لبنان: حملة للاستقرار النقدي وتطمين الأسواق بقيادة «البنك المركزي»

وسط تحذيرات «موديز» من التباطؤ واستفحال الشكوك

حافظت المصارف على وتيرة أعمالها وفق القواعد السائدة من دون أي حذر أو تردد (أ. ف. ب)
TT

أظهرت الأسواق اللبنانية قدرات إيجابية على التماسك واستيعاب تداعيات التطورات الداخلية غير المواتية، فتواصل الاستقرار النقدي وسط تدخل حاسم من البنك المركزي لتلبية أي طلب إضافي على الدولار، واقتصر التراجع الجزئي على أسهم شركة «سوليدير»، الأكثر حساسية في حالات البلبلة، لكن المخاوف تتصاعد من دخول الاقتصاد في مرحلة جمود في حال تفاقم الأزمة الحكومية أو طول أمدها، خصوصا بعدما بدأ النمو بالتقلص منذ أشهر.

وعلى الرغم من صدور تحذيرات متتالية من مؤسسات مالية ومصرفية دولية، آخرها التقرير الصادر عن مؤسسة «موديز» للتصنيف الائتماني، الذي نبه إلى أن مزيجا من التباطؤ الاقتصادي واستفحال الشكوك سينعكس بشكل مباشر ويلقي بظلال ثقيلة على القطاع المصرفي، فإن المراجع المحلية الاقتصادية والمصرفية تؤكد محدودية الانعكاسات وإمكانية العودة سريعا إلى مسار النمو القوي الذي حققه الاقتصاد في السنوات الأربع الأخيرة فور حل الأزمة القائمة والاستجابة للجهود الإقليمية الداعمة.

في هذا الإطار، ترأس حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، أمس، اللقاء الشهري مع أركان جمعية المصارف لبنان، وأكد أن «الظروف الحالية لن تحول دون استمرار مصرف لبنان بالحفاظ على التزاماته للاستقرار في سعر صرف الليرة وفي سعر الفوائد وتأمين السيولة اللازمة للقطاع، وذلك بفضل الإمكانات والهندسات المالية، بالإضافة إلى الاحتياطي الكبير الموجود لديه. وتمنى على «القطاع المصرفي الاستمرار بنشاطه الذي تميز به خلال عام 2010، أكان على صعيد التسليف الداخلي أم على صعيد الانتشار الخارجي، كما أن النتائج المحققة خلال العام المنصرم هي مناسبة للشروع في زيادة رؤوس الأموال لدى القطاع».

من جهته، طمأن رئيس جمعية المصارف، الدكتور جوزف طربيه، إلى قدرة القطاع المصرفي على احتواء الوضع والتغلب على الظروف، متمنيا «ألا تطول الأزمة لما لها من آثار سلبية على الاقتصاد».

وتتفق آراء مصرفيين وخبراء على أن القطاع المصرفي المحلي شهد، في سنوات قليلة، أغلب اختبارات الضغوط العادية والاستثنائية، وخرج منها أكثر قوة وتماسكا، وأثبت تكرارا أنه الملجأ الآمن للمدخرات والممول الوحيد للدولة في الأيام الصعبة، وقاطرة النمو وقناة التمويل والاستثمار في فترات النهوض والازدهار.

وتحافظ المصارف على وتيرة أعمالها وفق القواعد السائدة من دون أي حذر أو تردد، وهذا ما يعكس رسائل اطمئنان صريحة للأسواق المحلية والخارجية تساندها سياسة نقدية قائمة أساسا على مفهوم الاستقرار المحفز للنمو.

وفي تقدير السلطة النقدية وأركان القطاع المصرفي أن عرقلة النمو التي تنتج أضرارا اقتصادية واجتماعية ومعيشية، تبقى تحت السيطرة ما دام الاستقرار النقدي ثابتا بحماية قرار استراتيجي واحتياطي قياسي من العملات الأجنبية يناهز 31 مليار دولار يغطي أكثر من 85% من الكتلة النقدية المحررة بالليرة دون احتساب مخزون الذهب الذي تزيد قيمته على 12 مليار دولار ويرفع التغطية إلى أكثر من 120%.

وتحوز المصارف وفق آخر الإحصاءات لعام 2010 الماضي نحو 130 مليار دولار (أكثر من 3.3 أضعاف الناتج المحلي) كموجودات إجمالية محلية مسجلة نموا يراوح بين 12 و13% مقابل نحو 23% المسجلة في العام 2009. بينما يزيد إجمالي الموجودات فوق مستوى 150 مليار دولار في حال احتساب الميزانيات الخارجية. وزادت الودائع بنسبة تقل عن 12% لتقترب من عتبة 110 مليارات دولار بينها نحو 18 مليار دولار ودائع مسجلة تحت بند «غير المقيمين»، أي ما يشمل ودائع لغير لبنانيين أو لبنانيين يتخذون عناوين عمل أو هجرة في العالم.

كان البارز في المؤشرات المصرفية للعام الماضي استثمار الأجواء المريحة نسبيا لإطلاق العنان لعمليات التسليف والتمويل لصالح القطاع الخاص أفرادا ومؤسسات، مع الاستفادة من حوافز مهمة وفرها البنك المركزي من خلال إعفاءات من الاحتياط الإلزامي لقروض سكنية وتعليمية وبيئية وتمويل مؤسسات صغيرة ومتوسطة.

وبلغ حجم تسليفات المصارف التجارية للقطاع الخاص المقيم وغير المقيم نحو 36 مليار دولار (54 ألف مليار ليرة) منها نحو 31 مليار دولار للقطاع الخاص المقيم، مسجلا زيادة سنوية بنسبة زادت على 21% وفق الإحصاءات المنجزة.