تقرير: القطاع الخاص السعودي ضحى بالسعودة لمصلحة العمالة الرخيصة

خبير بنكي: تحديد ساعات العمل والحد الأدنى للأجور عوامل مهمة لنجاح السعودة

أجور الوافدين العاملين في القطاع الخاص تساوي ربع اجور السعوديين (أ.ف.ب)
TT

وصف تقرير بنكي صدر في السعودية أمس اعتماد القطاع الخاص المفرط على العمالة الأجنبية الرخيصة بأنه معضلة حقيقية، وأكد التقرير أن بيانات وزارة العمل السعودية حول مختلف أنواع الوظائف، تكشف أن متوسط أجور السعوديين عموما هو أكبر بكثير من متوسط أجور الوافدين، يصل في المتوسط العام إلى أربعة أضعاف ما يتقاضاه العمال الأجانب، مما يدفع القطاع الخاص إلى الإقبال على العمالة الرخيصة والتخلي عن برامج السعودة.

وأوصى التقرير المشرعين السعوديين بوضع حد أدنى لأجور العاملين في القطاع الخاص وتحديد يوم العمل بثماني ساعات مما سيساعد في إنجاح برامج السعودة وزيادة أعداد العاملين السعوديين في القطاع الخاص، إضافة إلى تبني برامج للرواتب التقاعدية أسوة بالقطاع العام.

وقال التقرير الذي صدر عن البنك السعودي الفرنسي أمس إن متوسط المرتب الشهري لأجور الفنيين السعوديين في عام 2009 بلغ نحو 2678 ريالا (714 دولارا)، بينما بلغ متوسط المرتب الشهري لأجور نظرائهم الوافدين 561 ريالا (149.6 دولار) فقط.

وقال معد التقرير الدكتور جون اسفيكياناكيس، مدير عام وكبير الخبراء الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي، إن عام 2009 أيضا شهد بلوغ المتوسط الشهري لأجور المواطنين العاملين في القطاع الخاص 3137 ريالا (836.5 دولار)، أي أربعة أضعاف المتوسط الشهري لأجور الوافدين العاملين في هذا القطاع وقدره 765 ريالا (204 دولارات).

واعتبر الدكتور جون أن هذه البيانات تعكس الأعداد الكبيرة من العمالة الوافدة الرخيصة التي جُلبت عندما بدأت السعودية بزيادة إنفاقها على البنية التحتية، وأضاف: «لذا ينبغي التعامل مع متوسطة الأجور بحذر شديد لأن الفوارق المحتملة ضمن فئة العمال الواحدة قد تكون كبيرة».

وتابع التقرير أنه طبقا لبيانات وزارة الخدمات المدنية قد تتراوح رواتب قطاع الخدمات العامة التي تعتمد على درجات العاملين، من نحو 2000 ريال (533 دولارا) لصغار الموظفين الجدد إلى أعلى بكثير من عشرين ألف ريال (5333 دولارا) لكبار الموظفين ذوي الخبرة المتراكمة على مدى سنوات، على الأقل. وأشار التقرير إلى أن الموظفين الأكثر تخصصا، كالأطباء والصيادلة وأساتذة الجامعات والقضاة، مثلا، قد يتقاضون رواتب أعلى بكثير من رواتب كبار الموظفين.

وقال الدكتور جون إنه ينبغي على سوق العمل السعودية أن تتحول من سوق تعتمد على العمالة الأجنبية الرخيصة إلى سوق متوازنة تدفع أجورا عالية نسبيا لتشجيع السعوديين على العمل في القطاع الخاص، وتحفز الأجور المرتفعة العمال على العمل بجد ورفع إنتاجيتهم مع مرور الوقت، بينما تؤدي الأجور المنخفضة بالعمال إلى التنقل من عمل إلى آخر سعيا للحصول على أجور أعلى. وقال إن تبني مثل هذه السياسة سيزيد من فاعلية الجهود المبذولة لتدريب العاملين في مواقع العمل، لكن عندما يتمسك السعوديون بالوظائف التي يقدمها القطاع الخاص فإن برامج التدريب ستزدهر حتما.

وأشار التقرير إلى أن الخطة الخمسية 2010 - 2014 التي تتبناها الحكومة السعودية تدرس إمكانية إنشاء هيئة تشرف على قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم للمساهمة في تطويرها ولمساعدتها في الحصول على الدعم المالي والتقني والإداري لكي تعزز قدرتها على توظيف السعوديين.

