منظر الجماعة الإسلامية بمصر لـ«الشرق الأوسط»: الثورة ملك شباب «فيس بوك»

الدكتور ناجح إبراهيم نصح الإسلاميين بالنأي عن السلطة.. ويؤكد فرار سجناء منتمين لـ«القاعدة» و«الجهاد»

سيدة مصرية تحمل علم بلادها على جسر قصر النيل في طريقها إلى ميدان التحرير أمس (أ.ف.ب)
TT

أكد الدكتور ناجح إبراهيم منظر الجماعة الإسلامية، فرار سجناء منتمين لـ«القاعدة» و«الجهاد» بمصر في خضم الفوضى التي صاحبت الاحتجاجات الدامية المناهضة لنظام حكم الرئيس حسني مبارك، وقال في حوار مع «الشرق الأوسط» إن الثورة التي تشهدها مصر ملك شباب «فيس بوك»، وإن الآخرين بلا استثناء جاءوا بعد أن غادرت الشرطة الميدان، ونصح الدكتور ناجح الإسلاميين بالنأي بأنفسهم عن طلب السلطة، كالرئاسة والمواقع الحساسة حتى لا يجهضوا هذه الثورة، مشددا على تمسك جماعته بنبذ العنف حتى لو تغير نظام الحكم.

وتحدث الدكتور ناجح، الذي تعرض للسجن لنحو ربع قرن في عهد مبارك، عن ذكاء «الثورة» المستعرة في العديد من المحافظات المصرية لأنها لم ترفع منذ بدايتها أي شعارات دينية أو آيديولوجيات سياسية، كان يمكن أن تثير انقسامات حولها، مشيرا إلى إنهاء الثورة لعهد مبارك عمليا، وإغلاقها ملف التوريث.

ووصف ناجح إبراهيم، الموقف في مصر هذه الأيام بأنه «يتعقد يوما بعد يوم» بسبب العند وإصرار كل طرف من الأطراف السياسية والسلطة على موقفه، قائلا إن الرئيس المصري له العديد من الأخطاء والإيجابيات، ومن أسوأ أخطائه «العناد الشديد بلا أي ضرورة سياسية»، وإقصاء التيارات السياسية، وأن من إيجابيات مبارك تجنيبه مصر ويلات الحروب في منطقة الشرق الأوسط الملتهبة.

* هناك معلومات عن أن عناصر من «القاعدة» و«الجهاد» فروا من السجون؟

- نعم.. معظم السجناء في سجن أبو زعبل هربوا من السجن. منهم إخوة من «الجهاد» و«القاعدة» يرفضون فكرة المبادرة (الخاصة بوقف العنف ضد الدولة). لا أظن أنهم يفكرون في عمل شيء. لكن قد يكون همهم الأول هو مجرد الهروب، لأن الهروب في مصر ليس سهلا.. كما أن الجيش مع المباحث (الشرطة) أعادوا عددا كبيرا من السجناء الذين هربوا إلى السجون، ليمضوا باقي العقوبات المقررة بحقهم. أما المعتقلون السياسيون فقد أفرج عن كل من سلم نفسه بعد خمس دقائق.

* هل ستنقضون مبادرة وقف العنف التي توصلت إليها جماعتكم مع نظام الحكم؟

- لا.. هذا غير وارد على الإطلاق.. نحن ملتزمون بمبادرة وقف العنف أيا كان نظام الحكم القادم.

* أين موقع الجماعة الإسلامية من الاحتجاجات الجارية؟

- نحن ثرنا على السادات وثرنا على الرئيس مبارك قرابة عشرين عاما.. ثم كان بيننا وبينه صلح لم نرد أن ننقضه.. هذه الثورة هي ملك للذين صنعوها فقط.. وهم شباب «فيس بوك».. هم الذين دعوا إليها وضحوا من أجلها وحققوا النصر فيها.. والآخرون جميعا بلا استثناء جاءوا بعد أن غادرت الشرطة الميدان.. ومن حضر من الجماعة حضر كغيره من أبناء الشعب المصري. الجماعة الإسلامية اختارت رسميا المشاركة في المجموعات الشعبية للحراسة والأمن والدفاع عن الممتلكات الخاصة والعامة في البلاد الموجودة فيها.. لأن هذا هو ما يناسبها ويتفق مع مبادرتها. ونحن لا نريد أن ننسب نصرا لنا لم نفعله أو نقفز على جهود الغير.

