القرن النفطي السعودي.. تاريخ يأسر الألباب بذاكرة أميركية

الملك عبد العزيز فتح الأبواب لانطلاقته قبل 90 عاما مع النيوزيلندي هولمز * تاريخ الزيت.. أحداث وحكايات أميركية من عصر الروبية إلى الانتفاضة العمالية وتأسيس «أرامكو» - السعودية

ركوب الحمير كانت متعة للأسر الأميركية التي عمل أربابها في شركة «أرامكو» العملاقة
TT

* قياديون أميركيون عملوا في استخراج الذهب الأسود خلال ثلاثينات القرن الماضي يبوحون بأسرار عملهم في شركة النفط العملاقة

* بدأ تاريخ الزيت منذ انطلاقته قبل نحو 90 عاما، عندما فتح الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود امتياز التنقيب عن الذهب الأسود للنيوزيلندي الميجور فرانك هولمز عن شركة الـ«أيسترن جنرال سنديكات»، ثم تواصل هذا التاريخ ليشهد توقيع الامتياز مع شركة نفط كاليفورنيا ستاندارد وعدد من الشركات الأميركية الأخرى، ثم تأسيس شركة الزيت العربية («أرامكو»). هذا التاريخ سيحقق التوثيق والدراسة والرصد، بصفته جزءا وجانبا من التاريخ الوطني السعودي، بل يشكل جزءا مهما نحو صناعة النفط العالمي.

ونجحت دارة الملك عبد العزيز في توثيق حقبة مهمة تتعلق بموضوع الزيت في السعودية من خلال تسجيل ذكريات وانطباعات شخصية لثمانية من الموظفين الأجانب من الجنسية الأميركية ممن عملوا في استخراج النفط في السعودية وغطت الروايات المسجلة معهم فترة زمنية امتدت من ثلاثينات القرن الماضي إلى ثمانيناته، بينوا فيها حياتهم اليومية في البلاد الجديدة والأعمال الوظيفية التي تقلدوها والصعوبات التي واجهتهم في حياتهم العملية.

واختار الكتاب وترجمه إلى العربية الدكتور عبد الله بن ناصر السبيعي، المتخصص بتاريخ الزيت وصاحب الإصدارات المميزة عن أثر اكتشاف الزيت الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في المنطقة، نقلا عن مقابلات أجرتها في عام (1992/1993م) كارول هيك من المكتب الإقليمي للتاريخ الشفهي بجامعة كاليفورنيا مع كل من: فرانك جنكرز «رئيس مجلس إدارة متقاعد» وبول أرنوت مهندس نفطي، ونائب رئيس، وإليزابيث أرنوت «ممرضة»، وبالدوماز نوفيتش «موظف مالي»، ووليم أوين مستشار قانوني وبروك باوز «جيولوجي تنفيذي»، وبيترسبيرز «رئيس شعبة الترجمة»، وإيلين سبيرز «مراقبة».

وفي مقدمته للكتاب شدد فرانك جنكرز، رئيس مجلس الإدارة وكبير المديرين التنفيذيين المتقاعد في «أرامكو» وأحد الثمانية الذين سجلوا ذكرياتهم في الكتاب على أن تاريخ النفط في الشرق الأوسط يأسر الألباب، بسبب التأثير العميق الذي كان له في الأنظمة الاقتصادية والسياسية للعالم. كانت شركة الزيت العربية الأميركية («أرامكو») أكبر جزء من ذلك التاريخ، لكونها أصبحت الشركة الكبرى عالميا في إنتاج النفط، لكن الأهمية الكبرى تكمن في بروز الشركة بوصفها عاملا مؤثرا في حياة كل عرب الشرق الأوسط، خصوصا أولئك الذين عاشوا في المملكة العربية السعودية، والمناطق الواقعة على طول الجانب الغربي للخليج العربي، مشيرا إلى أن «أرامكو» لم تحتفظ خلال مشوار تطورها بتاريخ الشركة الرسمي، اللهم إلا ذكريات للسعوديين وموظفي الشركة، وأنا شخصيا من ضمنهم، كانت مصدرا غنيا للحقيقة، والحكاية النادرة، والرأي الذي يضيء تاريخ «أرامكو» والمملكة العربية السعودية، تبدو بعض الأحداث ظريفة وفكهة، بل مذهلة إلى حد ما عندما ينظر إليها بعيون معاصرة، لكن تقدم إجمالا، وجهات نظر فريدة حول حقبة تمتد لتسبر القرن النفطي، وتتضمن التكوين والنمو لكل من الشركة والوطن.

ومن جانبها، أوضحت كارول هيك التي سجلت اللقاءات التي تضمنها الكتاب، أن قصة إنجازات «أرامكو» جاءت حية في الذكريات الشخصية لأولئك الذين ساهموا فيها، وأنها شرعت في جمع هذا التاريخ الشفهي مع عزم على تسجيل تاريخ «أرامكو» من وجهة النظر الإنسانية والشخصية والتوثيق أكثر من كونها مجرد حقائق، إنها تصف مسألة الأحداث والمزاج والمغامرة للعيش في المملكة العربية السعودية والنمو لشركة النفط. تتضمن هذه الروايات التاريخية الشفهية ذكريات لمدة أواخر ثلاثينات القرن العشرين الميلادي إلى ثمانيناته، مشيرة إلى أن تاريخ شركة «أرامكو» يعد جزءا مهما من نمو صناعة النفط العالمية، غير أن التاريخ الشفهي في المشروع يعد مجرد نموذج صغير في التاريخ الغني لهذه المنجزات القائمة بين ثقافتين ينبغي أن نسمع أصوات مزيد من الأميركيين، وينبغي أن نسجل ذكريات السعوديين الذين أسهموا كثيرا في إنجاح المشروع، إنها قصة ينبغي أن تسرد، ويحتاج إلى تذكرها.