وطبقا لبيانات الخطة فإن السعودية تستهدف رفع نسبة العاملين السعوديين إلى إجمالي العاملين في السعودية من 47.9 في المائة إلى 53.6 في المائة بحلول عام 2014، حيث حددت الخطة الكثير من الأهداف، التي من أبرزها تشجيع القطاع الخاص على زيادة الإنفاق على البحث والتطوير بحيث يساهم بـ23 في المائة من الإنفاق الكلي على هذا المجال بحلول عام 2014، وتقديم قروض ميسرة إلى القطاع الخاص لتشجيعه على استخدام التقنيات الحديثة وتقليص اعتماده على العمالة الوافدة، لا سيما العمالة غير الماهرة، إضافة إلى دعم الاستثمار في مدن اقتصادية جديدة بشرط توظيف سعوديين مع تقديم حوافز إلى شركات القطاع الخاص التي تلتزم بتوظيف السعوديين، وكذلك زيادة نسبة النساء العاملات بمعدل سنوي قدره 6.5 في المائة لرفع عدد العاملات من 692500 في عام 2009، إلى 948700 بحلول عام 2014.

وقال الدكتور جون إن تحديات تنمية الموارد البشرية الشابة التي تواجهها السعودية استرعت اهتمام عدد من المنظمات العالمية، مثل منظمة العمل الدولية التي أشارت في أحد تقاريرها الصادرة مطلع العام الحالي إلى أن معدل البطالة في منطقة الشرق الأوسط هو الأعلى في العالم، وفي دراستها المعنونة «اتجاهات التوظيف في عام 2011»، قالت منظمة العمل الدولية: «إن تكاليف المعيشة المتزايدة، بما فيها إيجارات المساكن وأسعار الأغذية، تزيد التحديات التي تواجهها الحكومة السعودية تعقيدا، ليس كثيرا على صعيد قدرتها على اتخاذ إجراءات مالية ونقدية لتوسيع الاقتصاد، وإنما على صعيد قدرتها على توفير فرص عمل مستدامة لمواطنيها، بالأحرى».

وأشار التقرير إلى أن التعليم في الشرق الأوسط يواجه انتقادات شديدة، من أهمها أنه يركز على التلقين والتكرار بدلا من توسيع استخدام أساليب التعليم القائمة على التحليل والابتكار، مما يؤدي إلى تخرج الشباب، في الغالب، من دون اكتساب مهارات تمكنهم من التنافس بجدارة على فرص العمل المتوافرة في القطاع الخاص.

وقال الدكتور جون: «مع أن السلطات السعودية تهتم بهذه المسألة، فإن ظهور الانعكاسات الإيجابية لهذا الاهتمام على نوعية القوة العاملة المحلية سيستغرق بعض الوقت»، وأضاف: «تحسين نوعية التعليم أمر بالغ الأهمية لمعالجة مشكلة البطالة لأن نسبة البطالة بين السعوديين الحائزين على البكالوريوس أو درجات الماجستير والدكتوراه أدنى بكثير منها في صفوف الحائزين على شهادات المرحلة الثانوية فقط.

وفي عام 2009 بلغت نسبة البطالة بين حملة شهادات المرحلة الثانوية 36 في المائة، بينما بلغت البطالة بين خريجي الجامعات 7 في المائة فقط».

وقال كبير الخبراء الاقتصاديين في البنك السعودي الفرنسي إن السعودية في خطتها التنموية الحالية وصفت نوعية التعليم بأنها «إحدى القضايا الرئيسية التي تحظى باهتمام الكثيرين في المملكة». وأضاف: «لا يقتصر هذا الاهتمام على العاملين في مجال التعليم وحسب، بل يتعداهم إلى جميع المعنيين بفاعلية العملية التربوية لأن ضمان نوعية التعليم يضمن الحصول على خريجين قادرين على المساهمة الفاعلة في التنمية»، وأشار قائلا: «على سبيل المثال، وُصفت مناهج الرياضيات والعلوم بأنها (معيبة)، الأمر الذي يتطلب وضعها على رأس سلم الأولويات، بالإضافة إلى أخذ المتطلبات الثقافية بعين الاعتبار لوضع برنامج للتعليم الديني مدروس بعناية فائقة».

