صياد «سلطعون» أميركي لا يزال يواجه القضاء الجنائي في روسيا رغم تبرئته

وقع في أيدي الذين يتمتعون بنفوذ لسحق منافسيهم في السوق باستخدام الشرطة والمحاكم

TT

يواجه أميركي أوجد لنفسه مكانا تحت الشمس في مجال صيد السلطعون الوعر، نظاما قضائيا جنائيا متقلبا وجه نظره إليه فجأة وبعد قضائه 3 أعوام في السجن لم تبرأ ساحته بعد.

لا يعتبر مجال صيد السلطعون في روسيا مجالا سيئ السمعة ولا محدودا بحيث يؤدي إلى أعمال انتقامية وابتزاز.. لقد حصل أركادي غونتميكير (53 عاما)، الذي هاجر من أوكرانيا إلى سياتل عام 1993، على الجنسية الأميركية وبلغت عدد السنين التي عمل بها في روسيا وقت اعتقاله 20 عاما وكان يعلم جيدا كيف تدار اللعبة. كذلك كان من كبار مشتري السلطعون لتصديره إلى الولايات المتحدة عبر بوسان، بكوريا الجنوبية؛ حيث يفرغ قادة السفن الروس الكميات الزائدة من السلطعون.

لم يكن غونتميكير من الحكام النافذين الذين أثاروا حنق الكرملين كما فعل ميكايل كودروفيسكي، القطب البارز في مجال النفط، كذلك لم يوجه أي اتهامات للسلطات مثل المحامي سيرجي ماغنيتيسكي قبل أن يزج به في سجن موسكو حتى وافته المنية. لكنه مثلهم وقع في أيدي القضاء الجنائي الذي يجعل إدارة أي عمل أمرا يتضمن مخاطرة ويستطيع من خلاله أي شخص يتولى منصب أو يتمتع بنفوذ سحق منافسيه في السوق باستخدام الشرطة والمحاكم ويكون المثول أمام المحاكمة مرتين على خلفية الجريمة نفسها إجراء معتادا إذا كان هذا ما يتطلبه إبعاد شخص عن الساحة.

يقول سيرجي فيكرين، الذي يدير موقعا إلكترونيا عن الصيد التجاري في كمشاتاكا: «لا بد أن شخصا ما أراد السيطرة على هذا المجال». وقد تم إلقاء القبض على غونتميكير عام 2007 في فندق بموسكو؛ حيث ذهب لحضور معرض طعام بتهمة الصيد غير الشرعي وغسيل أموال وترؤس تنظيم عصابي. وقد أوضح في دفاعه أنه لا يمتلك أي قوارب ولم يتعامل مع أي قبطان بشكل مباشر ولم يرتبط بأي التزام يتطلب التحقق من شرعية السلطعون الذي يشتريه.

وتوصلت هيئة المحلفين في هذه المدينة الساحلية المقبضة للنفس والتي لا تزال على قيد الحياة بفضل تجارة السلطعون، إلى قرار بأنه غير مذنب في ديسمبر (كانون الأول). لكن بعد ذلك بفترة قصيرة وقبل أن يغادر قاعة المحكمة، تم إلقاء القبض عليه ويواجه حاليا تهما جديدة على خلفية معاملات في المجال نفسه. لكن عوضا عن اقتياده إلى قسم الشرطة، نقل إلى المستشفى. فبعد 3 سنوات قضاها في الحبس الاحتياطي، أصيب بمشكلات في القلب وقال الأطباء إنه بحاجة إلى إجراء عملية جراحية.

ويقول فيكرين: «لقد تم تجريم صيد السلطعون في التسعينات». ويتكون هذا النشاط من عمال وقوارب ومشترين ومسؤولين فيدراليين من هيئة المصايد وحرس الحدود الذين يفترض بهم أن يطبقوا القانون. ويضيف: «في حال غياب أي من هذه العناصر، لن تكون الجريمة ممكنة.. لا يمكنك القول إن غونتميكير مذنب إلا إذا استطعت إثبات أن الآخرين في هذه السلسلة مذنبون».

ومع ذلك وجه مكتب المدعي العام تهما فقط إلى غونتميكير ومتهمين اثنين روسيين يمتلكان شركة قابضة كانت لها معاملات مباشرة مع أصحاب القارب. وتمت تبرئة الثلاثة، لكن غونتميكير فقط هو من يواجه هذه الاتهامات الجديدة. وكما هو معتاد في روسيا، طلب المدعي العام تبرئته، لعدم كفاية الأدلة التي تشير إلى كيفية تهريب السلطعون الذي تم اصطياده بطريقة غير شرعية من البلاد.

