واشنطن: الحكومة المصرية لم تصل إلى عتبة طموحات الشعب

أبو الغيط مندهش لمطلبها رفع الطوارئ.. والبيت الأبيض يطالب برفعها فورا

TT

ظهرت فجوة بين الحكومة المصرية والإدارة الأميركية أمس، بعد أن عبر وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط عن عدم امكانية مصر من تنفيذ مطلب واشنطن برفع قانون الطوارئ. وتحدث ابو الغيط في مقابلة تلفزيونية كان من المرتقب بثها مساء امس عن التطورات في مصر، قائلا ان الولايات المتحدة تحاول «فرض حل اميركي» على مصر. وأضاف ابو الغيط، بحسب بيان صحافي نشرته قناة «بي.بي.اس» التي اجرت المقابلة ان تصريحات الإدارة الاميركية كانت «مرتبكة» في الأيام الأولى من المظاهرات، لكنه اعتبر الموقف الاميركي حاليا أفضل من السابق. وردا على سؤال حول تصريحات ابو الغيط، قال الناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيبس، ان رفع قانون الطورائ فورا امر مهم، لإظهار نية الحكومة المصرية في اتخاذ خطوات تستجيب لمطالب المعارضة المصرية. ورأرى غيبس في مؤتمره الصحافي اليومي أن «الانتقال الى السلطة يجب ان يبدأ الآن، وان يخرج بتقدم واضح، ما قدمته الحكومة حتى الآن لم تصل الى عتبة طموحات الشعب المصري». واضاف «على الحكومة اتخاذ خطوات صلبة للرد على المطالب التي قدمها الشعب الى الحكومة، والا ستتواصل المظاهرات». ولكنه رفض الافصاح عما هو الرد الاميركي، اذا رفضت الحكومة القيام بالخطوات المطلوبة، قائلاً إنه «لا يمكننا فرض أمر عليهم». وبينما اعتبر ابو الغيط ان الرئيس المصري حسني مبارك المسؤول هو الأفضل لمعالجة الأزمة في مصر، خصص غيبس تصريحاته حول نائب الرئيس المصري عمر سليمان. وقال غيبس: «نائب الرئيس عمر سليمان يقود عملية الانتقال.. وعليه اتخاذ الخطوات التي حددناها، ومن بينها رفع قانون الطوارئ والتعديلات الدستورية التي تسمح بانتخابات حرة وعادلة». واضاف أن «الشعب المصري يعتقد انه ينبغي فعل المزيد». وأكد غيبس ان «نائب الرئيس سليمان مسؤول عن عملية يمثل فيها الحكومة المصرية للتفاوض مع المعارضة المصرية.. الامر لا يعود لنا لقرار من يمثل الحكومة المصرية أو المعارضة». وحذر غيبس من انه «لا يمكن الرد على احتجاجات المتظاهرين بالعنف»، مضيفا انه «من الواضح ان على الحكومة القيام بتغييرات فورية لا يمكن عكسها». في الوقت ذاته شجعت الولايات المتحدة الجيش المصري على مواصلة التحلي بالاعتدال، بعدما اكدت القاهرة انه قد يتدخل في حال حصول فوضى في البلاد.

وبحسب البيان الصادر عن «بي.بي.اس»، سئل ابو الغيط عن مكالمة نائب الرئيس الاميركي جو بايدن مع سليمان اول من امس، ليرد ابو الغيط بأن «نصائح بايدن غير مساعدة». وقال أيضا أنه مندهش لمطلب بايدن بإنهاء العمل بقانون الطوارئ بينما تصارع الحكومة احتجاجات ضخمة في الشوارع للاسبوع الثالث.

وأضاف ابو الغيط أنه «عندما قرأتها هذا الصباح اندهشت حقا لأنه... الان ونحن نتحدث لدينا 17 ألف سجين هم طليقون في الشوارع، خرجوا من السجون التي دمرت. كيف يمكنك أن تطلب نوعا من الغاء قانون الطوارئ، بينما انا في وقت شدة... امنحني الوقت اسمح لي بالسيطرة من اجل استقرار البلاد واستقرار الدولة، وبعدها سننظر في الامر».

وبعد تخبط في الموقف الأميركي تجاه بقاء الرئيس المصري حسني مبارك في الرئاسة حتى سبتمبر (أيلول) المقبل، من مطالبة فورية بـ«انتقال السلطة»، إلى التراجع عنها، تسعى إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الابتعاد عن النقاش حول الرئاسة المصرية تحديدا والتركيز على خطوات ملموسة للإصلاح في مصر، لضمان إجراءات تسمح بانتخابات حرة وعادلة في الخريف المقبل.

وظهر هذا التحول في الموقف الأميركي أول من أمس مع نشر البيت الأبيض تفاصيل غير مسبوقة حول اتصال قام به نائب الرئيس الأميركي جو بايدن مع نظيره المصري عمر سليمان. وبينما اختصرت بيانات سابقة حول الاتصالات مع القادة المصريين على بضعة أسطر، نص بيان أول من أمس على خطوات ملموسة تطالب بها واشنطن، على رأسها رفع قانون الطوارئ ومنع وزارة الداخلية المصرية من اعتقال وتخويف المتظاهرين والصحافيين. وقال البيان إن بايدن شدد على ضرورة أن «تنتج عملية الانتقال تقدما فوريا وغير قابل للتراجع يتماشى مع طموحات الشعب المصري». وأضاف البيان أن بايدن «انتبه للخطوات التي تعهدت الحكومة المصرية باتخاذها للرد على المعارضة وطالب الحكومة بالعمل الفوري لتحقيق تلك التعهدات».