وبدأ فرانك جنكرز، رئيس مجلس الإدارة وكبير المديرين التنفيذيين في شركة «أرامكو» من عام 1948 إلى 1978، الحديث بالإجابة عن سؤال بخصوص الملك عبد العزيز:

هيك: هل قابلت في أي وقت مضى الملك عبد العزيز؟

جنكرز: لا، فقط رأيت الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، المعروف لدى الغرب بابن سعود، مرة واحدة، قدم إلى المنطقة الشرقية في نحو عام 1951م أو 1952م، أعتقد أنها كانت كذلك، ونصبوا خياما في محيط مجمعنا السكني، ورأيته عن بعد. لا أعرفه. وهو بالطبع، توفي في الخمسينات الميلادية وخلفه ابنه الأكبر سعود الذي كان اسمه الكامل حسب الطريقة العربية سعود بن عبد العزيز آل سعود.

هيك: وهل قابلت الملك سعود؟

جنكرز: قابلته لفترة قصيرة أيضا، لكنني لم أكن في الصورة الإدارية في ذلك الوقت، وقد دعي إلى نادي اليخوت الذي كنت أنا أول رئيس له... وقدم النادي أمامه عرض التزلج على المياه. وكان معي أحد أبنائي الاثنين على قارب صغير، ورسوت هناك بجانب الرصيف وأخبرته أن يجلس هناك، وأن يتلزم الهدوء، ويراقب الملك عندما يصعد على ظهر المركب، عندما ظهر الملك قال جاري له: «أهلا أيها الملك» (يضحك). نظر إليه الملك سعود وابتسم ولوح له. وكان جاري مزهوا تماما بنفسه.

هيك: حسنا دعنا نترك فيصل إلى ما بعد قليل، هل كان الملك سعود طويلا كأبيه؟

جنكرز: نعم سعود كان رجلا كبيرا، وفيصل كان أيضا كبيرا، لكنه أكثر نحافة، ليس ذا بنية قوية، يختلف في مظهره عن أخيه، لأن أمه مختلفة.

المشكلات السياسية مع التابلاين

* ثم انتقل الحديث عن التابلاين عام 1949م، حيث أجاب جنكرز بالقول: بدأت التابلاين مشروع خط الأنابيب كما أظن في عام 1949م، أو هكذا وبالطبع، كانت آنذاك مشروعا متميزا يمتد من الخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسط. كان حجم الأنبوب ثلاثين أو واحدا وثلاثين بوصة، والذي عد في تلك الأيام حجما ضخما. فقد كان أول خط أنابيب مقاوما لتأثير المناخ تماما من ذلك الحجم.

ويضيف جنكرز: ومع مد خط أنابيب دولي، وجدت كل المشكلات التي يمكن توقعها. وافقت كل دول العبور على اتفاقية معينة قبل تشييد الخط، والكل كان تواقا إلى وجوده. لكن حالما يمر الخط في مكان «خط الأنابيب لا يسير على عجلات ولا يمكن تحريكه»، تميل حكومات العبور إلى التقدم بطلبات جديدة لرسوم عبور على أساس «تغير الظروف»، لأنهم يريدون أموالا أكثر، وهكذا فإن خط أنابيب دوليا يصبح أمرا متشابكا في السياسة والاقتصاد للأقطار، وهذا ما يسبب اختلالا أمنيا عظيما خلال فترات التوترات الدولية.

تتغير السياسات داخل الأقطار التي نعبرها باستمرار، معظمها عموما كان بسبب الوضع الإسرائيلي وحالة الحرب المستمرة في الشرق الأوسط. لذا، كانت تلك مشكلة التابلاين ومصيره.

أيضا، مبدئيا بالطبع، كان خطا متميزا كان يمتد مئات الأميال في الصحراء ينقل أكثرية إنتاج شركة «أرامكو» حينها، وكان بديلا لاستخدام قناة السويس.

ولذا، أصبح شركة منفصلة بفصله عن الأعمال الرئيسة للإنتاج، التي كانت تقوم بها «أرامكو»، لذا أسست تلك الشركة، التابلاين، نتيجة لذلك كشركة شقيقة لـ«أرامكو» بنفس المساهمين، وبعد سنوات من إتمام بناء الخط أصبح أقل قدرة للعمل، كلما ازداد إنتاج «أرامكو» فوق طاقة خط التابلاين وجب نقله بالشاحنات، وكلما أدرك المساهمون والحكومة السعودية أن عدم استقرار أمن التابلاين الممتد عبر أقطار كانت في حالة حرب، يعني وجوب بناء قدرة شحن إضافية في الخليج.

سعوديات في «أرامكو»

* وبخصوص توظيف نساء في بدايات «أرامكو».. قال جنكرز: «وعينا نساء عربيات في فترة مبكرة، كثير منها تم سرا، وبقدر ما كان المجتمع مهتما، فلعدة وظائف كنا نحتاج النساء في المستشفيات من اللاتي يستطعن الكلام مع المرأة التي لديها مشكلة بدنية، وإقناعها بأن هذا الطبيب الرجل يجب أن يفحصها.. كان البديل أن تحضر زوجها أو ابنها، لكنه كان مرجحا أنه غير قادر على القيام بوظيفة الترجمة الصحيحة بينها وبين الطبيب، لذا أوجدنا وظائف مثل تلك التي تتطلب نساء شبه متعلمات، كان لدينا وظائف كتابية يستطعن أداءها. تستطيع الفتيات الحضور ومحاولة الحصول على وظيفة حالما يكن خارجات للمدرسة، وبعدها يذهبن إلى المنزل ويقلن: ستعطيني (أرامكو) وظيفة، هل تسمح لي بالذهاب إلى العمل؟ وسيقول الأب في الأغلب: لا. يمكن أن يكون موظفا ويعتقد أنها يجب أن تعمل، لكنها كانت وصمة عار بالنسبة إليه لإرسال بنت إلى الخارج إلى الجمهور الذي يتكون في معظمه من الذكور».

هيك: حسنا، دعنا نر، ما زلنا في الظهران.

