جدل حول مراكز إيواء الأفغانيات ضحايا العنف الأسري

مشروع لإغلاقها أو إلحاقها بالوزارة وسط اتهامات للحكومة بمحاولة استرضاء المتشددين

أفغانية مع رضيعها في مركز لإيواء ضحايا العنف الأسري في كابل (نيويورك تايمز)
TT

بعدما طردها والداها من المنزل لرفضها الزواج بأرمل في الثانية والخمسين من عمره ولديه 5 أطفال، استقلت صابرا، 18 عاما، حافلة نقلتها إلى قلب كابل، بينما عصف بها الخوف والتوتر. نامت داخل مسجد، ووجدت بالكاد قوتا يسد رمقها، حتى عطفت عليها سيدة وعرفتها بعاملين في مجال حقوق الإنسان، أوصلوها إلى مركز لإيواء النساء.

لكن هذه الرحلة، رغم ما تحمله من رعب بما يكفي لشابة لم تغادر قط لمسافة أبعد عن السوق المحلية، ستزداد صعوبتها في ظل قواعد جديدة تعكف الحكومة الأفغانية حاليا على صياغتها، يرى أنصار المرأة أنها ستردع أكثر النساء والفتيات المتضررات عن السعي لطلب الملاذ وتفرض في الوقت ذاته حصارا على مراكز الإيواء المخصصة للنساء.

وتعكس القواعد الجديدة الشكوك التي لا تزال ملاذات النساء تثيرها داخل هذا المجتمع شديد المحافظة، حيث أصبحت هذه الملاذات ترمز إلى الصراع بين قيم الحداثة والأخرى التقليدية في أفغانستان. ويعتقد كثيرون أن وجود مثل هذه الملاذات في حد ذاته يشجع الفتيات على الفرار من منازلهن، وفي أسوأ الأحوال يشكل واجهة لدور دعارة.

ويتطلب القانون الجديد من النساء أمثال صابرا تبرير هروبها من منزلها أمام لجنة حكومية مؤلفة من 8 أعضاء، وتضطلع اللجنة بمهمة تقرير ما إذا كان ينبغي تحويلها لملاذ للنساء أو حبسها في السجن أو إعادتها إلى أسرتها، حيث ستواجه مخاطر التعرض للضرب أو ربما الموت. كما ستتعرض لفحص طبي قد يشمل فحص العذرية.

وفي الوقت الذي يأمل البعض في أن تخفف الحكومة حدة بنود القانون الجديد قبل التصديق النهائي عليه، يرى أنصار المرأة أن هذه الجهود تعد مثالا على خنوع الحكومة للعناصر المحافظة دينيا واجتماعيا مع شروع حكومة الرئيس حميد كرزاي في جهود مصالحة مع المتمردين. ويخشى أنصار المرأة أن حقوق النساء ستكون أول مجال تقدم الحكومة تنازلات بشأنه.

وعن ذلك، قالت مانيزها نادري، مديرة منظمة «نساء من أجل النساء الأفغانيات» التي تتولى إدارة 3 ملاذات و5 مراكز لتقديم استشارات للنساء في مختلف أرجاء البلاد: «لست على ثقة مما يفعلون، ربما ذلك لأن الحكومة أصبحت أكثر محافظة وتسعى لاسترضاء طالبان، لذا تقدم على مثل هذه الإجراءات». وأضافت: «العنف الأسري ظاهرة ثقافية وستتطلب وقتا لتغييرها وستتغير، لكن النساء بحاجة إلى مكان آمن للجوء إليه عندما يسقطن ضحايا للعنف».

منذ عقد من الزمان، لم يكن للملاذات المخصصة للنساء المتضررات وجود في أفغانستان، حيث لا يزال الكثير من الممارسات المرتبطة بحقبة طالبان، مثل الزيجات التي يرتبها الأهل لفتيات في عمر الطفولة وعمليات الجلد العلنية وبتر أطراف النساء، مستمرة في المناطق الريفية.

اليوم، يوجد في أفغانستان نحو 14 ملاذا للنساء تمول من قبل منظمات دولية وجهات خاصة مانحة وحكومات غربية. ومن شأن التدابير الجديدة، التي صاغتها وزارة شؤون المرأة، وضع هذه الملاذات تحت السيطرة الحكومية المباشرة.

وقد أثارت هذه القواعد قلق أنصار المرأة، الذين أعربوا عن خوفهم من عجز اللجنة التي ستعينها الحكومة عن التصدي للضغوط التي ستتعرض لها من قبل أصحاب النفوذ أو غيرهم لإعادة فتياتهم إلى المنازل بحيث يتمكنوا من إنزال العقاب بهن، طبقا لما تقتضيه الأعراف الأفغانية. وجدير بالذكر أنه حتى الهروب من زوج يعتدي بالضرب على زوجته يعد عارا على أسرة المرأة.

وقالت ثريا باكزاد، التي تتولى إدارة ملاذات للنساء في إقليمي هراة وبادغيز: «في الكثير من الحالات، واجهت صعوبات بدءا من الحاكم أو المسؤول المحلي الذي يناصر أسرة الفتاة، وليس الفتاة نفسها. إذا كان والد الفتاة قائدا عسكريا سابقا وكان القاضي صديقا له، يقولون: أعيدوا الفتاة لأسرتها. إننا قادرون على رفع أصواتنا، لكن أخشى أن وزارة شؤون المرأة لن تتحلى بالشجاعة الكافية».