وأفادت مصادر أميركية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن موضوع «الانتقال في السلطة» لا يعني فقط موعد انتهاء رئاسة الرئيس المصري مبارك، بل يشمل خطوات ملموسة ضرورية لضمان الانتقال السلمي. وجاء نشر تفاصيل محادثة بايدن وسليمان لتوضيح الخطوات التي تطالب بها واشنطن بعد أيام من الضبابية حول موقف أوباما وإثارة ضجة حول الموقف من بقاء مبارك في السلطة خلال الأشهر المقبلة. وقال مسؤول في البيت الأبيض لـ«الشرق الأوسط»: «هذه ليست المرة الأولى التي نثير فيها هذه القضايا، بل تحدث مسؤولون مثل وزيرة الخارجية (هيلاري كلينتون) ونائب الرئيس (بايدن) مع المصريين حولها.. نحن بحاجة إلى رؤية أدلة باتخاذ خطوات حقيقية في مصر» تساعد على انتقال السلطة.

وحدد البيان أربع نقاط تطالب بها واشنطن، هي «كبح تصرفات وزارة الداخلية من خلال وقف فوري لاعتقال ومضايقة وضرب وحجز الصحافيين والنشطاء السياسيين ومن المجتمع المدني والسماح بحرية التعبير والتجمع»، بالإضافة إلى «الرفع الفوري لقانون الطوارئ» و«توسيع المشاركة في الحوار الوطني لتشمل مجموعة كبيرة من أعضاء المعارضة» و«دعوة المعارضة كشريك في تطوير خريطة طريق وجدول زمني للانتقال» في السلطة. وشدد البيان على أن تصحب هذه الخطوات «سياسة واضحة من عدم الانتقام» ضد المعارضة والمتظاهرين.

وهناك انزعاج أميركي واضح من التصريحات المصرية الرسمية على التلفزيون المصري التي ادعت أن بعض عناصر المعارضة المصرية دربتها جماعات «أميركية»، بالإضافة إلى وجود عناصر إسرائيلية تحرك المعارضة. وقال الناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيبس إن «الكلام الذي سمعناه على التلفزيون بأن الأجانب وراء ما يحصل في مصر يتعارض مع الحقيقة على الواقع». وأثار رئيس «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» روبرت ساتلوف هذه القضية في شهادته أمام الكونغرس أمس حيث قال: ومن جهة أخرى، تحرص الإدارة الأميركية على عدم التركيز على «أمن إسرائيل» في تصريحاتها العلنية حول مصر، كي لا تثير غضب الشارع المصري وتجلب انتقادات لها، إلا أنه في الاجتماعات المغلقة والاتصالات مع الإسرائيليين، هناك اهتمام كبير بذلك. ووصل وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك إلى واشنطن، حيث أجرى لقاءات رفيعة المستوى مع مسؤولين أميركيين لبحث الأوضاع في مصر. وبينما امتنعت الإدارة الأميركية عن الإعلان رسميا عن زيارة باراك إلى واشنطن، كشفت السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأميركية عن برنامج باراك الذي شمل اجتماعا رباعيا مع وزيرة الخارجية الأميركية ووزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس ومستشار الأمن القومي توم دونيلون في البيت الأبيض، لبحث الأمور في مصر عصر أمس. ورفض كل من البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأميركية في اتصال مع «الشرق الأوسط» تأكيد لقاء إيهود باراك مع المسؤولين الأميركيين في البيت الأبيض صباح أمس، متحججين بأنه لا يتم الإعلان مسبقا عن لقاءات مثل هذه، بل تعلن عنها بعد إجرائها.

وخلال زيارته، التي تستمر اليوم، يقدم باراك الموقف الإسرائيلي من التطورات في مصر للأميركيين، بينما يطالب بتأكيدات أمنية من واشنطن. وأفادت صحيفة «بوليتيكو» الأميركية بأن باراك التقى مع مستشار البيت الأبيض دينيس روس، بالإضافة إلى عدد من أعضاء الكونغرس، مثل رئيسة لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركية إلينا روس - ليتنين.

وترأست روس - ليتنين جلسة استماع في لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس النواب الأميركي أمس حول التطورات في مصر ولبنان، قالت فيها إن «التغييرات الأخيرة في مصر ولبنان تشكل تحديات كبيرة للسياسة الأميركية ومصالحها وحلفائها في الشرق الأوسط». وأضافت: «في مصر، نرى زعزعة استقرار لحكومة كانت شريكا أساسيا للولايات المتحدة خلال 3 عقود.. لقد فشلت حكومات متتالية في تطوير وتطبيق استراتيجية بعيدة الأمد للانتقال من الوضع القائم والاستعداد للمستقبل». وتابعت: «إدارات متوالية رفضت جهود أعضاء الكونغرس للمطالبة بالمحاسبة الملائمة لوفاء مصر بشروط الدعم المالي لها»، موضحة: «حكومة مبارك كانت حليفا ثمينا ويعتمد عليه في الشؤون الأمنية، ولكن العلاقة يجب أن تمتد لما بعد مبارك.. من قصر النظر والخطر أن تبني الولايات المتحدة سياستها تجاه دولة أخرى بناء على شخص واحد».