جنكرز: حسنا. لذا، كان لدينا مدارس ومستشفيات، حتى إنه لدينا خدمة دفن موتى مركزية، بالطبع، ليس هناك شيء مشابه لذلك في المملكة العربية السعودية.

يدفن عرب الصحراء موتاهم عند غروب شمس يوم الوفاة، لذا لا يحتاجون إلى علامات رمزية، كان لدينا مقبرة خاصة بنا، لكن معظم الموتى الأجانب ترسل جثثهم إلى أوطانهم. لتشحن دوليا جثمانا كان ذلك يعني أن تفي بعدد من المعايير: يجب أن تحصل على الوثائق الصحيحة لتتمكن من إعادته إلى البلاد التي قدم منها، ويجب أن تحصل على نوع التابوت المناسب، الذي يجب أن يغلق تماما، وأن يوضع داخل صندوق معدني، كانت مشكلة تستغرق وقتا طويلا لا يصدق، لذا كان لدينا خدمة دفن.. أكثر من واحدة.

النفط سلاح وأزمات بسبب إسرائيل

* وتناول جنكرز موضوع النفط كسلاح سياسي عام 1973م بقوله: «كان الملك فيصل عارفا جدا بأهمية النفط وعواقب محاولة استخدام النفط سلاحا في حد ذاته. نحن كان لنا عدة نقاشات مع يماني حول الموضوع، فهمها يماني، بالطبع، ولكن مع مضي الوقت، أصبح الملك أكثر فأكثر اختلافا مع السياسة الأميركية الخارجية، التأييد الأعمى الدائم لإسرائيل، أصبح هذا تقريبا هاجسا شاغلا ذهنه، كنت أتلقى محاضرات منه حول لماذا يجب علينا أن نغير هذا، وكيف كانت تعد قلة تبصر وتمييز، وكيف كان الأميركيون يدفعون العالم العربي بعيدا من الغرب».

وفي مقابلة أجريت مع الزوجين بول «مهندس نفطي، ونائب رئيس» وإليزابيث أرنوت «ممرضة» في أبريل (نيسان) عام 1993م، نقتطع جزءا منها، تحدثا فيها عن عملهما في «أرامكو» وكيفية التحاقهما بها، ووصولهما البحرين وزواجهما في بيت القس للإرسالية الإصلاحية الهولندية في المنامة والصعوبات التي واجهتهما في عملهما في السعودية وعلاقتهما بالسعوديين وأبرز الأزمات التي واجهتهما والمتمثلة في انتفاضة العمال السعوديين على الأميركيين العاملين في الشركة عام 1967م، يقول بول: «لكن واحدة من الأشياء التي يمكن أن نشير إليها في هذه اللحظة بالضبط. تعرضنا لعدد من الأزمات في المملكة العربية السعودية، ففي كل وقت تحاول إسرائيل أو أي شخص غزو الأقطار العربية، فإنها تخلق دائما مشكلة بالنسبة إليها. خلقت أزمات حقيقية تماما. كنا غالبا نرحل النساء، ونعطي خيارا للرجال الذين يرغبون في المغادرة أيضا، مثال على ذلك، أحد أيام الأربعاء، لا أعرف.. سموها حجارة الأربعاء أو شيئا من هذا القبيل.. حدث ذلك في نحو عام 1966م».

هيك: في عام 1967م.

بول: عام 1967م، بالتأكيد تدفقوا إلى داخل الحي، وأتلفوا بعض الممتلكات، وقذفوا بالحجارة إلى آخره، وقلبوا السيارات، في ذلك الوقت أعطت الشركة الأشخاص خيار المغادرة، غادر عدد من النساء، وفعل بعض الرجال، لكنها كانت مثل القصف بالقنابل عام 1940م، اكتشفت أنك لا تستطيع أن تتنبأ بأي الأشخاص الراغبين في البقاء أو الأشخاص الذين يمكن أن تعتمد عليهم.

معظم المرحين، معظم الأشخاص الودودين، يكونون أول المغادرين على الطائرة.

العلاقات مع السعودية

* وتحدث الزوجان عن أساليب تمتعهم كأسرة مقيمة في الظهران بقولهما: إليزابيث: أوه، نعم، العطلات وكل شيء.

بول: نعم، العطلات، عيد الميلاد، وهكذا دواليك. نحن دائما نحاول أن... وفي ما بعد، فهمت في الظهران أنهم اعتادوا أن يقوموا بعروض تمثيلية في عيد الميلاد، كان لديهم جمال وخراف حية.

هيك: عيد الميلاد.

إليزابيث: نعم.

بول: واعتادوا أن يستخدموا قماشا من وبر الإبل على الجمال، وهكذا دواليك.

إليزابيث: وكان لديهم شجرة عيد ميلاد كبيرة، وكانت هناك مجموعة واحدة من منازل بنيت حول دائرة، وكانت لديهم شجرة كبيرة هناك يزينون كل سنة، لكنهم حينها لا يستطيعون أن يقوموا بإظهار زينات أعياد رأس السنة خارج منازلهم.

وفي ما بعد، كان لدينا دائما احتفال كبير بالرابع من يوليو (تموز) «عيد الاستقلال أميركا»: لحم مشوي وبطيخ أحمر، يحضرون البطيخ الأحمر، ويضعونه على ضفاف حمام السباحة. كانت تلك مناسبة كبرى، خاصة للأطفال، كان لديهم سباقات للحمير، وكل أنواع المناسبات.

هيك: سباقات للحمير؟

إليزابيث: نعم. «ضحك» ليس لديك خيول، ولديك حمير.

بول: أوه، بالتأكيد، أوه، اعتدنا أن يكون لدينا حمار، كرة بسبول، وأشياء أخرى قليلة، كان عليك أن تضرب الكرة، وتمتطي الحمار لتصل إلى الهدف الأول بالطبع الحمار لا يريد الذهاب! هيك: «ضاحكة» لم أسمع على الإطلاق بذلك، أوه، ياه.

