باحثة سورية تحول ثمار الخرنوب إلى «شوكولاته» لذيذة المذاق

رنا مصطفى مهتمة بأغذية الأطفال والمنتجات الغذائية الصحية الرخيصة الثمن

الباحثة السورية رنا مصطفى والطالبات مع شوكولاته الخرنوب
TT

بعد مجموعة من الأبحاث العلمية الغذائية التي أجرتها في قسم الهندسة الغذائية بكلية الكيمياء والبترول في جامعة البعث السورية، حيث تعمل وتدرّس منذ حصولها على الدكتوراه بعلوم الأغذية من فرنسا قبل خمس سنوات، ظل يراود الباحثة السورية الدكتورة رنا مصطفى حلم تحويل نبات الخرنوب ـ أو الخرّوب ـ إلى شوكولاته رخيصة الثمن تغني عن شوكولاته الكاكاو المعروفة.

رنا مصطفى، الأكاديمية الثلاثينية والعضو في اللجنة العلمية لغرفة صناعة حمص، تحقق حلمها اخيراً عندما عرضت إنتاجها «الشوكولاتي« اللذيذ من الخرنوب في معرض خاص بالأغذية نظّم أخيراً في جامعتها بمدينة حمص، وسط سورية الغربي. وهي تسعى حالياً لتسجيل مشروعها الجديد تحت اسم «شوكولا الخرنوب الصحية« في سجل البراءات السوري، وبالفعل، قدمته قبل بضعة اسابيع لتنال براءة اختراع عليه.

الدكتورة رنا سعيدة طبعاً بنجاح مشروعها العلمي الغذائي الجديد. وعنه شرحت لـ«الشرق الأوسط« أهدافه والمراحل التي مر بها حتى صار شوكولاته يمكن بيعها في الأسواق ولشرائح كثيرة من المجتمع قد لا تتمكن من شراء الشوكولاته العادية، فقالت وهي تقدم لنا قطعة شوكولاته لنتذوقها: «لقد نفّذت هذا البحث في مختبرات قسم الهندسة الغذائية، حيث جرى تصنيع الشوكولاته بالتعاون مع بعض طالبات قسم الهندسة الغذائية وهن آية عبارة وبيان سلورة وبيرتا زمّار ورولا علوش ولمى قالوش ومها شمّا ونور الدروبي، أما فكرة منتج غذائي جديد يتمثل بشوكولاته الخرنوب فجاءت نتيجة لاهتمامي الشديد بأغذية الأطفال ورغبتي في إيجاد منتجات غذائية صحية في السوق المحلية. إن الاستعاضة عن الكاكاو بالخرنوب سيساعد على توفير هذا النوع من الشوكولاته الصحية بسعر أقل من سعر الشوكولاته العادية المعروفة، كما أنه سيعيد الاهتمام لشجرة الخرنوب المفيدة جداً للبيئة وسيسمح بتوفير فرص عمل جديدة للمزارعين». وأضافت «عرضت هذه الشوكولاته لأول مرة في جناح أفكار مبدعة/ معرض «فوديكس سيريا» على هامش «المؤتمر الدولي للصناعات الغذائية والتقانة الحيوية« 2010 الذي أقيم أواخر العام الماضي ولاقت إعجاب كل من ذاق طعمها«. وتابعت رنا «تحتل الشوكولاته المرتبة الأولى على قائمة الحلويات الأكثر استهلاكاً على مستوى العالم، وغدت جزءاً أساسياً من النظام الغذائي اليومي للكبار والأطفال، كما أثبت العديد من الدراسات أن تناولها يسبب الشعور بالغبطة وبلذة كبيرة تبلغ حد الإدمان عند تناولها بكميات كبيرة». وهنا توقفت الباحثة والأكاديمية الشابة لتوضح أنه «علمياً وصحياً تتسبب هذه الشوكولاته عند الإكثار من تناولها بالسمنة وزيادة الوزن نظراً لارتفاع محتواها من السكر الأبيض ومن المواد الدسمة الضارة بالصحة والمسبّبة لأمراض ضغط الدم والكولسترول والقلب والسرطان. وهنا تأتي شوكولاته الخرنوب الصحية ... فهي شوكولاته ذات محتوى منخفض من السعرات الحرارية والمواد الدسمة ومن السكر الأبيض ويستخدم لصناعتها مسحوق ثمار الخرنوب بدلاً من الكاكاو. ولقد أجريت عدداً كبيراً من التجارب المخبرية ـ تقول رنا ـ لمعرفة الطريقة المثلى لمعاملة ثمار الخرنوب ومن ثم تحضير بودرة الخرنوب. وتمكنت من التغلب على نكهة الخرنوب القابضة، واستطعت تصنيع شوكولاته بنكهة وجودة مماثلتين للشوكولاته التقليدية لكنها تتفوق عليها بفوائدها الصحية والبيئية والاقتصادية». وأردفت رنا مصطفى «شوكولاته الخرنوب التي نجحنا في إنتاجها مناسبة لمن يعانون من حساسية تجاه منتجات الكاكاو وهي مناسبة أيضاً للحمية (الريجيم) ولمرضى القلب وضغط الدم والسكري بفضل الخصائص الغذائية والطبية والكيميائية المهمة للخرنوب، وأهمها ارتفاع محتواه من السكريات والألياف والمركبات الفينولية وانخفاض محتواه من المواد الدسمة وخلوّه من الكافيين والثيوبرومين وحمض الأوكساليك والغلوتين».

