجندي راندال براون، (23 عاما): «أتمنى التوجه لأفغانستان مرة على الأقل قبل خروجي من الجيش». وقد اعتمل ذهنه بالأفكار، وكذلك رفاقه، أثناء انتقالهم صباح أحد الأيام القريبة في قافلة عسكرية على الطريق السريع بين الرمادي والفلوجة، حيث اعتاد الجنود التزام الصمت والحذر الشديد والابتهال كي تخطئ العبوات الناسفة المزروعة على جانبي الطريق، والتي تحولت لواحدة من الحقائق اليومية، قافلتهم. يقضي براون، الذي تلقى تدريبا على التسلل عبر المناطق الصخرية واستكشاف أهداف القصف (أسقطت الولايات المتحدة قنبلة واحدة في العراق خلال الشهور الـ14 الأخيرة)، الآن بضعة أيام أسبوعيا بعيدا عن الأسوار الآمنة لفرقة المشاة الـ15 التابعة للكتيبة الـ3 التي ينتمي إليها، ليقف داخل مجمع يتبع الشرطة العراقية في حبانية، حيث ينفث دخان السجائر مع حفنة من أقرانه الجنود. وتتمثل مهمتهم جميعا في توفير الأمن لـ«مهمة» اليوم - وهو تدريب يستمر 90 دقيقة حول إدارة الكوارث يشارك فيه ثلاثة من أفراد الشرطة العراقية برتبة ملازم أول. وداخل غرفة معتمة، ألقى السارجنت مايكل كوسغرو محاضرة حول كيفية السيطرة على موقف به رهائن. أما رجل الشرطة العراقي الواقف قريبا من كوسغرو فحاول جاهدا إخفاء تثاؤبه، لكن ذلك لم يقوض حماس الجندي الأميركي. وعادة ما يشارك في هذه الاجتماعات المباشرة وجها لوجه مع العراقيين العشرات من الجنود الأميركيين، ويرجع السبب وراء هذا العدد الكبير إلى بروتوكولات أمنية أقرت خلال السنوات الأكثر دموية من الحرب. وعلى الرغم من أنهم اعتادوا فيما مضى الانتقال عبر الطرق ذاتها لتبادل إطلاق النار، أصبحت القوات الأميركية تتنقل لتناول أقداح من القهوة أو الشاي داخل أربعة أو أكثر من إجمالي 75.000 سيارة مدرعة مضادة للألغام. وعلى الطرق التي تعج بحركة المرور المدني، تبدو القوافل العسكرية بطيئة الحركة أشبه ببقايا حطام. إلا أنه على الرغم من كل هذه الاحتياطيات الأمنية، يبقى من المتعذر ضمان سلامة كل جندي، حيث قتلت الهجمات باستخدام صواريخ مصنعة بالمنازل وإطلاق النار من قبل قناصة أو غير ذلك من الهجمات جنديين أميركيين شهريا في المتوسط منذ رحيل آخر القوات المقاتلة في أغسطس (آب). حتى الآن، يعد يناير (كانون الثاني) الأكثر دموية منذ رحيل القوات المقاتلة. بجانب مقتل اثنين قرب الموصل، وقتل ثالث، السبت، في وسط العراق وقتل آخران في 2 يناير في تفجير. في هذا المعسكر، أصبح الدور الأخير للميجور ويليام هانسن، (40 عاما)، في معظمه دورا مكتبيا، حيث يدير مكتب شؤون العمليات المدنية الذي اعتاد توزيع أكثر من 200.000 دولار يوميا، وقرابة 90 دولارا خلال عاما ونصف العام تقريبا، وذلك نحو عام 2007، عندما عكفت الولايات المتحدة على محاولة قلب مسار الحرب عبر شراء تأييد السنة الساخطين بمختلف أرجاء محافظة الأنبار. ومع استعداد الولايات المتحدة للرحيل الآن، يعمل هانسن على التخلص من آخر هذه الأموال، وتقلص هذا المشروع الكبير إلى 5.000 دولار فقط. ولم تعد واشنطن ترغب في الظهور بمظهر من يوزع المال، لذا يطلب هانسن وأقرانه من مسؤولي الجيش أو الشرطة العراقيين الاضطلاع بمهمة التوزيع.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»