إليزابيث: أوه، في ما بعد، كان لدينا استعراضات.. هل كان ذلك في.. لم يكن في ذلك الرابع من يوليو؟ لقد نسيت ما تلك المناسبة.. وبحلول ذلك الوقت، طوروا ما سموه هواية تربية الخيول. عدد من الأشخاص امتلكوا خيولا، خيولا ممتازة جدا.

هيك: عربية؟

إليزابيث: نعم. ولذا، كان يركبها مجموعة من الفرسان الرجال والنساء، وبعدها يسير الكشافة من الأولاد والبنات، تتولها عربات العرض وأشياء متنوعة، وكانت ضجة احتفالية فعلية، وحينها كان لديهم أكشاك نصبت حول ميدان البسبول، وتقوم إحدى المجموعات ببيع ساندويتشات السجق، وأخرى لديها كيك معد منزليا ومواد طعام وشراب متنوعة.

هيك: لا، بالطبع لا.

بول: كان الشاي دائما يقدم لاحقا، وكان يقدم في كوب زجاجي صغير، وكان محلى جدا بسكر صاف.

هيك: ماذا كان الغرض من هذه.. قلت: هذه كانت مهرجانات احتفالية.. للاحتفال بأيامهم الاحتفالية؟

بول: نعم، أو نحو نهاية شهر رمضان، والذي كان يشبه نهاية الصوم الكبير، وهلم جرا. ذلك كان واحدا منها. لديهم على الأقل نصف دزينة أخرى، كما بدأ بالنسبة إلي.

هيك: هل كان رمضان وقتا صعبا بالنسبة إليك وإلى الشركة؟

بول: لا، حسنا، كان... تبدأ تدرك مع قرب نهاية شهر رمضان أن الناس بدؤوا أبطأ فأبطأ، وسبب ذلك، أنهم لا يأكلون.. يمتنعون عن الطعام طوال اليوم، وبعدها يأكلون طوال الليل، ولا ينامون كثيرا. هذا هو الشيء الذي نلاحظه، حيث لاحظنا في ما بعد أن بعضهم بدأ يحتال عليه.

هيك: ألم يكن مثل هذا يمثل شأنا ثقافيا تماما؟

بول: لا، لا.

كما تحدث الزوجان عن العلاقة مع السعوديين أو ممن يعملون في «أرامكو»، حيث قال بول: أوه، كان لدينا آلاف السعوديين يعملون. أوه، كانت الشركة مرحبة جدا بالسعوديين، كانوا أناسا أذكياء جدا. كانوا (سهلي) التدريب.. كانوا متقدي الذكاء لدرجة كبيرة، وقابلين للتدريب كثيرا، ولا توجد مشكلات معهم في ذلك المسلك.. سأعطيهم تقديرات عالية، لأنهم فعلا.. كان من السهل عليهم تعلم اللغة الإنجليزية أكثر من قدرتنا على اكتساب لغتهم، مثلا، لا، كانوا جيدين جدا.

وكما أشارت إليزابيث، أنا لا.. طوال الوقت الذي أمضيته هناك، ثلاثين سنة، لا أتذكر أي سعودي على الإطلاق ضرب أميركيا، أتذكر حالات قليلة عكس ذلك، لكنني لا أتذكر.. لم يكونوا مولعين بالعراك في ذلك المعنى، وكانوا نوعا مرحا من الناس، أنا لا أعرف عما إذا كانوا تحلقوا أو قصوا قصصا أو نكتا أو لا، لا أعرف، لكنني أعرف أنهم يتحلقون ويؤدون كثيرا من القيل والقال، لكن أكثر من ذلك، لا أعرف.

هيك: كانوا غيورين جدا على نسائهم، بوضوح.

بول: حسنا، ذلك كان السؤال الأول الذي يسألنا الناس هنا: «كيف كانت حياتكم الاجتماعية مع النساء»؟ حسنا، ليس لنا فعليا قط أي حياة اجتماعية مع النساء.

بجلاء لا، حينها أسرة واحدة أو اثنتان تعرف جنس النساء، لكن تلك النساء قضين وقتا أكثر في لندن أكثر ما قضينه، في المنطقة ولذا فهن لسن نموذجا.

هيك: طبقة راقية جدا.

بول: أوه، نعم نحن لم ندع إطلاقا إلى منازلهم، ونحن لم ندعهم وزوجاتهم إلى منازلنا، ولذا فنحن فعليا لم يكن لدينا.. صلات اجتماعية.

حينها كان الرجال يفعلون.. حضرنا كل حفلات العشاء الرسمية التي اعتادوا إقامتها في الإمارة. كانت هناك أوقات عندما تمر الشخصيات المهمة الزائرة بالمنطقة.. وذلك يعود إلى الوجود في الظهران.. والمسؤولون الكبار في الظهران اعتادوا الذهاب إلى الدمام للمشاركة في تناول الوجبات. وسألت هيك بول بوصفه رئيسا لهذه الشركة المنتجة، عن المشكلات الرئيسة... ليس لشركة ما وراء البحار، لكن في الظهران عندما كان مديرا رئيسا للعمليات، فأجاب: كان لدينا نحو، كما أتذكر، لدينا نحو 15.000 موظف سعودي يعملون تحت إدارتي و1.000 أو أكثر من الأميركيين، لدينا مصفاة، المصفاة تحت إشرافي، كانت تنتج، تعالج أكثر من 280 برميل نفط يوميا. تواجه صعوبة الشحن، شحن ذلك النفط تواجه خطوط الأنابيب، لديك التابلاين، نهايتنا من خط التابلاين، وكل النفط المنتج يجب معالجته، لأنه يحتوي كبريتيد هيدروجين، ولذا تطلب منهم معامل كبيرة، معامل كهرباء كبيرة، ولدينا معامل تثبيت كبيرة، ولدينا محطات ضخ كبيرة، لدينا نشاط.