ولكن ماذا عن شجرة الخرنوب ومزاياها؟

ابتسمت الدكتورة رنا وهي تقدم لمحة عن هذه الشجرة وأماكن وجودها ومزايا ثمارها واستخلاص الطحين منها، قائلة «الخرنوب شجرة معمّرة تعيش أكثر من 200 سنة، وهي دائمة الخضرة وتنتشر بشكل واسع في المنطقة الساحلية من سورية وهي شجرة حرجية لا تحتاج لأي عناية خاصة. ولقد ذُكرت شجرة الخرنوب في الإنجيل (يُعرف الخرنوب بلقب «خبز القديس يوحنا المعمدان»)، ولقد نشر العرب زراعة الخرنوب على طول سواحل شمال إفريقيا وفي إسبانيا والبرتغال، ومن ثم انتشرت زراعته في العصر الحديث على أيدي الأسبان في ولايتي كاليفورنيا وأريزونا الأميركيتين والمكسيك وتشيلي والأرجنتين حيث يلعب الخرنوب دوراً مهماً في اقتصاديات هذه الدول». واستطردت موضحة «ثِمار الخرنوب تكون على شكل قرن لحمي بني اللون عند النضج، تحتوي الواحدة منها على ما بين 12 و16 بذرة قاسية. وثمار الخرنوب ذات طبيعة قلوية وتستعمل لعلاج حموضة المعدة وفي معالجة الإسهال وعسر الهضم، كما تساعد في تطهير الأمعاء. وفي الطب الشعبي جرت العادة على استخدامها على شكل كمادات خارجية لإزالة الثآليل الجلدية ولمعالجة الربو والسعال. ونظراً لاحتواء الخرنوب على التانينات وحمض الغاليك فهو يساهم في الوقاية من السرطان. ثم أن طحين الخرنوب كمادة أولية يمكن إدخاله في عدد من الصناعات الغذائية في سورية، وأنا أعمل حالياً لإدراجها في كثرة من الصناعات الغذائية ولكن بشكل علمي ومنهجي وليس بصورة عشوائية.

إن الخرنوب محصول صناعي جديد يمكن أن يكون رديفاً للزيتون والسمّاق في المناطق الساحلية السورية، وسيسهم في تنمية الريف، وتوفير دخل إضافي جديد للمزارعين، وخاصة في هذه الفترات من الأزمات الاقتصادية وتغير المناخ وقلة الأمطار التي أثرت بشكل كبير على الفلاحين».

ثم قالت «لنتبع تجربة إسبانيا التي تأتي في مقدمة منتجي الخرنوب على المستوى العالمي، إذ استثمرت بعض شركات صناعة الأغذية الجبال وزرعتها بشجر الخرنوب، وبالتالي، يجب أن نبدأ أولاً باستثمار جبالنا وزراعتها بهذا النوع من الأشجار الحرجية ليصبح بذلك الخرنوب حامياً للتربة وللبيئة بشكل عام، ومصدر دخل جيدا إذا ما أحسن استثماره. إن صناعة طحين الخرنوب وفق أسس علمية ستسمح لهذا المنتج بأن يصدر إلى دول أخرى في أميركا الشمالية وأوروبا وبذا سيصبح الخرنوب من المحاصيل الضرورية جداً للاقتصاد السوري».