وأبدى مديرو ملاذات النساء استعدادهم للخضوع لرقابة حكومية وثيقة والالتزام بإجراءات العمل التي تفرضها الحكومة. إلا أن إدارة ملاذات النساء ليست بالأمر الذي تملك وزارة شؤون المرأة الميزانية أو فرق العمل أو الخبرة اللازمة له، طبقا لما أعلنته «لجنة حقوق الإنسان الأفغانية المستقلة» ومديرو الملاذات.

وقالت ثريا سوبهرانغ، عضو لجنة حقوق الإنسان والتي تعنى بقضايا المرأة: «الوزارة عاجزة عن توفير عاملين لمكاتبها ببعض الأقاليم، فكيف يمكنها العثور على موظفين للاضطلاع بمهمة أكثر حساسية مثل إدارة ملاذات للنساء؟». يذكر أن وزارة شؤون المرأة مرت بوقت عصيب خلال محاولتها توظيف نساء للعمل في مكاتبها الإقليمية في جنوب منطقة البشتون وشرق البلاد، حيث لا تزال حركة التمرد قوية. ولا يزال المديرون المحليون يواجهون على نحو روتيني تهديدات بالقتل ومحاولات اغتيال.

بدأ تطوير القواعد الجديدة عام 2009 عندما أسس كرزاي لجنة برئاسة رجل دين بارز، هو الملا نعمة الله شاهراني، للنظر في أمر الملاذات ووضع تقرير بشأنها. ويصر مسؤولون رفيعو المستوى بوزارة شؤون المرأة على أن القواعد الجديدة ترمي لخدمة صالح النساء وأنه ليست هناك نية للاستيلاء على الملاذات الحالية. إلا أن مشروعا خاصا بالتدابير الجديدة، حصلت عليه «نيويورك تايمز»، يوضح أن المنظمات غير الحكومية لم تعد تدير الملاذات. وقالت فوزية أميني، رئيسة القسم القانوني بوزارة شؤون المرأة: «نريد ملاذات يمكن للنساء الشعور بالأمان فيها بعيدا عن التوتر ويمكننا السعي لنيل مساعدتها». وأضافت: «لا نرغب في السيطرة على الملاذات أو المنازل الآمنة الخاضعة لإدارة منظمات غير حكومية أو أي جهة أخرى، وإنما نريد بناء ملاذات خاصة بنا إلى جانب هذه الملاذات».

ومع ذلك، أصدر مجلس الوزراء الأفغاني، على ما يبدو، أمرا واضحا بإخضاع جميع الملاذات للإدارة الحكومية، حسبما ذكرت مصادر مقربة من الحكومة. وربما يعكس ذلك حساسية واسعة النطاق يكنها كثيرون في حكومة كرزاي والبرلمان تجاه الملاذات. ويشعر هؤلاء بضيق خاص تجاه حرص مديري الملاذات على تذكير الرأي العام الأفغاني بالشوط الكبير الذي يتعين عليه قطعه على صعيد مكافحة العنف ضد المرأة. ومن بين الحالات المثيرة للاهتمام في هذا الصدد وزيرة العمل والشؤون الاجتماعية وشؤون الشهداء والمعاقين، أمينة أفضالي، عضو اللجنة التي زارت ملاذات للنساء. وخلال مقابلة أجريت معها، اعترفت بوجود حالات لنساء يحتجن إلى الحماية، لكن أبدت ضيقها من المشاركة القوية للملاذات في المناقشات حول إساءة معاملة النساء.

ومن الأمور المثيرة للإزعاج على نحو خاص، حسبما ذكرت أفضالي، الدعاية التي صاحبت قضية بيبي عائشة، العروس الطفلة التي تعرضت لجدع أنفها على يد زوجها بعدما حاولت الهروب من منزله. وقد صورتها مجلة «تايم» ووضعت الصورة على غلافها العام الماضي، بينما كانت تقيم في ملاذ تديره منظمة «نساء من أجل النساء الأفغانيات». وقالت أفضالي إن هذه الدعاية «تحط من قدرنا أمام العالم». وأضافت: «تخضع أفغانستان الآن لمتابعة وثيقة، لكن عند فحص الأوضاع ببلاد أخرى، سيتضح وجود حالات استثنائية مشابهة على غرار هذه الحالة بها».

وقد أبدى بعض أعضاء البرلمان المحافظين تفضيلهم لإغلاق الملاذات تماما. فمثلا، ندد حاج نياز محمد، عضو برلماني عن إقليم غازني، بصورة واضحة بالملاذات، ونعتها بأنها «أماكن رسمية لزيادة الفسوق في بلادنا». وأضاف: «هذه الملاذات تخلق مشكلات داخل أسر ومنازل عدة، وتشجع الفتيات على الفرار من منازل أسرهن».

وفي 90% من الحالات التي تجري خلالها إعادة الفتيات من الملاذات إلى قراهن، لا يتقبلهن المجتمع ويواجهن شكوكا بأنهن ارتكبن فاحشة الزنا، حسبما ذكر العضو البرلماني.

- أسهم في التقرير سانغار رحيمي.

* خدمة «نيويورك تايمز»