هيك: حسنا، ذلك جلب إلى انتباهي شيئا ما: هل كان يجب عليك أن تتعلم اللغة العربية، يا بول؟

بول: لا ربما كان يجب علي، لكنني لم أفعل. وأظن أنني لو تعلمتها لبقيت هناك إلى الأبد، حاولت تعملها، لكنك تتعلم ما يكفي لتمشية أمورك؟

هيك: وهل هم جميعا يتحدثون اللغة الإنجليزية؟

بول: ليسوا كلهم.. لا، لا، على النقيض، قليل جدا تحدث اللغة الإنجليزية، قليل جدا. أوه، على النقيض. لا، تستخدم مترجما، لكن حتى هناك، تعتاد القول لأولئك الذين يتحدثون اللغة العربية أن عليهم دائما الاستعانة بمترجم، لأنك تواجه شخصا مغفلا، تعود إلى بعض الأشياء.. مع عملية تماثل مثلما لدينا من كل النشاطات، بدا دائما أن لديك شيئا ما ممكن أن يخفق، تواجه نارا سيئة، أو يكون لديك كسر أنبوب كبير، أو شيء ما يحدث، تحاول أن تجعل كل شيء يتم بسلاسة، لكن على الرغم من بذل غاية جهدك، لا تستطيع دائما تحقيق ما تريد.

هيك: ذلك ما سمي الحياة، أظن.

بول: هذا صحيح، وبالطبع، لديك مشكلات عمال، وهكذا دواليك.

هيك: أوه، ما أنواع مشكلات العمال؟

بول: أوه، واجهنا، كما أتذكر، واجهنا على الأقل مظاهرتين، أو ثلاث مظاهرات.. كانت تلك واحدة من أغرب الأمور التي صادفتها، ذهبنا ذات صباح إلى العمل، وأظن أنه كان في بقيق وكان هناك شرطة كيف اتصل بعضهم ببعض، وما وسائل اتصالاتهم؟.. كانت في ما يبدو ممتازة، كانوا بوضوح تام..

هيك: هؤلاء كانوا السعوديين؟

بول: سعوديون نعم. لم يباشر العمال عملهم قط.

هيك: كم أمضوا في المظاهرة؟

بول: وقتا قصيرا جدا.

هيك: ماذا فعلت؟

بول: أوه، توسطوا وهكذا دواليك. حسنا، كان هناك حالة واحدة، أميرنا المحلي... كان شخصية متميزة حقا، دعا المضربين إلى ملعب كرة القدم، كان لديه عربات نقل تنتظر، وأصدر لهم أمرا، أعطاهم خيارين: إما أن تذهبوا لتعملوا أو تصعدوا على عربات النقل. اختاروا أن يتبعوا رجلا، عادوا إلى العمل، وبعبارة أخرى كانت هامشية على أي حال.

هيك: هل كانوا يريدون مزيدا من الأجور؟

بول: مزيدا من الأجور، أو تحسين بعض ظروف العمل، عموما مزيدا من الأجور.

وفي ما يتعلق بمشكلات العملة، وفي إطلالة اقتصادية على علميات النفط بشركة «أرامكو» من عام 1955 إلى عام 1985م استنطقت هيك، بالدو مارينوفيتش المولود في إيطاليا من أب وأم يوغسلافي المولد وعمل موظفا ماليا في «أرامكو» عن كثير من القضايا في «أرامكو» التي عمل فيها في مواقع مختلفة في القيادة العليا، وتمت المقابلة في منزله في أوستن بولاية تكساس في عام 1993م نورد منها مشكلات تتعلق بالعملة.

هيك: هل كنتم مع ذلك يجب عليكم التعامل بالريالات، العملات المعدنية الفضية؟

مارينوفيتش: حسنا، هذه كانت المشكلة: الحصول على ريالات كافية لمواجهة مسيرات الرواتب، حينها، يجب علي العودة إلى الماضي، وأنا أتحدث عن الأيام التي سبقت وصولي إلى المملكة العربية السعودية.

هيك: أرغب في معرفة بعض من الماضي.

مارينوفيتش: كانت العملة الشائعة في المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية في الحقبة المبكرة، لنقل في الوقت الذي بدأت فيه «أرامكو» نشاطاتها هناك في الثلاثينات الميلادية، هي الروبية الهندية، كان هناك أيضا في التداول بعض النقود الفضية لدولار ماريا تريزيا، مسكوكة فضية نمساوية قديمة، كانت هناك في التداول أيضا مسكوكات ذهبية مختلفة، لكن لم يكن هناك عملة مقبولة بصورة عامة.

عندما بدأت تزداد سرعة عمليات «أرامكو» بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت الحكومة تحصل على بعض المبالغ المالية من النفط، وبدأت سك «ضرب» العملة، في الحقيقة، ساعدتها «أرامكو»، مرتبة سك الريالات الفضية في المكسيك، وبعدئذ نقل الريالات الفضية إلى المملكة العربية السعودية، والشيء نفسه مع الجنيهات الذهبية، لكننا دائما ما نواجه مشكلات في الاحتفاظ بمبالغ نقدية كافية لدفعها إلى عمالنا وأية متطلبات نحتاج إليها محليا.

هيك: هل تتذكر كم كان سعر صرف الريال بالنسبة إلى الدولار؟

مارينوفيتش: في ذلك الوقت، كان الريال الفضي نحو أربعة ريالات مقابل دولار.

هيك: نحو الربع تقريبا.

مارينوفيتش: صحيح، اعتدنا أن نرتب للحكومة لتسك المزيد من الريالات الفضية، وبعدئذ نحصل على هذه الصناديق المملوءة بالريالات الفضية المسكوكة حديثا ونكدسها إلى حد السقف في مكاتبنا من أجل الدفع النقدي. في ذلك الوقت، لم يكن هناك عملات ورقية، أنا أتحدث عن أواخر الأربعينات الميلادية، وأوائل الخمسينات الميلادية، لذا كانت مسيرات الرواتب يجب أن تقابل بالريالات الفضية، وفي كل وقت كان يجب علينا دفع الرواتب كل أسبوعين، كنا نرسل عدة شاحنات كنوورت مملوءة بالعملات الفضية إلى المناطق والرجال يصطفون.

