الأمير سعود الفيصل: ما تفعله بعض الدول إزاء مصر تدخل سافر في شأنها الداخلي

ترأس وفد بلاده في اجتماعات اللجنة السعودية ـ المغربية المشتركة للتعاون الثنائي بالرباط

الأمير سعود الفيصل خلال اجتماعات اللجنة السعودية ـ المغربية المشتركة في الرباط أمس (رويترز)
TT

أعرب الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، عن استهجان واستنكار بلاده البالغ والشديد لتدخلات بعض الدول الأجنبية في الشأن المصري، وما وصفه بـ«ممارسة المزايدات» على الشعب المصري، من تلك الدول «في تدخل سافر في شؤونه الداخلية، وعلى نحو يتنافى وأبسط القواعد الدبلوماسية والسياسية وميثاق الأمم المتحدة الذي ينص صراحة في مادته الأولى على احترام سيادة واستقلال الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية».

جاء ذلك في الكلمة التي ألقاها أمس في العاصمة المغربية الرباط، في افتتاح أعمال الدورة الحادية عشرة لاجتماعات اللجنة السعودية ـ المغربية المشتركة للتعاون الثنائي على المستوى الوزاري، والتي عقدت برئاسته فيما ترأس الجانب المغربي وزير الخارجية والتعاون الطيب الفاسي الفهري.

وبين الأمير سعود الفيصل، أن بلاده تتابع باهتمام كبير وترقب، الأحداث التي تشهدها جمهورية مصر العربية الشقيقة، وقال «كلنا ثقة بأن مصر قادرة بمشيئة الله تعالى أن تتجاوز محنتها، وأن تسعى إلى حل الأزمة سلميا، بما لا يؤثر على اقتصادها، ويمكنها من الحفاظ على أمنها واستقرارها، ومواصلة دورها التاريخي في الوطن العربي والإسلامي، وعلى الساحة الدولية».

وأكد الفيصل في كلمته أن العالم اليوم يموج بالمتغيرات المتواترة، وقال إن «منطقتنا العربية تشهد العديد من التحديات، وهو الأمر الذي يتطلب منا بذل جهود مضاعفة للتعامل مع هذه التحديات، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي تستحوذ على جل اهتمام بلدينا سعياً لاستعادة كافة الأراضي العربية المحتلة، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف».

وعن الوضع في تونس أعرب وزير الخارجية السعودي عن الأمل في «عودة الحياة إلى طبيعتها في تونس الشقيقة، وأن تتكلل الجهود القائمة بالتوفيق والنجاح في معالجة آثار الأزمة التي عصفت بها وشعبها الكريم».

وحول لجنة البلدين المشتركة، أوضح الأمير سعود الفيصل «أن استمرار عقد هذه اللجنة، وبمشاركة القطاع الخاص في البلدين يشكل دلالة واضحة على عمق ومتانة العلاقات بين البلدين وشعبيهما، ويمثل ترسيخاً للنهج الذي اعتمده خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والملك محمد السادس، وسعيهما نحو تكريس التعاون المشترك، والدفع به لآفاق أرحب في كافة المجالات بما يلبي طموحات وتطلعات شعبينا، ويخدم مصالح أمتنا العربية والإسلامية».

وأكد أن أعمال هذه الدورة تنعقد «وما زال عالمنا يعاني من تبعات الأزمة الاقتصادية، التي ألقت بظلالها على أسس ومرتكزات النظام الاقتصادي العالمي، وفي سياق الجهود المبذولة للخروج من هذه الأزمة، في إطار مشاركة المملكة في اجتماعات مجموعة العشرين، فقد حرصت بلادي على التأكيد على ضرورة دعم الدول الأقل نمواً، ومساعدتها على مواجهة تبعات هذه الأزمة، وعلى أهمية أن يأخذ النمو الاقتصادي شكلاً يتسم بالقوة والتوازن والاستدامة، وإزالة العقبات التي تواجه التجارة الدولية.

وأضاف أنه «إذا كانت العولمة قد أخذت على عاتقها تحرير التجارة الدولية، وتيسير انتقال رؤوس الأموال بهدف فتح آفاق واسعة للنماء الاقتصادي، سعياً لخلق الفرص الوظيفية ورفع مستوى المعيشة للشعوب، فإننا نجد عالمنا العربي ـ للأسف الشديد ـ مازال عاجزا عن بلوغ الاستغلال الأمثل لما حباه الله من موارد، والاستفادة من مسار الانفتاح الاقتصادي الدولي، وما زالت دولنا العربية عاجزة حتى الآن عن تنفيذ متطلبات منطقة التجارة الحرة، وليس هنالك اتحاد جمركي فعال، مما أضاع علينا العديد من الفرص التنموية، وليس مستغرباً بقاء معدلات التجارة العربية البينية بنسبة لا تتجاوز 12 في المائة من إجمالي التجارة، بينما تصل تلك المعدلات إلى نحو 63 في المائة في دول الاتحاد الأوروبي».

وبين وزير الخارجية أن القطاع الخاص يشكل حجر الزاوية في عملية التنمية، مشيراً إلى أنه من هذا المنطلق تم السعي في هذه الدورة من أجل أن تكون رؤية رجال وسيدات الأعمال في البلدين، المحور الرئيسي لتطوير التجارة والاستثمار بين البلدين.

