غموض حول مهام أميركي اعتقل في باكستان بتهمة قتل

جدل حول دوافع الجريمة والحصانة الدبلوماسية.. وحيازته لسلاح

ريموند ديفيس
TT

أثارت قضية جندي القوات الخاصة الأميركية السابق ريموند ديفيس، الذي اعتقل في باكستان على خلفية اتهامه بقتل باكستانيين، غضبا دبلوماسيا، مما دفع بالعلاقات المتوترة بين باكستان والولايات المتحدة إلى مستوى جديد من التوتر.

وقال ديفيس، 36 عاما، الذي كان يقود سيارة وسط زحام كثيف في هذه المدينة، للشرطة فيما بعد إن رجلين كانا يركبان دراجة نارية حاولا سرقته، مما دفعه إلى إطلاق النار عليهما، ليلقى عليه القبض بعد ذلك مباشرة من قبل ضباط الشرطة الذين قالوا إنه كان يحمل مسدسا من طراز غلوك ومصباحا يدويا يعلق على عصابة الرأس ومنظارا صغيرا. وقد أثار الغموض بشأن الغرض من استخدام ديفيس لهذه المعدات استياء الباكستانيين من تجول الكثير من العناصر الأمنية الأميركية بحرية في البلاد وعدم خضوعهم للمحاسبة أمام السلطات الباكستانية. وغصت الصحافة الباكستانية، استنادا إلى الأغراض التي كانت بحوزة ديفيس وبطاقات الهوية المتعددة التي يحتفظ بها، بالعديد من التكهنات بشأن مهام عمله والتي رفض المسؤولون الأميركيون الحديث عنها. وقدم المسؤولون الأميركيون توصيفات فضفاضة لمهام ديفيس التي وصفوها بالأمنية أو التقنية على الرغم من أن مهامه معروفة فقط لرؤسائه المباشرين.

وتصر إدارة الرئيس باراك أوباما على أن ديفيس يخضع للحصانة الدبلوماسية بموجب معاهدة جنيف، ومن ثم ينبغي إطلاق سراحه من السجن. وقالت الإدارة إن ديفيس احتجز بصورة غير قانونية في الشارع من قبل الشرطة بعد إطلاق النار، وكان ينبغي السماح له بالعودة إلى القنصلية الأميركية في لاهور وفقا للأعراف الدبلوماسية. وحذرت الولايات المتحدة الحكومة الباكستانية من أنه في حال عدم إطلاق سراح ديفيس، فإن زيارة الرئيس آصف علي زرداري المقررة إلى واشنطن في أواخر مارس (آذار) ستكون معرضة للخطر وكذلك إمكانية قطع المعونات الاقتصادية التي تحتاجها باكستان. وقال مسؤول أميركي إن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التقت قائد الجيش الباكستاني أشفق برويز كياني على هامش مؤتمر في ميونيخ وناقشت معه قضية ديفيس، مشيرة إلى أن السلطات الباكستانية تحتجز ديفيس بصورة غير قانونية ومن ثم ينبغي إطلاق سراحه.

وأوضح المسؤولون الأميركيون أنهم قلقون بشأن سلامة ديفيس الذي اعتقلته الشرطة الباكستانية في إقليم البنجاب، الذي تحول في الآونة الأخيرة إلى معقل للمقاتلين الراديكاليين.

وعلى الجانب الآخر، رفضت حكومة الرئيس زرداري، التي تواجه غضبا شعبيا ومتابعة إخبارية على مدار الساعة، المطالب الأميركية بإطلاق سراح ديفيس، قائلة إن المحكمة هي التي ستتعامل مع القضية.

وكانت الأحزاب الدينية قد دعمت عائلتي القتيلين، وهو ما زاد من رفض الحكومة إطلاق سراح ديفيس. وأوضح محقق في الشرطة الباكستانية أن ديفيس محتجز في مركز لتدريب الشرطة حيث يحتجز بمعزل عن السجناء الباكستانيين، وقد رفض الإجابة عن أي أسئلة أو التحدث بشأن عائلته.

وتزايد الغضب الشعبي تجاه ديفيس يوم الأحد الماضي عندما أقدمت زوجة أحد القتيلين، والتي تبلغ من العمر 18 عاما، على الانتحار ظنا منها أن الحكومة الباكستانية ستطلق سراح الأميركي. ووسط هذا الغضب الشعبي تثار الشكوك بشأن طبيعة عمل ديفيس وكذلك تساؤلات بشأن وجود صور لمبان في مدن باكستانية على الكاميرا الخاصة به.