يقول ميكايل ماشكوفتسيفك، شيوعي ومن آخر حكام جزر كمشاتاكا المنتخبين: «بالطبع كانت هناك أعمال انتقامية». جدير بالذكر أن حكام كمشاتاكا أصبحوا يعينون من قبل الرئيس منذ عام 2004. ويقول فلاديمير جيربايونكوف، محامي المتهمين الآخرين في إشارة إلى كمشاتاكا: «يعيش الكثيرون على الصيد غير الشرعي للسلطعون». ويوضح أنه يمكن لقبطان جني 5000 دولار في الرحلة، إضافة إلى راتبه الشهري البالغ ألف دولار، إذا قام بالصيد غير الشرعي. وأضاف: «بالطبع حرس الحدود على علم بذلك.. فمن دونهم يستحيل تهريب السلطعون إلى كوريا».

ولم تتم الاستجابة إلى أي طلب موجَّه إلى هيئة الصيد الفيدرالية للتعليق.. وصرح متحدث باسم حرس الحدود التابع لهيئة الأمن الفيدرالية يوم الجمعة بأنه لا يستطيع التعليق على هذه الواقعة فورا.

وقال أليكسي أنيتشين، رئيس لجنة التحقيق في مكتب المدعي العام، في إفادة مؤخرا: «لو لم نكن متأكدين من قيامنا بعملنا على الوجه الأفضل، لما كنا أحلنا هذه القضايا إلى القضاء. نعتقد أنه كانت هناك جريمة، والجرم مثبت، بينما لم تعتقد المحكمة ذلك. وهناك تحقيق في قضية جديدة ضد غونتميكير في الشرق الأقصى، لكنني لا أستطيع التعليق على هذا الأمر الآن».

ظل غونتميكير حرا منذ القبض عليه مرة أخرى، لكن هناك قيودا على تحركاته. بعد أن أثبت الفحص الطبي في كمشاتاكا إصابته بمشكلات في الأوعية الدموية لا تمكن معالجتها في المستشفى المحلي، غادر إلى سانت بطرسبورغ ثم إلى موسكو لإجراء المزيد من الفحوص. وقد قال إنه لا يريد إجراء عملية جراحية في القلب في روسيا خشية أن يتعرض إلى محاولة قتل خلالها. وقد قال طبيب قلب في سياتل بعد فحص سجله الطبي إنه يعاني اضطرابا في ضربات القلب. وقد طلبت السفارة الأميركية إطلاق سراحه لأسباب صحية، بحيث يستطيع السفر إلى الولايات المتحدة لتلقي الرعاية الصحية المناسبة. وقالت أسرة غونتميكير إن هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، أثارت قضيته مع نظيرها الروسي، سيرجي لافروف، خلال لقائها به في ميونيخ الشهر الحالي.

ولم ير غونتميكير زوجته لينا أو ابنيه ليو (25 عاما)، ومايك (8 أعوام)، منذ 2007. وقالت لينا، خلال مكالمة هاتفية يوم الجمعة من منزلها في واش في بيلفيو: إن ليو قوي. وأضافت: «الابن الأصغر هو الذي يقطع نياط القلب، فهو يكتب رسائل قصيرة إلى والده».

وقد حقق مكتب التحقيقات الفيدرالية في أمر شركة غونتميكير بعد القبض عليه، على حد قول لينا، للتأكد من أن نشاطها حقيقي لا واجهة. وقال فلاديمير أوديغاليو، محامي أركادي غونتميكير: إنه تم تسليم نسخ من الوثائق إلى المدعي العام الروسي لكنها لم تدخل ضمن ملف القضية. ويعتقد أوديغاليو أن مجال صيد السلطعون أضحى سيئ السمعة بحيث أصبح من المحال تجاهله وأن الأميركي أصبح هدفا مغريا. وتساءل عن المستفيد من سقوط غونتميكير؛ حيث أوضح أنه بعد أن وصفته الصحافة الروسية بالمجرم الرئيسي، لا يمكن للمدعين أن يقروا بأن ملاحقته كانت خطأ.

وقالت لينا: «إنهم يودون القضاء عليه»، لكن أركادي متفائل بوجود طريقة للمغادرة؛ حيث يقول: «إنني أحب الروس؛ فهم طيبو القلب ورائعون، لكنني لن أعود ثانيا إلى روسيا.. وإذا ذهب أبنائي إلى روسيا، سأحرمهم من الميراث».

*خدمة «واشنطن بوست» خاص ب«الشرق الأوسط»