وقال «إن الإمكانات الـمتاحة لدينا كبيرة جدًا، كما أن الفرص الاستثمارية واعدة، ولابد من السعي الجاد لتوفير الأرضيات والمناخ الـمناسب للقطاع الخاص لاستغلالها بالشكل المأمول، لنتمكن من خلق فرص وظيفية أكبر لشبابنا ورفع المستوى المعيشي لرفاه شعبينا».

وكشف عن أن التبادل التجاري بين البلدين شهد تطوراً في السنوات الماضية، حيث بلغ ما يوازي تسعة مليارات ريال في عام 2008، ولكنه انـخفض إلى خمسة مليارات ريال في عام 2009. معرباً عن أمله ألا يكون مرد هذا الانخفاض وجود عراقيل أو قيود تعيق التجارة بين البلدين، متطلعاً أن يشكل هذا الاجتماع فرصة لتبادل الرأي حول أبرز العوائق، التي تعترض مسيرة التبادل التجاري والاستثماري، والمقترحات الناجعة لتذليلها.

وتقدم وزير الخارجية في كلمته بمقترح عقد اجتماعات دورية نصف سنوية لرئيسي اللجنة التحضيرية ومجلس رجال الأعمال السعودي ـ المغربي «لمتابعة تنفيذ التوصيات، ورفع تقارير عن سير التنفيذ لرئيسي اللجنة الـمشتركة، بالإضافة إلى متابعة تنفيذ الاتفاقيات الثنائية ومذكرات التفاهم التي تم التوقيع عليها أو التي يجري التباحث بشأنها».

كما دعا رجال الأعمال إلى الاستفادة قدر الإمكان من نشاطات برنامج الصادرات التابع للصندوق السعودي للتنمية، خاصة في ظل المشاركة الفعالة للصندوق في أعمال هذه اللجنة في تنفيذ العديد من المشاريع التنموية في المملكة المغربية البالغ كلفتها 1558 مليون ريال، كان آخرها مشروع بناء وتجهيز مجموعة من المدارس الإعدادية بتكلفة إجمالية بلغت 75 مليون ريال.

وثمن العلاقات السياسية المتميزة بين البلدين، مشيرا إلى أنها تتسم بـ«الانسجام في المواقف، والتطابق في الرؤى، والتنسيق والتشاور المتواصل على كافة المستويات، في كل ما من شأنه خدمة العلاقات الثنائية والقضايا العربية والإسلامية، وتحقيق الأمن والاستقرار في أوطاننا، والازدهار والنماء لشعوبنا، علاوة على خدمة الأمن والسلم الدوليين».

كما ثمن لوزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي وأعضاء اللجنة التحضيرية ورجال الأعمال الجهود التي بذلوها في الإعداد الجيد لأعمال هذه الدورة وحرصهم على بحث كل ما من شأنه تعزيز التعاون بين البلدين الشقيقين في كافة المجالات، سعياً لإزالة أية عقبات تعترض مسيرة هذا التعاون، للوصول إلى نتائج مثمرة لخدمة الـمصالح المشتركة للبلدين.

وكان الوزير المغربي الطيب الفاسي الفهري قد ألقى كلمة أوضح فيها أنه بقدر ما تشكل هذه الدورة فرصة لإعطاء الشراكة المغربية ـ السعودية دينامية حقيقية، فإنها تعد الإطار الأمثل للتشاور حول الأوضاع الإقليمية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، في ظل المأزق التفاوضي الناجم عن الموقف المتصلب للحكومة الإسرائيلية.

وجدد الفهري في هذا الصدد، موقف المملكة المغربية الداعم للشعب الفلسطيني الشقيق وحقه في إقامة دولته المستقلة القابلة للحياة، وعاصمتها القدس الشرقية، تنفيذاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.

وتحدث الوزير المغربي عما تشهده المنطقة العربية من أوضاع ومتغيرات دقيقة وحساسة وقال «إن الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لصون المصالح العربية العليا والحفاظ على الوحدة الترابية للدول العربية، وتثبيت استقرارها وأمنها واحترام سيادتها واستقلاليتها ورفع تحدياتها الكبرى، بعيداً عن كل أشكال التدخل في شأنها الداخلي أو محاولات التشويش والإساءة لها تحت تأثير نزعات الهيمنة والاستفراد».

وأوضح الأمير سعود الفيصل عقب اختتام أعمال اللجنة، ردا على سؤال حول ما تشهده مصر حاليا من أحداث، وعن موجات الاحتجاج التي تشهدها بعض البلدان العربية، أن الاحتجاجات «وليدة حراك مستورد»، وقال «نحن نميز بين ما هو مستورد وما هو حقيقي، وما يعبر عن وضع داخلي هو شأن كل بلد، ونحن لا نتدخل فيه بأي شكل من الأشكال». وأعرب عن أمل بلاده في أن يترك المصريون يحلون مشاكلهم بأنفسهم «لأنهم قادرون على ذلك».

وحول قضية الصحراء أكد أن السعودية مهتمة بهذه القضية «لأنها ترى أنه لا يمكن أن تكون العلاقات المغربية ـ الجزائرية مثلما هي عليه الآن»، معربا عن الأمل في أن تجد هذه القضية طريقها نحو الحل.