هيك: أنت كنت تقول: إنه كان عليهم خلع أغطية رؤوسهم.

مارينوفيتش: خلع الطاقية، أو الغترة وتفريغ الريالات الفضية فيها ومغادرة نافذة الصرف، كان كابوسا مرعبا تماما من حيث النقل والتخزين، لتنقل العربات الريالات الفضية.

هيك: أين كانوا يضعونها، هل لديهم شيء ما، جيب في الثوب أو..؟

السعودية مكان جيد لوجود أسرة

* وسجلت هيك مقابلة مع ويليام أوين الذي عمل مستشارا قانونيا عاما لشركة «أرامكو» من عام 1961 حتى تقاعده في عام 1975م، حيث أدار كل الشؤون القانونية للشركة في النطاق العالمي، وقد أجريت المقابلة في شهر مايو (أيار) من عام 1993م في مكتبه بشركات خدمات «أرامكو» في هيوستن تكساس الأميركية. هيك: حسنا، أظن أنني أتيت تقريبا على كل الموضوعات التي كان علي أن أسالك عنها، هل هناك أي شيء تفكر فيه؟

أوين: حسنا، ترغبين في أن تعرفي شيئا عن الحياة في المملكة العربية السعودية، وبيجي، ونحو ذلك.

هيك: أوه، بالطبع. نعم، حسنا دعنا نبدأ بالعودة مع..

أوين: كانت المملكة العربية السعودية مكانا جيدا لوجود أسرة. يسمح الطقس بالسباحة لسبعة أو ثمانية أشهر في السنة في الخليج. تتضمن مرافق الشركة الترفيهية مسابح يمكن استخدامها لنفس المدة إذا لم يرغب الأشخاص في الذهاب إلى الشاطئ. كان هناك مجازات بولنج وملاعب تنس، الكثير منها. كان هناك منذ البداية المبكرة ملاعب جولف. كانت في البداية ملاعب جولف ذات تسع حفر خارج حي الظهران على الطريق إلى الخبر، وفي ما بعد أصبحت تسع عشرة حفرة.

وتغطي ذكريات بروك باورز جيولوجي النفط الذي تحول إلى نائب رئيس مجلس إدارة «أرامكو» من عام 1947م إلى 1980م، وقد عمل عضوا في فريق الاستكشاف وأمضى فصول الشتاء في خيمة في الصحراء، وفي الصيف في الظهران ودوّن ملاحظاته هناك، وأجريت المقابلة في 4 مايو عام 1993م في منزله في أوستن، ونقتطف منها جزئية تخص العلاقة بين الملاك والمنتجين والمنافسين، واستخدام النفط كسلاح، يقول باورز حول العلاقة بين الملاك والمنتجين.

تأسيس الأوبك، كانت قد أسست في الواقع قبل أن أكون في أي موقع في الشركة يكون مهتما بها، أما جهد عبد الله الطريقي فقد تحدثت عنه، كنا قد أممنا قبل سنوات، كان يمكن أن تكون هناك «أرامكو» السعودية قبل عشرين عاما. وما كان يمكن أن تظل لديك شركة نشيطة لو بقي عبد الله الطريقي هناك. وكان سيجلب الوافدين من أقطار أخرى.

العلاقة بين الملك والشركة: علاقتنا كانت رأسا مع الملك فيصل، الملكان التاليان.. خالد وفهد. كان لنا علاقات معهما، لكن ليست قريبة جدا من الاتصال الذي كان لنا مع الملك فيصل، عندي صورة في غرفة نوم حفيدتي، لن تستطيعي رؤيتي، لأنني لست ظاهرا فيها، لكنني كنت خلف الملك فيصل تماما. «يضحك»، العلاقة بين الملاك، كانت مريبة جدا، انسجمت بشكل مذهل جدا مع اختلاف الاهتمامات التي كانت لهم مع الترتيبات التنافسية التي لديهم، أنا ذهلت، وكنت دائما مذهولا، عندما استطاعوا التوصل إلى بعض القرارات ذات الهدف الإيجابي لـ«أرامكو»، ولم تكن كما أرادوها من أجل مصلحة شركاتهم الخاصة، غالبا لا يقدمون على قرارات من مثل تلك، وبقوا على ذلك المنوال سنوات، لكن أحيانا كانوا يتجاوزون أمورا يدركون أنها كانت في مصلحة «أرامكو» وليست في مصلحة شركاتهم، وأن عليهم أن ينسجموا معها، مجموعة مذهلة من الموظفين أيضا، كنت أكن إعزازا هائلا لبعض منهم، واحتراما هائلا لعدد منهم. كان عدد منهم.. وكان غالبا يعتمد على أي شركة تدرجوا فيها، لأن إدارة الشركة تميل إلى استخدام منخل (غربال) لإيجاد شبيه مطابق لهم، لا تسمح لموظفين أن يحلوا محلهم إلا من خلاله.

هيك: حسنا: تحدثنا عن ذلك من وجهة نظرك.

باورز: نعم «تغيرات في صناعة النفط».. نعم «يضحك».

هيك: أحب ذلك «النفط سلاح» كان... حصلت على ذلك من عدة كتب قرأتها، كانت كل ما قد تحدثنا عنها في السبعينات الميلادية.

باورز: حسنا، استخدام النفط بالطريقة الصحيحة يمكن أن يكون سلاحا هائلا. يمكنه أن يجبر الدول الصناعية إلى حد كبير، باستثناء محتمل لبريطانيا الآن، إلى أن تجثو على ركبتيها قريبا جدا، إذا أنت فعلا قطعت النفط على أساس منظم في الشرق الأوسط، وربما أقطار أخرى قليلة في الأوبك، يا ساتر! تعتمد اليابان كليا.. ومعظم أوروبا، ما عدا بحر الشمال، فإنتاجهم وتكريرهم بعيد جدا جدا عن سد حاجاتهم، نحن بعيدون عن ذلك. لذا، إذا أنت اعتمدت مقاطعة نفطية نشيطة جدا، فإنها يمكن أن تسبب تأثيرا مدمرا، لنقول من ثلاثة أشهر إلى سنة.

