تقرير سري طلبه أوباما في أغسطس عن الثورات في العالم العربي

التقرير حدد 4 دول ينبغي مراقبتها عن كثب.. ومصر تشغل حيزا كبيرا من تفكير الرئيس الأميركي

TT

أمر الرئيس الأميركي باراك أوباما مستشاريه خلال شهر أغسطس (آب) الماضي بإعداد تقرير سري عن الاضطرابات في العالم العربي، وخلص التقرير إلى أنه من دون إجراء تغييرات سياسية كاسحة، فإن الأوضاع في البلدان العربية بداية من البحرين إلى اليمن تبدو مواتية لاندلاع ثورة شعبية، حسبما ذكر مسؤولو الإدارة أول من أمس (الأربعاء).

وحدد الأمر الذي أصدره أوباما، والذي يعرف باسم «توجيهات الدراسة الرئاسية» المناطق الساخنة المحتملة، وأبرزها مصر، وحث على تلقي مقترحات عن كيفية دفع الإدارة الأميركية للتغيير السياسي في الدول التي تضم «حكاما شموليين» يمثلون أيضا حلفاء قيمين للولايات المتحدة، حسبما ذكر هؤلاء المسؤولون.

وتعامل التقرير السري المكون من 18 صفحة، حسبما ذكر هؤلاء المسؤولون، مع مشكلة أفسدت توجه البيت الأبيض إزاء مصر ودول أخرى في السنوات الأخيرة وهي: كيفية الموازنة بين المصالح الاستراتيجية الأميركية والرغبة في تجنب فوضى واسعة وبين المطالب الديمقراطية للمتظاهرين.

ولم يذكر مسؤولو الإدارة الأميركية كيف ارتبط التقرير بالتحليل الاستخباراتي للشرق الأوسط، والذي اعترف مدير وكالة الاستخبارات المركزية ليون إي بانيتا، في شهادة أدلى بها أمام الكونغرس، بأنه كان يحتاج إلى تحديد «العوامل المثيرة» للثورات في دول مثل مصر بشكل أفضل.

وقال مسؤولون إن تأييد أوباما للجماهير التي احتشدت في ميدان التحرير بالقاهرة، حتى وإن تلاه بعض الإشارات المشوشة من قبل إدارته، عكس إيمانه بأنه كان هناك خطر أكبر قد يترتب على عدم دفع التغييرات لأن القادة العرب كان يمكن أن يلجأوا إلى طرق أكثر وحشية للسيطرة على الثوار.

وصرح مسؤول بارز ساعد في صياغة التقرير وتحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لمناقشة نتائجه قائلا: «لا شك في أن مصر كانت تشغل حيزا كبيرا جدا من تفكير الرئيس أوباما. وقد واجه المرء كل الأمور المجهولة التي قد تخلفها صورة تطور الأمور في مصر وهي الدولة المركزية في المنطقة».

وقال مسؤولون أميركيون إن الرئيس المصري المتنحي، حسني مبارك، بدا طوال الوقت وكأنه يثبت أو يعد ابنه جمال لخلافته. وكان من المتوقع بشكل واسع أن تتحول الانتخابات البرلمانية التي جرت خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إلى انتخابات صورية زائفة. وكانت الشرطة المصرية تسجن المدونين، وكان محمد البرادعي، الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، قد عاد إلى وطنه لقيادة حركة معارضة وليدة.

وفي اليمن أيضا، قال مسؤولون إن أوباما أبدى قلقه من أن تركيز الإدارة الأميركية الشديد على عمليات مكافحة الإرهاب ضد تنظيم القاعدة كان يغفل أزمة سياسية ناشئة، في ظل ثورة شبان غاضبين على الرئيس علي عبد الله صالح.

وقال مسؤول آخر: «سواء كان هذا في اليمن أو دول أخرى بالمنطقة، فقد رأى المرء مجموعة من التوجهات، مثل زيادة عدد الشباب ووجود أنظمة تعليمية بالية واقتصاديات راكدة وظهور تقنيات شبكات اجتماعية جديدة مثل (الفيس بوك) و(تويتر) وكانت هذه الأمور تنذر فعلا بحدوث مشكلة».

وعقد البيت الأبيض اجتماعات أسبوعية مع خبراء من وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية وبعض الوكالات الأخرى. وترأس هذه العملية دينيس روس، المستشار البارز للرئيس في منطقة الشرق الأوسط وسامانتا باور، وهي مديرة بارزة في مجلس الأمن القومي الأميركي والتي تتعامل مع قضايا حقوق الإنسان، وغايل سميث، وهو مدير بارز مسؤول عن التنمية العالمية.

وقال مسؤولون إن الإدارة الأميركية أبقت هذا المشروع سرا، لأنها كانت تخشى من أن يضغط الحلفاء العرب على البيت الأبيض إذا تم تسريب كلمة من هذا التقرير، وهو أمر حدث في الأيام التالية للمظاهرات التي زلزلت القاهرة.

وباستثناء مناقشة ما جرى في مصر، رفض المسؤولون بالفعل مناقشة الأوضاع في دول أخرى بالتفصيل. وحدد التقرير أربع دول يراقبها عن كثب، وقال أحد المسؤولين إن الأوضاع في هذه الدول تتم تغطيتها ومراقبتها على نطاق واسع؛ ومن بين هذه الدول دولة تسعى للتغيير، ودولة أخرى قاومت أي تغيير، إضافة إلى دولتين تمتلكان علاقات استراتيجية عميقة مع الولايات المتحدة، إضافة إلى توترات دينية. وهذه الصفات قد تشير إلى الأردن ومصر والبحرين واليمن.

وعبر إصداره لأمر رئاسي، كان أوباما يسحب مناقشة موضوع التغيير السياسي من الاجتماعات المنتظمة عن العلاقات الدبلوماسية والتجارية أو العسكرية مع الدول العربية. وفي هذه الاجتماعات، قال أحد المسؤولين، إن المصالح الاستراتيجية كانت تلوح بشكل كبير جدا لدرجة يبدو معها من المستحيل تقريبا مناقشة جهود الإصلاح.

وقد ساعدت الدراسة في صياغة رسائل أخرى، مثل الخطاب الذي ألقته وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في قطر خلال شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، والذي انتقدت فيه الزعماء العرب على مقاومتهم للتغيير.

وقال المسؤول: «لقد أثرنا فعلا مسألة من يتولى قيادة عملية الإصلاح، وهل سيؤدي دفع عملية الإصلاح إلى الإضرار بالعلاقات مع الجيش المصري؟ وهل يمتلك الجيش أي اهتمام بالإصلاح؟».

وقد ضغط أوباما أيضا على مستشاريه من أجل دراسة الثورات الشعبية في مناطق أميركا اللاتينية وأوروبا الشرقية وجنوب شرقي آسيا من أجل تحديد ما هي الثورات التي نجحت والثورات التي لم تنجح. ويمتلك أوباما ميلا خاصا تجاه إندونيسيا، التي قضى فيها عدة سنوات عندما كان طفلا، والتي أطاحت برئيسها سوهارتو، الذي كان قد حكم البلاد لفترة طويلة في عام 1998.

وبينما يوجه التقرير استجابة الإدارة للأحداث في العالم العربي، فإنه لم يتم تسليمه بشكل رسمي بعد. وبالنظر إلى سرعة الأحداث في المنطقة، قال أحد المسؤولين، إن التقرير ما زال يمثل عملا في طور التقدم.

* خدمة «نيويورك تايمز»