واستشهد معد التقرير بأن المنتدى الاقتصادي العالمي في تقريره الأخير شدد في مسألة التنافسية على حاجة السعودية إلى تحسين نوعية التعليم، ومع صعود السعودية سبع مراتب لتشغل المرتبة الحادية والعشرين على القائمة العالمية للتنافسية، إلا أنها تشغل المرتبة الرابعة والسبعين في مجالي الرعاية الصحية والتعليم الأساسي، والمرتبة الحادية والخمسين في مجالي التعليم العالي والتدريب. وقال التقرير: «إن الرعاية الصحية والتعليم لا يلبيان المعايير السائدة في الدول ذات المداخيل المماثلة»، كما قال أيضا إن تحسين نوعية التعليم قد بدأ «انطلاقا من مستوى منخفض».

واعتبر الدكتور جون أن الحكومة السعودية أخذت هذه العيوب على محمل الجد، الأمر الذي يتجلى بكل وضوح في خطتها الخمسية 2010 - 2014، التي تهدف إلى زيادة عدد طلاب الجامعات على مدى سنوات الخطة بمعدل سنوي قدره 4.5 في المائة، وذلك لكي يرتفع عددهم الإجمالي من 315300 في عام 2010، إلى 375300 بحلول عام 2014.

كما أشار التقرير إلى أن الخطة أيضا تستهدف زيادة عدد خريجي الجامعات بمعدل سنوي قدره 7.2 في المائة لكي يرتفع متوسط عددهم السنوي من 240800 إلى 318300 بحلول عام 2014.

وتابع التقرير أن وزارة التعليم العالي تشدد بوجه خاص على تحسين برامج التدريب التقني ومناهج الهندسة وعلوم الحاسوب والطب، وتؤكد الخطة الخمسية 2010 - 2014 على أن السياسات التعليمية تسعى لتحسين مهارات السعوديين العلمية والعملية لتمكينهم من «تلبية متطلبات الانتقال إلى مجتمع قائم على المعرفة».

وبيّن معد التقرير أن الجامعات الجديدة تعد مناهجها على أساس هذه الموضوعات، ففي عام 2009 افتتحت السعودية جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، وهي أول مؤسسة تعليمية مختلطة في البلاد وبلغت تكلفتها عشرين مليار دولار، وتدير هذه الجامعة هيئة مستقلة كما أنها جذبت الكثير من الكفاءات والطلاب من السعودية ومن شتى أنحاء العالم.

كما لفت الدكتور جون إلى أن أعداد الخريجين من الجامعات الرسمية سجل مختلف المجالات العلمية، موضحا أن عام 2009 شهد تخريج أكثر من خمسة وعشرين ألف طالب من كليات العلوم التابعة للجامعات السعودية الرسمية، أي بزيادة ناهزت أربعة أضعاف العدد الذي سُجل في عام 2004، وذلك طبقا لبيانات منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة. إلا أن التقرير لفت إلى نقطة محورية، وهي أن الكثير من طلاب الجامعات الرسمية السعودية الأربع والعشرين يواصلون اختيار العلوم الاجتماعية والدينية والتاريخ والآداب، علما بأن سوق العمل أصبحت متخمة بهذه الاختصاصات، حيث لا تزال العلوم الإنسانية والفنون أكثر المجالات جذبا للطلاب السعوديين، فطبقا لمنظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة، مثل خريجو العلوم الإنسانية والفنون 41 في المائة من إجمالي خريجي الجامعات السعودية في عام 2009. كما أن العدد الكلي لخريجي العلوم الإنسانية تجاوز ضعفي عددهم في عام 2004.

وختم التقرير بالقول إن الخطط الأولية تقضي ببناء نحو خمس وعشرين كلية تقنية وخمسين مركزا للتدريب الصناعي وثمانية وعشرين معهدا تقنيا، كما أنجزت السعودية إرسال أكثر من 100 ألف طالب متفوق عبر برنامج الملك عبد الله للابتعاث الخارجي، لكي يتلقوا تعليمهم الجامعي في دول أجنبية، وستظهر نتيجة الاستثمارات الضخمة في هذا البرنامج عندما يتخرج هؤلاء الطلاب ويحاولون دخول سوق العمل السعودية.