أصوات إسرائيلية تحذر من المواقف المتطرفة.. وتقول إن الحكومة ملزمة بالسلام

اليمين يحاول صد الاستنتاج بأن أحداث مصر توجب إحياء المفاوضات

سلام فياض يركل الكرة للاعبة فلسطينية في افتتاح الدور النسائي الفلسطيني في ستاد فيصل الحسيني في منطقة الرام شمال القدس المحتلة امس (أ.ف.ب)
TT

تحاول حكومة إسرائيل اليمينية صد المحاولات المتصاعدة في المجتمع الإسرائيلي، وكذلك في الخارج، التي تستنتج من أحداث مصر أنه يجب على إسرائيل أن تبذل قصارى جهدها لإحياء مفاوضات السلام حتى على حساب الاستيطان والأزمة الائتلافية. ويحاول رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قصر «دروس ميدان التحرير في القاهرة» على الموضوع الاقتصادي. وأعلن عن وضع خطة اقتصادية جديدة لتخفيض أسعار بعض السلع الاستهلاكية، حتى يمنع مظاهرات صاخبة في «ميدان رابين في تل أبيب»، على نمط مظاهرات القاهرة.

وكانت أصوات كثيرة في إسرائيل قد دعت نتنياهو إلى تعلم الدرس مما جرى في تونس ومصر وغيرهما، بالقول إن الديمقراطية المتصاعدة في العالم العربي قد تأتي إلى الحكم بقوى التطرف الإسلامي التي تسير وفقا للأجندة الإيرانية الرافضة لأي سلام مع إسرائيل. وأعرب الكثيرون عن قلقهم من تصريحات نتنياهو التي بدا منها أنه يبني سياسته على القول بأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة المستقرة في الشرق الأوسط، وأنه على الغرب أن يغير استراتيجيته ويعزز التحالف مع إسرائيل ولا يسارع إلى إقامة دولة فلسطينية قد تتحول إلى دولة إرهاب على حدود إسرائيل.

وزاد هذا القلق عندما خرج وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، بتصريحات رفض فيها أي ربط بين الصراع مع إسرائيل والأحداث في العالم العربي. وقال ما معناه إنه على إسرائيل أن تتفرج على هذه الصراعات من بعيد وتقرر موقفها لاحقا. وأضاف «يوجد اليوم ثلاثة لاعبين مركزيين في الشرق الأوسط، بعد الضعف الذي أصاب العالم العربي من جراء الهبة في بلاد النيل، وهي إسرائيل وتركيا وإيران، وجميعها ليست دولا عربية. بل إن التدهور الحاصل في الدول العربية يؤدي إلى تفاقم الصراعات الداخلية في دول إسلامية عديدة وبين هذه الدول». وكانت صحيفة «هآرتس» قد نشرت مقالا افتتاحيا أول من أمس قالت فيه «الهزة التي تمر بها مصر وقرب انتهاء ولاية مبارك يبعثان في إسرائيل الخوف من أن يكون من يحل محله أقل ودا، إن لم يكن معاديا لإسرائيل. فمواقف اللاعبين الجدد في الساحة السياسية المصرية هي مواقف الرأي العام، الذي يرفض سلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين، والإخوان المسلمين وجماعات المعارضة الأخرى ممن عارضوا اتفاق السلام». وأضافت «نتنياهو الذي يخشى ظاهرة (إيران ثانية) خلف الحدود، يروج للحفاظ على السلام مع مصر، كعامل حيوي في أمن إسرائيل، ويطلب من خلفاء مبارك ومن الدول الغربية أن يضمنوا هذا السلام وهو محق.. فالحفاظ على السلام حيوي لإسرائيل وللاستقرار الإقليمي. لكن نتنياهو لا يمكنه أن يكتفي بالمطالب، وعليه أن يسأل نفسه ماذا يتعين على إسرائيل أن تفعله كي يحفظ السلام؟ الجواب واضح.. بدلا من التمترس خلف مخاوفه، والانشغال بتراشق الاتهامات مع الفلسطينيين على المسؤولية عن الجمود السياسي، فإن عليه أن يظهر بأن إسرائيل ليست مغلقة الحس أمام نبضات القلب في المنطقة، ومستعدة بجدية لحل النزاع مع الفلسطينيين وقبول اليد الممدودة من (الرئيس السوري بشار) الأسد. وبدلا من التمسك بعالم الأمس، على نتنياهو أن يؤيد مبادرة السلام العربية، التي تجاهلها حتى الآن. وهكذا تسهم إسرائيل بنصيبها في خلق شرق أوسط جديد، ديمقراطي ومستقر». ولم تكن «هآرتس» وحيدة في هذا الطرح. فقد كتب إيتان هابر، رئيس ديوان رئيس الوزراء في عهد حكومة إسحق رابين، في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن على إسرائيل أن تستفيد فورا من الدرس بجعل وجودها السلمي طبيعيا. وكتب «في الشرق الأوسط كل شيء يمكن أن يحصل، وكل شيء يمكن أن ينقلب رأسا على عقب في غضون يوم، وفي غضون ساعة». مئات الآلاف بل وربما ملايين الأشخاص الكادحين، بعضهم أيضا جهلة وعامة، يثورون، هم، في نهاية الحساب، مئات آلاف وملايين لا يمكن تجاهلهم. في لحظة ما تصبح الأعداد الكبيرة نوعية. عندما وقع مناحم بيغن على اتفاق السلام مع مصر، قبل نحو ثلاثين سنة، كان في مصر 32 مليون نسمة، اليوم هم أكثر من 80 مليون، عشرة أضعاف مواطني دولة إسرائيل. الاستنتاج: السنوات والأجيال التالية يجب دفعها إلى الأمام، مثلما هو الحال بالدولة بأسرها، كي تتمكن من التصدي لوضعها كجزيرة منعزلة في محيط من الكراهية. نحن نحتاج اليوم إلى زعماء بعيدي النظر ومقصري الطريق نحو السلام. من دون سلام، أين نكون؟».