وهذا الاحتياطي النفطي، نحن نضخ النفط إلى تلك... أراهن على أنهم لن يستعيدوا أبدا برميلا واحدا منه، ذلك كان ظني، أراهن أن ما سيحدث سيكون بحيرة مالحة، ولذا سيكون من الصعب إعادة ضخه وسيكون مكلفا، مما سيجعلهم أبدا غير قادرين على.. والأمر الأول، ربما لا يكون في استطاعتهم مطلقا الحصول على مقدار كاف منه هناك، وهذا الأمر يجعل له أهمية كبرى، أدرك ذلك بوصفه عملا يدويا رئيسيا، لأنهم لن يستطيعوا صيانة المعدات، إنهم لن يعمدوا إلى فعل هذا، ولن يعمدوا إلى فعل ذلك إلا إذا كان وشيك الحدوث وخاصة إذا كان مصلتا فوق الرؤوس، وهم لن يعرفوا أنه وشيك الحدوث إلا بعد فوات الأوان. لذا، فأنا لا أرى ذلك أمرا واقعا.

مظاهرات واحتجاجات وإيقاف شحن النفط

* أما بيتر سبيرز الذي يمتلك معرفة واسعة بـ«أرامكو» والشؤون العربية وجاء إلى السعودية قبل 61 عاما (وقت إجراء المقابلة عام 1993م) ليعمل في قسم العلاقات الحكومية بـ«أرامكو» ثم في شعبة الأبحاث، وشارك في إعداد كتاب عن السعودية، وأبحاث من أجل ترسيم الحدود، وتمت المقابلة التي أجرتها هيك مع سبيرز في منزله في أوستن تكساس، نقتطع منها جزئية تتعلق بالوزير عبد الله الطريقي وتأثير حرب 73، وحرب 67 على النفط.

هيك: ألم يكن «عبد الله» الطريقي وزيرا للبترول في ذلك الوقت؟ أو هل كان لك أي تعامل مع وزير البترول؟

سبيرز: شخصيا لا. بالتأكيد الشركة فعلت. عين الطريقي مديرا عاما لمديرية البترول والثروة المعدنية في عام 1954م. لم يرفعوها إلى مستوى وزارة إلا في نهاية عام 1960م. عين مسؤولا للحكومة عن البترول. جاء إلى الظهران وأعطي سكنا في الظهران. كان لديه درجة الماجستير في جيولوجيا النفط من جامعة تكساس هنا في أوستن، وعمل في شركة «تكساكو» لمدة سنة. تزوج بفتاة أميركية وأحضرها إلى الظهران. وأيضا...

هيك: هل نستطيع أن نقول بالضبط إن الموظفين في «أرامكو» عاملوه معاملة رديئة؟

سبيرز: نعم، لأن الفكرة السائدة عند بعض من مسؤولي إدارة «أرامكو» في ذلك الوقت كانت تتمثل بشكل كبير في «نحن المسؤولون هنا. هذه هي شركتنا» وجاء الطريقي جاهزا مستعدا لتولي الأمور، وبدلا من أن يساعده أحد بأخذه إلى إدارة الإسكان وتقديمه وهلم جرا، تركوه تائها وقالوا: «اذهب واحصل لنفسك على سكن»، على أي حال، أظن أنه كان مسارعا إلى الشر إلى حد ما عندما وصل، لكن الإضافة المؤكدة والمسببة للمشكلة جاءت في ما بعد، أمر سيئ جدا، بالمقارنة مع أكثر المسؤولين الحكوميين السعوديين في تلك الأيام، كان ذا تعليم جيد، ويملك خبرات عملية كثيرة. مع الشعور القومي للأمة العربية في الخمسينات الميلادية من القرن العشرين، كيفما كان، كان لديه بعض الأفكار التقدمية الجيدة، أفكار حول كيف أن يكون للمملكة العربية السعودية الكثير لتقول: إنه نفطها الخاص في ذلك الوقت، يجب عليك أن تقول: إن الوضع كان مسيطرا عليه جدا، تحدد شركات النفط الأسعار.

هيك: كانت فقط تخبر الحكومة بماذا سيكون عليه السعر، وهكذا دواليك؟

سبيرز: في الأيام المبكرة، لم يكن يهم الحكومة ما كانت الأسعار عليه، منذ عام 1932م عندما وقعت عقد الامتياز حتى عام 1950م، دفع إلى الحكومة مبلغ ثابت مساو لشلن ذهبي لكل برميل منتج، لذا فإنه لا يهم ما كان عليه السعر، لأنها تحصل على هذا المبلغ القياسي، غيرت هذه الترتيبات في شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 1950م، واتفق على أن تنال الحكومة 50 من صافي أرباح الشركة، ومنذ ذلك الحين فصاعدا ارتبط الأمر بالسعر، كان الاضطراب الكبير في ستينات القرن العشرين الميلادي، شهر أغسطس (آب) عام 1960م، عندما خفضت شركات النفط الأسعار فجأة.

هيك: ما تأثير كل ما حصل من هذا في عام 1973م في عملك؟

سبيرز: لا شيء فعلا، ما عدا أننا انشغلنا في كل ذلك، كثير من الأوراق كانت تذهب وتجيء إلى نيويورك، وهكذا دواليك. كنا مشغولين، لا أتذكر أي انشغال خاص، الشيء الذي كنا منشغلين به كثيرا، والذي تخطيناه كان حرب عام 1967م. الحرب التي بدأت حينها في الخامس من يونيو (حزيران)، وكان العرب والإسرائيليون يتقاتلون، وجاءت الولايات المتحدة الأميركية بهذا الجسر الجوي التمويني الهائل من الأسلحة لإسرائيل.