* ماذا عن الإسلاميين في مصر في هذه الظروف؟

- عليهم أن يبينوا للناس عمليا أنهم ليسوا طلاب سلطة، ولكنهم دعاة إصلاح وتغيير حقيقي وتنمية للمجتمع. عليهم أن ينأوا بأنفسهم عن منصب الرئاسة وما شابهه من المناصب الحساسة حتى لا يضيع كل شيء وتتمزق الثورة إربا. وعليهم أن يؤكدوا نبذهم للعنف، والتأكيد على أن الإسلام يختلف عن الحكم الإسلامي والحركة الإسلامية. فالإسلام معصوم، أما الحكم والحركة فهي غير معصومة، وهي ليست حجة على الإسلام إذا وقع منها خطأ.

* هل يمكن أن تضع تقييما لما حققته الاحتجاجات المصرية حتى الآن؟

- تحققت نتائج كثيرة جدا منها انتهاء عهد الرئيس مبارك عمليا. وإغلاق ملف التوريث إلى الأبد.. ووضع نهاية للحزب الوطني.. وبدء عهد جديد سيكون الشعب فيه حارسا للديمقراطية والحرية. أعتقد أن الثورة عالجت مشكلة الاحتقان الطائفي بين المسلمين والمسيحيين في البلاد، من دون مثقفين أو مفكرين أو شيوخ أو قساوسة أو ادعاءات علمانية متطرفة. يبدو لي أن سبب الاحتقان الطائفي كان الانسداد السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي ساد مصر في الفترة الأخيرة.

* ما أبرز معالم هذه الاحتجاجات التي أصبحت تسمى «ثورة»؟

- الثورة كان فيها ذكاء سياسي كبير.. فهي لم ترفع منذ بدايتها شعارا دينيا حتى لا تجهض وحتى لا يتم رفضها من قوى كثيرة بالمجتمع.. كما لم ترفع شعارا سياسيا حتى لا تحدث خلافات بين القوي السياسية المشاركة فيها. ولم تتعرض للسياسة الخارجية.. فلم تهتف ضد أميركا وإسرائيل أو تطالب بإلغاء معاهدة كامب ديفيد. كل ذلك حيَّد القوى الخارجية.

* إلى أين يمكن أن تتطور الأوضاع. وماذا يحدث لو انتهى المطاف بسيطرة الإخوان أو الجيش على الحكم؟

- الموقف الآن يتعقد يوما بعد يوم.. كل طرف يصر على موقفه. أخشى ما أخشاه أن يؤدي ذلك لانقلاب عسكري، لنعود إلى الشرعية الثورية، وهي أسوأ من شرعية دستورية فاسدة.

* وبماذا تنصح «الثورة»؟

- البعد عن استخدام الشعارات البذيئة، لأن هذا مخالف للإسلام والأعراف الطيبة. أنا دائما أنصح تلاميذي بحكمة مختصرة «الدعوة هي قولة الحق مع عفة اللسان»؛ إذا غاب أحدهما فشلت رسالتك.

* هل هناك سلبيات تراها في هذه الثورة؟

- رغم أنني سجنت سنوات طويلة في عهد مبارك، لكنني حزنت بشدة على أعمال البلطجة والسلب والنهب للممتلكات العامة والخاصة. لا يجوز حرق المباني العامة لأنها ملك للشعب، وسيتم تجديدها على نفقة الشعب من أموال الضرائب.

* ومم تخاف على هذه الثورة؟

- أخاف عليها من التشدد في الخطاب، أو استخدام الشعارات البذيئة، وكذلك أخشى عليها من أن تقع في التعميم، أو تتهم بعض الأبرياء بما ليس فيهم أو تسرق من القوى السياسية الأخرى.

* ماذا تعني بالتعميم؟

- التعميم مثل أن يشيع في الشارع المصري، كما يحدث الآن، أن كل رجال الأعمال لصوص. هذا خطأ وخطر. التعميم أخطر شيء في الثورات، لأن العواطف فيها تغلب العقل. وهذا قد يضر بمستقبل هذه الثورة بعد ذلك. نريد أن لا نكرر خطأ ثورة يوليو (1952) حينما صورت كل الإقطاعيين والرأسماليين وقتها على أنهم لصوص يأكلون قوت الشعب، فتركوا مصر.. وتأخر الاقتصاد كثيرا.