وكتبت ايتمار ايختنر في الصحيفة ذاتها تقول «الثورة في مصر تؤكد الضائقة الاستراتيجية لإسرائيل في الشرق الأوسط: وحدها، من دون حلفاء. بدأ هذا قبل نحو سنة، بعد انهيار الحلف الاستراتيجي مع تركيا عقب قضية مرمرة. منذ أن صعد نتنياهو إلى الحكم عانق مبارك، ونجح في أن يخلق معه حلفا حول الخوف المشترك من التسلل الإيراني إلى المنطقة. نتنياهو زار مصر عدة مرات، وأخذ معه الخبير رقم واحد في القيادة الإسرائيلية للشؤون المصرية، فؤاد (بنيامين) بن اليعازر. ونجح نتنياهو في أن يقنع مبارك بأن وجهته نحو السلام. مبارك، حتى لو لم يوفر الانتقاد عن نتنياهو، فقد أعطاه فرصة. أفول مبارك يترك نتنياهو الآن من دون حليف عربي. من الشرق.. بقيت إسرائيل مع نظام الملك عبد الله الثاني الشكاك الذي يتهم إسرائيل بالجمود السياسي، ويحذر من الكارثة ويرفض اللقاء مع نتنياهو. من الشمال وعقب سقوط حكومة سعد الحريري وصعود حكومة الدمى بسيطرة حزب الله، فإن المعسكر المعتدل في الشرق الأوسط فقد محورا مهما. في المناطق هكذا يشير الإسرائيليون إلى الضفة الغربية، يدير أبو مازن حربا شاملة ضد قناة (الجزيرة) التي كشفت عن تنازلاته بعيدة المدى في المفاوضات وعرضته بمثابة خائن لشعبه».

وأضافت أن «الاضطرابات في مصر تطرح تخوفا من أن يتلقى الشعب الفلسطيني شهية الخروج إلى الشارع وإسقاط نظامه الفاسد. وإذا لم يكن هذا كافيا، فقد يبقى الشرق الأوسط مع إدارة أميركية ضعيفة، تعطي الانطباع بأنها رفعت أياديها عن المنطقة. في هذا الوضع قد يكون لنتنياهو مخرج واحد أو اثنين: أن يجلس فورا مع أبو مازن ويعقد صفقة تكون مشابهة جدا لاقتراح (سلفه إيهود) أولمرت، أو يتخلى عن الفلسطينيين ويعرض على دمشق صفقة حقيقية: نزول من الجولان مقابل انقطاع عن إيران وعن حزب الله».