أغضب ذلك العرب وكانت هناك مظاهرة كبرى، بدأت في رأس تنورة وانتشرت إلى بقية منطقة «أرامكو» مطالبة الشركة بإيقاف شحن النفط، كانت الشركة بالفعل قد أوقفت.. كان هناك وضوح بأنه سيكون هناك نوع من المشكلات... لكنها لم تعلن هذا. أوقفت شحن النفط في رأس تنورة، لكن لا أحد عرف بهذا «بئس إبلاغ المعلومات»، لذا بدأ كل العمال السعوديين بالاحتجاج، وكانت هناك مسيرات ومظاهرات، وهكذا دواليك، وأغلق كل شيء.

هيك: هل طلبت الحكومة من الشركة إيقاف شحن النفط؟

سبيرز: نعم، وفي الظهران حدث الشيء نفسه، الجميع فجأة ترك عمله تماما، انتشر بعضهم هنا وهناك وأوصلوا الأمر.

أما إيلين سبيرز التي عاشت مع زوجها إيلين سبيرز منذ البدايات المبكرة للخمسينات الميلادية في السعودية وحتى عام 1977م، فقد أسهمت إسهاما فاعلا في مجتمع الظهران وتحدثت عن جوانب اجتماعية وتعليمية وصحية في بيئة ذات ثقافة بعيدة عن ثقافة مجتمعها الأميركي بصفتها «مراقبة وزوجة موظف»، أجريت المقابلة في منزلها في أوستن.. في 5 مايو عام 1993م وجاء فيها:

هيك: كان لديكم سعوديون قادمون، منتقلون إلى داخل حي الظهران؟

سبيرز: سعوديون، نعم ليسوا كثرة، لسبب واحد، لأن لدى «أرامكو» برنامج إسكان واسع للسعوديين، كانوا يستطيعون الحصول على قرض من دون فوائد لبناء منزل. لذا بالطبع، عدد منهم فضلوا أن يبنوا منازلهم الخاصة في الخبر أو في الدمام أو في أي مكان. لكن إذا اختاروا فإنهم يستطيعون السكن في الظهران، لم يكن لدينا أعداد كبيرة، لكن كان هناك بعضهم، بعض منهم بدأ الذهاب إلى مدرسة «أرامكو»، لكن أظن كثيرا منهم شعر بأنك إذا ذهبت إلى مدرسة «أرامكو»، تعلمت اللغة الإنجليزية وأصبحت متأمركا إلى درجة لم تكن العائلات السعودية ترغب فيها.

هيك: دعيني أغير دفة الحديث قليلا، وأسألك هل كنت تعرفين أي امرأة سعودية حضرت مناسبات أو احتفيت بهن؟

سبيرز: أسست جماعتنا النسائية ما سمته التبادل النسائي الذي كان، من بعض النواحي، محلا للأشياء المستعملة، كان مكانا مخصصا لكل ما هو مستعمل من ملابس وأوان وقدور، وغيرها مما لم يعد سكان الحي السكني بحاجة إلى استعماله، فيحضرونه ويبيعونه ونتقاضى رسما قدره 5%، أدير هذا لتمويل المشاريع الخيرية للجماعة النسائية للوصول إلى لب الموضوع، ونتج منه نحو عشرين ألف دولار سنويا من أجل المشاريع الخيرية فعليا، أفضل زبائننا عموما كن السعوديات. وتوسعت تلك المؤسسة وتوسعت مرة أخرى.

شاركت مع كل من إدارة التبادل النسائي، ومع اللجنة التي تقرر أين يجب أن يذهب إليه المال، شعرنا بأن معظمه ينبغي أن يوزع محليا، كان لدينا مشاريع خيرية محددة ندعمها خارج المملكة العربية السعودية، كان لدينا دائما مجموعتان من الأطفال الرضع المحتاجين إلى التربية من خلال برنامج الأطفال الرضع الذي يدعم الهنود الأميركيين، وحينها عملنا عدة مساهمات مادية للجمعيات الخيرية العربية في القدس وفي الضفة الغربية، من ضمنها مستشفى ودار أيتام ومدرسة.

لكن معظم المال صرف محليا في وقت مبكر، بدأ أحد الموظفين السعوديين في إيجاد جمعية خدمة اجتماعية في قرية محلية حيث يعيش، كان واحدا من أعظم الأشخاص إثارة للاهتمام ممن قابلتهم على الإطلاق، كان موظفا في «أرامكو» دون أن يحصل على قسط كبير من التعليم، لم يتلق على الإطلاق دروسا في العمل الاجتماعي، لا يعرف لغة أجنبية، لكنه يمتلك الفهم والتعاطف والرؤية لعمل ما يحتاج إليه، كان شخصا مذهلا تماما، بدأ البرنامج في قريته، وكانت مكررة في عدد من مجتمعات أخرى هناك، اعتنت الجمعيات الخيرية بالمرضى والأيتام والأشخاص الذين لا يجدون مكانا يذهبون إليه، معظمها كانت لها بنايات يرعون فيها حضانة أطفال، وفيها فصول لمحو الأمية للسيدات، إلخ.

حينها كنا مشاركين، أيضا، في بداية بعض مدارس البنات قبل أن تدعم من قبل الحكومة ذهبت بعض مساهماتنا في معظمها هناك من أجل توفير المواد، لذا كان علي أن أزور المدارس ومن خلال جماعة المرأة الخاصة بنا، ساعدت على تنظيم مجموعة من صفوف دراسية لبعض من هذه الجمعيات النسائية التي كانت جمعيات خيرية تدعمها الحكومة، ليس فيها فقط فصول محو الأمية، ولكن فيها حرف متنوعة تماما، يعرض أشخاص من جمعيتنا الطرائق التقليدية في كل صف أو المساعدة مع مشروع.