* ما تقييمك لنظام حكم الرئيس مبارك؟

- هو كغيره من الحكام له إيجابياته وسلبياته. ومشكلته أنه مكث في السلطة طويلا مقارنة بسلفيه الراحلين جمال عبد الناصر وأنور السادات. فظهرت كل مثالبه وغطت على معظم حسناته، حتى لم يعد يشعر أحد بحسناته السابقة على الرئاسة.

* ما الأخطاء التي وقع فيها الريس مبارك من وجهة نظرك؟

- يصعب حصر الأخطاء.. ولكن أهمها، العناد الشديد بلا أي ضرورة سياسية؛ فقد كان الشعب يريد منه مثلا تغيير وزير أو إبعاد قيادي، لكنه كان يرفض في كل مرة.. ثم إن فترة حكم الرئيس مبارك اتصفت بالجمود وعدم المرونة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية. وإقصاء حكم مبارك للجميع؛ أي للتيارات السياسية كافة، وأكثر من نالهم هذا الإقصاء الإسلاميون بمختلف طبقاتهم. كان يوجد تزاوج بين السلطة والثروة أنجب الفساد والرشوة. في العهود السابقة كان الرئيسان جمال عبد الناصر وأنور السادات يشترطان الولاء فقط لتولي المناصب، كما إن عبد الناصر كان يتميز بالعدالة الاجتماعية.. كما انتشرت فكرة بيع وتوريث كل شيء. ولم تعد للكفاءة أي دور. كما إن معظم من تولوا ميادين الثقافة والإعلام كانوا يكرهون الهوية الإسلامية والعربية. أضف إلى ذلك، أن نظام مبارك اتبع سياسة القهر والقمع وخص الإسلاميين بالنصيب الأوفر فترات طويلة. ويستثنى من ذلك مبادرة وقف العنف التي كانت نموذجا فذا لحل المشكلات بين الدولة والإسلاميين.

* كم كان عدد المعتقلين من جماعتكم قبل مبادرة وقف العنف؟

- عدد المعتقلين في عهد الرئيس مبارك تجاوز خمسين ألف معتقل من الجماعة الإسلامية وحدها، وعدد الإعدامات التي نفذت في عهد مبارك أكثر من 100 إعدام في عشر سنوات، رغم أنه كان يمكن أن يحل هذه المشكلة بشكل أبسط. ورغم ذلك لا نستثني بعض الحركات الإسلامية التي انتهجت العنف ضده من بعض المسؤولية في ذلك.

* بعد أن سجنت في عهد مبارك نحو ربع قرن، ما إيجابيات حكمه؟

- يحسب لمبارك أنه جنب مصر ويلات الحروب في منطقة ظلت ملتهبة تماما طوال حكمه. أنا لم أمدح الرئيس مبارك أبدا من قبل، وأنا سأقول هذه الكلمات بعد أن انتهى عهده.. لقد علمني السجن العدل مع الخصوم وعدم التشفي فيهم ولذلك أقول إن إيجابيات مبارك أيضا كبيرة وكثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر أنه قاتل من أجل مصر بشجاعة ثلاثين عاما ودوره في حرب أكتوبر لا ينسى أبدا.. ولم يستجب لرغبة أميركا في المشاركة في غزو العراق وأفغانستان.. ومن إيجابياته أيضا قبوله لمبادرة وقف العنف من الجماعة الإسلامية وإفراجه عن قرابة 12 ألف معتقل قضى معظمهم في السجون أكثر من 12 سنة من دون محاكمة.

* بماذا تصنف نفسك في الوقت الحالي؟ هل أنت سياسي، أم مفكر إسلامي؟

- أصنف نفسي كمفكر إسلامي أو داعية إسلامي. ولست سياسيا. ولا أحب أن أكون كذلك. وانتدبت نفسي لكي أجمع بين الواجب الشرعي والواقع العملي جمعا لا يخل بأحدهما، ويربط الدين بالحياة ربطا صحيحا، بحيث لا يضيع الواجب الشرعي تحت ضغط الواقع، ولا يهمل الواقع العمل بحجة أهمية الواجب الشرعي.