وتشير إحدى بطاقات الهوية التي صادرتها الشرطة والتي حصلت عليها صحيفة «دون» الصادرة باللغة الإنجليزية في باكستان، إلى أنه يعمل متعاقدا أمنيا مع وزارة الدفاع الأميركية، فيما تشير بطاقة الهوية الأخرى إلى أنه يعمل بالقنصلية الأميركية في بيشاور وهو ما يتناقض مع البيان الأولي للسفارة الأميركية في اليوم الذي شهد إطلاق النار والذي أشار إلى أن ديفيس يعمل بالقنصلية في لاهور.

وتقول الشرطة الباكستانية إن ديفيس، الذي كان يرتدي سروالا من الجينز وقميصا، كان يقود سيارة في واحد من أكثر الأحياء ازدحاما في لاهور عندما أطلق الرصاص على رجلين عبر مقدمة سيارته، ثم ترجل من سيارته والتقط صورا للرجلين بكاميرته الرقمية. وقال للشرطة إنه أطلق الرصاص دفاعا عن النفس لأنه كان يعتقد أن الرجلين مسلحان.

وقال الدكتور فخر الزمان الطبيب الشرعي الذي أشرف على تشريح الجثتين إن الأول، فيضان حيدر، أصيب بخمس رصاصات في جسده بينها اثنتان في ظهره، أما الثاني، محمد فهيم، فتلقى أربع رصاصات في جسده منها واحدة في رأسه وأخرى في ظهره.

وقالت الشرطة في بيانها إن حيدر وفهيم كانا مسلحين ويحملان هواتف جوالة مسروقة وقت إطلاق النار عليهما. وبعد دقائق من إطلاق النار على الرجلين سارع ديفيس إلى طلب النجدة، حيث سارعت سيارة تابعة للقنصلية الأميركية في لاهور إلى مكان الحادث، وهي تقود في الاتجاه المعاكس للشارع لتصدم راكب دراجة باكستانيا توفي بعد وقت قليل من نقله إلى المستشفى.

ونشرت الصحف الباكستانية صور الزجاج الأمامي لسيارة ديفيس البيضاء وبه ثقوب الرصاصات مع إشارات إلى المكان الذي كان ديفيس يوجد فيه.

يشار إلى أن ديفيس قضى عشر سنوات في صفوف القوات المسلحة الأميركية بدأها في قاعدة بنينغ بولاية جورجيا حيث تلقى تدريبا عسكريا عام 1993، ثم انتقل إلى التدريب على العمليات العسكرية الخاصة مع فوج القوات الخاصة الثالث في قاعدة براغ بولاية كارولينا الشمالية عام 1998 ثم ترك الجيش في عام 2003، وكانت مهامه الخارجية الوحيدة بحسب سجلات الخدمة في الجيش ستة أشهر قضاها ضمن قوات حفظ السلام في مقدونيا عام 1994.

وبعد ترك القوات المسلحة، قرر ديفيس الاستفادة من الازدهار في أعمال التعاقد العسكري، وأنشأ هو وزوجته ريبيكا ديفيس، شركة «هيبريون» لخدمات الحماية في عام 2006 في نيفادا، التي سعت إلى الحصول على تعاقدات حكومية لتوفير خدمات أمنية.

ومن الواضح أن الشركة لم تنجح في الحصول على عقود ضخمة، ويبدو أنها اقتصرت على خدمات ديفيس فقط بحسب ضابط قوات خاصة سابق راجع ملفات الشركة. وتشير أوراق ديفيس التي تقدم بها للحصول على التأشيرة إلى أنه وصل باكستان في نهاية عام 2009، حيث تشير إلى أنه يعمل ضمن الفريق الفني والإداري للقنصلية هناك.

كان من الواضح أن أولى مهامه كانت في بيشاور، التي تقع على أطراف المناطق القبلية. ويذكر الشخص الباكستاني الذي عمل في المنزل الذي أقام فيه ديفيس أنه كان سخيا للغاية معهم فقد ترك عدة مئات من الدولارات لكل من العاملين هناك لدى مغادرته العام الماضي.

ويؤكد المسؤولون الباكستانيون على أن أي قرار بشأن قضية ديفيس ستكون له تداعيات كثيرة. ويقول سعيد خالد، المدير العام السابق لقسم شؤون أميركا في وزارة الخارجية الباكستانية: «يجب أن تؤدي عمليات القتل في لاهور إلى فرض قيود صارمة على حرية تجول أميركيين وبحيازتهم أسلحة في شوارعنا».

(شارك في هذا التقرير إسماعيل خان من بيشاور، ووقار جيلاني من لاهور، وإريك شميت من واشنطن) (* خدمة «نيويورك تايمز»)