تونس تعتزم الترخيص للأحزاب المحظورة «خلال أيام»

هزة في الخريطة السياسية: اعتماد 6 أحزاب جديدة وحظر «التجمع».. وحزبا الغنوشي والمرزوقي في مقدمة المنتظرين

TT

أعلن رئيس الوزراء التونسي محمد الغنوشي أمس أن السلطات تعتزم تشريع الأحزاب التي كانت محظورة في ظل نظام بن علي «خلال أيام». ولم يسم الغنوشي، الذي كان يتحدث أمام مجلس المستشارين، هذه الأحزاب إلا أن حركة النهضة الإسلامية التي يتزعمها الشيخ راشد الغنوشي والمؤتمر من أجل الجمهورية (يسار) الذي يتزعمه منصف المرزوقي يبدوان في مقدمة الهيئات السياسية التي تقدمت بملفات وتنتظر الترخيص.

وقد تغيرت الخريطة السياسية في البلاد منذ سقوط نظام بن علي في 14 يناير (كانون الثاني) كثيرا، إذ تم تعليق نشاطات التجمع الدستوري (الحاكم سابقا)، وجرى اعتماد ستة أحزاب جديدة (معظمها يسارية وقومية) على الأقل مما رفع عدد الأحزاب المرخص إلى 15.

ففي 22 يناير الماضي، حصلت «حركة البعث» التي يتزعمها عثمان بن الحاج عمر وهي مصنفة ضمن أحزاب اليسار على الترخيص، ويهدف هذا الحزب بالخصوص إلى بناء مؤسسات البلاد والحفاظ على الهوية العربية الإسلامية لتونس. كما حصل الحزب الاشتراكي اليساري الذي يتزعمه محمد الكيلاني على الترخيص للعمل السياسي يوم 17 يناير، علما أن عناصر هذا الحزب تنحدر من حزب العمال الشيوعي (حزب حمة الهمامي) وكانوا قد انشقوا عنه في عقد التسعينات من القرن الماضي على خلفية الاختلاف في تقييم الوضع السياسي في البلاد.

أما حزب العمل الوطني الديمقراطي وهو حزب سياسي ماركسي فقد حصل على الترخيص القانوني يوم 19 يناير وهو حزب كما ذكر بيانه التأسيسي في 2005 يوجه نشاطه «إلى العمال ومختلف فئات الشعب الكادح». بدوره، حصل حزب تونس الخضراء يوم 17 يناير، على الترخيص القانوني، وهو يضع نفسه في خانة المدافعين عن البيئة والديمقراطية وحقوق الإنسان ويتزعمه عبد القادر الزيتوني. وقد منحت وزارة الداخلية التونسية الترخيص إلى هذه الأحزاب في ظرف 24 ساعة فحسب، وأبقت النظر والتمحيص بحق مجموعة أخرى من الأحزاب التي يمثل نشاطها السياسي إشكالا سياسيا وثقلا داخل المجتمع التونسي على غرار حركة النهضة الإسلامية التي يتزعمها راشد الغنوشي. وقد قدمت حركة النهضة ملفا للحصول على الترخيص القانوني يوم 31 يناير الماضي، وما زالت في انتظار الحصول على الترخيص بصفة نهائية.

ومن الأحزاب الأخرى التي لا تزال تنتظر الترخيص القانوني لها، حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يتزعمه المنصف المرزوقي والذي قدم في الآونة الأخيرة طلبا باعتماده، وحزب العمال الشيوعي التونسي الذي يقوده حمة الهمامي والذي ينادي بإسقاط حكومة محمد الغنوشي. وقد يطرح هذا الحزب على وزارة الداخلية مشكل الاعتراف به على اعتبار أن تصنيفه غالبا ما يميل إلى العمل الراديكالي. كما تقدمت الحركة الناصرية التقدمية يوم 1 فبراير (شباط) الحالي بملف للحصول على الترخيص القانوني، وهو تجمع لمعظم القوميين ويضم في تركيبته «صوت الطالب الزيتوني» واليوسفيين، نسبة إلى الزعيم التونسي صالح بن يوسف الذي يتهم نظام الرئيس الأسبق بورقيبة بتصفيته جسديا في بداية عقد التسعينات. وتضم قائمة الأحزاب التي تنتظر الترخيص «حركة التجمع العربي القومي»، و«التيار القومي التقدمي».

ويتوقع متابعون للشأن السياسي في تونس أن تظهر على الساحة السياسية مجموعة أخرى من الأحزاب بينها «حزب العدالة والمساواة» وهو من تيار اليسار الإسلامي وبعض التيارات السياسية الأخرى المحسوبة على القوميين.

في غضون ذلك، تجد أحزاب المعارضة في عهد بن علي نفسها في مأزق حقيقي، لأن معظمها ساند حزب التجمع الدستوري ورشح بن علي للانتخابات الرئاسية وناشده في المناسبات السابقة مواصلة المسيرة، والبعض منها عرف بعد الإطاحة بابن علي تصدعا من الداخل حيث تمت الإطاحة بقياداته. وشمل هذا الأمر حزب الوحدة الشعبية (قومي اشتراكي) وحركة الديمقراطيين الاشتراكيين (توجه اشتراكي) والحزب الاشتراكي التحرري (حزب ليبرالي)، في حين سارع الحزب الديمقراطي التقدمي أحد أبرز معارضي حكم بن علي إلى المشاركة في الحكومة المؤقتة إلى جانب حركة التجديد. وبقي التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات بزعامة مصطفى بن جعفر في وضع مستقر في انتظار اتضاح صورة المشهد السياسي. ولم يجد كل من حزب الخضر للتقدم والاتحاد الديمقراطي الوحدوي من دور يقومان به خلال هذه المرحلة.

يذكر أن كل حزب قدم ملفا قانونيا للترخيص له، لدى وزارة الداخلية، لا يمكنه، حسب قانون الأحزاب التونسي، إلا ممارسة النشاط السياسي لمدة ثلاثة أشهر فقط، وبعدها يتم الترخيص له بصفة نهائية أو يمنع من النشاط. وبدورها، تقول حركة النهضة الإسلامية، مثلا، إن منح الترخيص لها لن يكون مرجعه قانون الأحزاب بل سيكون معتمدا على قرار سياسي في المقام الأول. وهذا التفسير تراه الحركة الأقرب إلى واقع الحال في تونس، فملفها «سمين» على حد تعبير بعض المصادر بوزارة الداخلية ولا يمكن البت فيه إلا بعد ترو وحكمة، وذلك بالنظر إلى دقة تنظيم الحركة وقواعدها الكبيرة المنتشرة في مختلف المناطق وإمكانية سيطرتها على الوضع السياسي. ولعل مسارعة قيادات النهضة وعلى رأسهم راشد الغنوشي إلى القول خلال الأيام القليلة الماضية إن الحركة استفادت من أخطائها وهي اليوم ناضجة ولا تطمع سوى في الحصول على حصة لا تتجاوز 20 في المائة من الأصوات، قد يفهم منها على أنها خطوة تهدف لطمأنة جانب من السلطة ومكونات المجتمع المدني.